Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
فضاءات
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 
حقيبة سفر (1)
ميرا الكعبي

 

 

لا اختلاف حينما تكون الحقيبة، حقيبة سفر أو حقيبة مدرسة، في الحقائب نحزم ممتلكاتنا وأشياءنا الثمينة والأشياء التي نحتاج إليها دوماً ولا نستغني عنها، كما نحزم أنفسنا أحياناً كحقائب فيها أفكارنا وأحلامنا ومشاعرنا ونحملها في حقيبة الجسد ونمضي بها؛ لأن الجسد حقيبة الروح.

ربما يذكرني ذلك، وبدهشة، بكتاب غادة السمان (الجسد حقيبة سفر)، ويعود بي إلى هذا الكتاب المدهش الذي قرأته منذ بداياتي مع القراءة، وأنا أحمله معي في حقائبي أينما ذهبت. والذي تأسس فيه بما يسمى بأدب الرحلات الحديث، والذي تؤسس فيه ذكريات المكان. كان يعجبني أن أتتبع خطوات المكان والحكايات التي نسجت فيه قبل أن أرحل إليه؛ لذا سأستعير نصف العنوان من غادة السمان، وسأملأ النصف الآخر من الحقيبة بحكايات السفر وذكريات المكان التي حملتها معي.

من دبي كانت رحلتي مروراً بمطار هيثرو حتى توقفت الرحلة في واشنطن وبقيت فيها يومين لزيارة الملحقية، ثم تابعت الرحلة إلى أوكلاهوما سيتي، ومنها بالسيارة إلى مدينة صغيرة تدعى Edmond لم أشعر بالألفة تجاه إدمند في البداية؛ إذ كانت مدينة توحي بالكآبة وبيوتها أشبه بالأكواخ التي كنا نشاهدها في مسلسلات الرسوم المتحركة (توم وجيري)، وفي المساء تصبح شبه معتمة؛ إذ لا توجد إنارات في معظم الطرق والشوارع! لم تكن سوى عبارة عن جامعة وشارع يضم عدة مطاعم ودكاكين تسوق، وأحياء سكنية هنا وهناك.

لقد أثارت فيّ هذه البلدة الرغبة في البكاء! غير أني كتمت هذا الشعور ولم أبك حينها؛ فلقد كانت شيئاً مختلفاً عما رأيته في واشنطن، أو أن الشعور الذي تتركه واشنطن فيك يشبه شعورك في بيتك مجازاً أو أي مكان يشبهك وتنتمي إليه؛ فلم تترك واشنطن في داخلي الشعور بالوحشة أو الاستغراب كما الذي تركته فيّ إدمند للوهلة الأولى.

لقد كان في استقبالي عند وصولي سكرتير المعهد، وأخذني إلى العائلة التي سأقيم معها، قال لي إن بيتهم فاخر وسأشعر بالراحة، وبالفعل كان البيت مقارنة بمنازل إدمند بيتاً جميلاً وأنيقاً ويتوسطه حوض سباحة، وحديقة في الخلف، وتعرفت على ربة المنزل التي عرفتني بدورها على ولديها وعلى الكلب والقطتين، وأخذتني إلى غرفتي، وعرفت منها أن هنالك طالبة أخرى تسكن معهم وتجاورني في السكن اسمها لينا من كولومبيا، لكنها كانت في الخارج عند وصولي.

وحالما وضعت حقائبي ورتبت شؤوني في الغرفة، تذكرت نهال، فتاة مغربية ورئيسة نادي الطلاب العرب في الجامعة. كنت قد تعرفت عليها من خلال المراسلات والمحادثة عبر الإنترنت؛ فقمت بالاتصال بها وإعطائها عنوان البيت، وما هي إلا ساعة، حتى جاءت نهال ومعها صديقتاها اللتان تعرفت بهما فيما بعد كوثر وسلمى.

كانت نهال تتحدث بلهجة عربية قريبة ومفهومة، وسلمى تتحدث بلغة يمكن فهمها، لكن كوثر ظلت لفترة مستعصية على الفهم. الطريف أنها حينما قالت لي اسمها (كوثغ)، لم أستوعب أن اسمها كوثر إلا بعد ساعات حينما كنا في المطعم نتعشى. حينها قلت - على سبيل المشاكسة -: يبدو أنني لم آت لتعلم الإنجليزية فحسب، بل المغربية.

حينما جاءت سلمى ونهال وكوثر أخذنني في جولة سريعة كي أتعرف على المدينة والجامعة، توقفنا عند الجامعة ونزلت وأرشدنني إلى المكاتب والبنك والأماكن التي قد أحتاج إلى زيارتها لاحقاً. أتذكر حينها عند نزولي من السيارة أنه كان هنالك صوت يشبه صوت عاصفة رعدية، ومن البعد يوجد شيء صغير يدور ويظهر أضواء، فقالت لي سلمى: هذا أمر عادي هذا tornado صغير يأتي دائماً على البعد في مثل هذه الأوقات من السنة، لكنه نادراً ما يقترب من المدينة، ولم يحدث سوى مرة واحدة خلال دراستهن أن اقترب هذا الإعصار من المدينة، واضطررن إلى الدخول في الملجأ shelter.

تبسمت حينها وقلت: هذا ما ينقصني ليكون في استقبالي عند أول يوم من وصولي.

بعد هذه الجولة السريعة، قررنا أن نذهب لنتعشى في مطعم ما. وبقينا هنالك نأكل ونتحدث ساعة. وصادف أن مشرف المطعم عربي الجنسية، وبما أن ملامحي عربية فقد جاء يستفسر عن هويتي من باب الفضول كونه يراني للمرة الأولى، فتحدثت الفتيات عني، بأني هنا لليوم الأول قادمة من السعودية للدراسة، فبدا عليه الاستغراب والفضول؛ فعلى ما يبدو أن قدومي إلى إدمند حدث استثنائي لتلك المدينة، التي لم تقابل من قبل فتاة من السعودية. هكذا كانوا يوحون لي حينما يتحدثون معي، وبعضهم يعلن ذلك صراحة لي!

عند دفع الحساب، وبعد أن دفعت كل فتاة حسب دورها حسابها على الطريقة الأمريكية، جئت للمحاسب كي أدفع بدوري، لكنه فاجأني بأنني لست في حاجة إلى الدفع؛ لأنه قام بذلك من باب الترحيب بي في المدينة. شعرت بالخجل؛ فشكرته وخرجت على الفور؛ لأنني لا أحب المجادلة في مسائل كهذه! ونحن في الطريق إلى الخارج وجدت ملامح سلمى قد تغيرت، وأخذت تتحدث باستياء وهي تقول: حينما جئت لإدمند أول يوم جاءت بي سلمى إلى هذا المطعم أيضاً، وحينها تحدث معي نفس الشخص، وعرف أنه يومي الأول هنا، ولم يقم بدفع الحساب عني كما فعل معك؟!

بعد مضي أسبوع، صادف أنني ذهبت مع زميلة يابانية لي في الصف إلى Target Market كي نتسوق، ولقد قررنا أن نستقل الحافلة التي تتوقف بجوار الحرم الجامعي وتأخذنا مباشرة إلى جوار السوبر ماركت، بعدما دخلنا وتسوقنا. خرجنا ننتظر عودة الحافلة مجدداً في موقف الحافلات، وأثناء ذلك صادف مرور سيارة ما لبثت أن توقفت بجوارنا وأخذ صاحبها باستراق النظر إلينا. حينها شعرت بالصدمة؛ مشهد كهذا قد يكون مألوفاً عندنا، ولكن هنا في إدمند؟! هل يعاكسون بنفس الطريقة هنا؟! لكن ما أن أنزل السائق نافذة السيارة وأخذ يتحدث معي بالعربية حتى استوعبت الأمر. لقد كان هو ذاته مشرف المطعم وهو يعرض عليّ أن يوصلنا إلى حيث نشاء بسيارته! فشكرته وقلت له إننا في انتظار الحافلة ومضى وسط ذهول زميلتي التي شرحت لها الأمر؛ فقالت بتعجب: لقد جئت منذ أسبوع، ويبدو أن لديك شعبية كبيرة هنا!

- الولايات المتحدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة