Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
فضاءات
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 

المستشرقون ورسم الكلمات العربية
د. مصلح النجار

 

 

في تركيا، وفي نهايات عشرينيات القرن العشرين، وبدايات ثلاثينيّاته تمكّن مصطفى كمال أتاتورك من القيام بأشهر تجارب تبديل الحروف، ورسم الكلمات، وكانت النتيجة الواضحة لذلك تحولَ اللغة التركية من الكتابة بالحرف العربيّ إلى الحرف اللاتيني. وعلى الرغم من شهرة هذه التجربة، إلا أنّ دعوات تحويل رسم العربية إلى الحرف اللاتينيّ قد سَبَقَتْ تجربةَ أتاتورك بحوالي نصف قرن، ولم يُكتَب لها النجاح، والحمد لله.

ومن التجارب الشهيرة أيضا في هذا الباب ما حصل في مالطا، التي اعتمد الإنجليزُ فيها الحروفَ اللاتينية لرسم الكلمات العربيّة. والمهمّ في تجربتي تركيا ومالطا أنّهما يشكّلان بيانا بالخسائر التي خسرها أهل تركيا، وأهل مالطا، نتيجةً لتغيير حرفِ الكتابة. لقد خسروا تراثًا من المكتوبات، وخسروا اتصالَهم بجانب من التراث ذي علاقة عضوية بالدين، وفوّتوا على أنفسهم علاقات مع شركائهم في الرسم العربيّ، الذين احتفظوا بالرسم العربيّ، في سائر البلدان العربية.

يقول علي وافي: يؤدّي استبدال حرف أجنبي بحرف قوميّ إلى نتيجة حتمية هي قطع الصلة بين حاضر الأمة صاحبة الحرف الزائل، وماضيها، وإلى سلخ الأمة عن تاريخها، وتراثها، وينضاف إلى ذلك، عند العرب، الانقطاعُ عن الدين، وجوهره المتمثّل في القرآن الكريم المنزّل باللغة العربية. وأما إذا اقترح المقترحون تعليمَ كل فرد نوعين من رسم الكلمات؛ فإن المشكلة تصبح أكثرَ تعقيدا. وإن طلبوا إعادة تدوين ما طُبع بالرسم العربيّ باستعمال رسمٍ جديد آخر؛ قلنا لهم: هذا مشروع تنوء به الجهود البشرية.

ولعلّ اعتراض كثير من المعترضين على الرسم العربيّ ينصبُّ على مشكلة الحركات أوّلا، ومشكلة عدم وجود رسمٍ لبعض الأصوات اللهجية تميّزها من غيرها ثانيا.

وأوّل من طرح مشكلة رسم الحروف العربية من المستشرقين هو ولهلم سبيتا (1818-1883) الذي كان مديرا لدار الكتب المصرية، ثمّ انضمّ إليه كارل فولرس (1857-1909)، وكان يعمل في الحقل ذاته أمينا للمكتبة الخديوية في القاهرة.

في العام 1880 اقترح سبيتا اتّخاذ الحرف اللاتيني لكتابة العامية المصرية، ووضع حروفا إفرنجية (للغة) العامية، وهو الذي صرّح يوما بأنّ الصراع بين العامّية والفصيحة مسألة حياة أو موت. وقد لحقه، في مسعاه هذا، المستشرق فولرس بعد عشر سنوات سنة 1890 حاملا اللواء ذاته، وتبعهما بعد ذلك كارلو لندبرج. في مطلع القرن العشرين جاءت دعوة القاضي وِلمور إلى (لغة القاهرة)، وبيّن أنّه يريدها مكتوبة بالحرف اللاتينيّ، وكان ذلك سنة 1901م.

وفي العام 1929 دعا المستشرق الفرنسيّ ماسينيون في محاضرة له في باريس إلى كتابة العربيّة بالحرف اللاتيني، وتابعه في ذلك المستشرق بنيار رئيس البعثة العلمانية في الشرق.

ولعل من عدم الإنصاف أن نغفل أن بعض المستشرقين كانوا يحاربون الدعوة إلى استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي، ومن أشهر هؤلاء المستشرق الطليانيّ كارل تلينو.

وقد لاقت دعوات المستشرقين إلى كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتينيّ رواجا لدى بعض دعاة العامّيّة، والحرب على الفصيحة، من العرب، ومن أبرز الأسماء التي تابعت المستشرقين في ذلك يوسف الحطاب أفندي، وعبد العزيز فهمي باشا، وقاسم أمين، ولويس عوض، وأنيس فريحة، وسعيد عقل، ويوسف الخال، وسواهم كثر. هذا فضلا عن مجموعة من الداعين إلى تقطيع الحروف العربية في الكلمات، ورسم بعض الدوالّ الإضافية، وبخاصّة للحركات، والصوائت.

اكتفى بعض هؤلاء العرب بالدعوة إلى الحرف اللاتينيّ، وقدّم البعض مشروعا إلى مجمع اللغة العربيّة يتضمّن هذه الدعوة، ويشرح تفاصيلها، في حين كتب بعضهم كتبا إبداعيّة بهذا الحرف، وأصدر بعضهم الآخر صحيفة مكتوبة به، حتى على الرغم من عدم إقبال القرّاء على قراءتها.

- عمان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة