الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

الرواية السعودية بين السيرة والانطلاق
محمد أبو حمرا
خلال العشرين سنة الأخيرة صدر عدد من الروايات السعودية بأقلام سعودية؛ وهي تجارب بنيت على أسس فنية أقل ما يقال عنها انها جيدة؛ والإبداع الروائي مهما كان اتجاهه أو منحاه الذي ينحاه من خلال الأحداث إنما هو إبراز وقولبة لمخزون فكري وتراكمات مختزنة من خلال التجربة والقراءة أيضاً؛ أو لنقل هو تاريخ يعتمد على الليونة والبعد عن التقريرية؛ لكنه تاريخ يلهب المشاعر؛ ولا يعيب بعض الروايات أن يحكم عليها بأنها سيرة أوسيرية؛ لكن هذا التعميم على النتاج السعودي بهذه الصيغة الكاملة فيه كثير من الشطط والتجني؛ أو لنقل محاولة ربما غير مقصودة لتحجيم هذا الكم الهائل والجيد من الروايات السعودية التي خرجت عن المحلية إلى أفق أوسع.
وربما نجد نماذج لبدايات بعض الروائيين أنهم كتبوا مايسميه النقاد بسيرة؛ لكن الرواية ذاتها سيرة وحدث محكي وفكرة تبث من خلال الوعي أو اللاوعي للقارىء لكي يشارك في أحداثها؛ أو لنقل ان الرواية هي جزء من تاريخ فقط؛ لكن الفرق بين التاريخ والرواية هي مسألة التقريرية والجمود فقط؛ ولو أردنا أن نأخذ شواهد من الروايات السيرية التي ينظرها النقاد على أنها سيرية فقط لقلنا ما كتبه تركي الحمد يعتبر سيريا من نظر أولئك الذين يلحون على تلك النظرية؛ وربما أن هناك مدخلاً لهم من خلال الشميسي أو غيره من أحداث تصف حياة العزّاب أيام ان كانت الرياض صغيرة؛ لكن الحمد يصوّر هما اجتماعيا يومها يسمونه شعبياً «وقت الزكرتية» ومن هنا ربما نقول تجاوزا؛ تركي الحمد يحكي فترة هو بطلها؛ ربما هو واقع ونعرفه؛ لكن هل هي سيرته أم لا؟ هنا التساؤل والرد على تلك النظرية؛ وكذلك نجد تركيا كمثال آخر في شرق الوادي لا يحكي سيرته شخصيا أو تجربته هو ذاته؛ وبطل الرواية نعرفه من أهل تلك القرى؛ فتركي هنا يحكي عن إبراهيم الذي حاول الانفتاح والخروج من أفق القرية الضيق المحصور إلى آفاق أكثر رحابة واتساعا؛ فسافر شمالا ثم عمل مع أبناء من غير جلدته ونجح فعلاً في التغلب على تقوقعه في القرية؛ بالرغم من جذب القرية له وزفرات الحب لها؛ فهل نقول إن تلك الرواية هي مسيرة حياة تركي الحمد؟ طبعا أنا لا أقول ذلك لأني أعرف بطل الرواية وهو ابراهيم ال......؛ ومن هنا يضيق الأفق على من يقولون إن الرواية السعودية الحديثة أغلبها سيري.
وبكل صدق نقول: إن الرواية السعودية الحديثة هي عراك الشباب مع وعي كان مكبوتاً في ذاكرتهم في القرية أو الزقاق أو المدينة التي لملمت كل أحلام الطفولة والمراهقة وزهرة الشباب؛ والمتتبع أيضاً للرواية السعودية يرى أن كل كاتب ينطلق من قريته الصغيرة ويصورها بصورة تلتهب من خلالها حاسة الاطلاع عند المتلقي؛ وهذا نهج جيد جداً؛ لأن من يرغم قصراً طينياً أو حجريا يشمخر رافع الهامة بجوار مبنى مسلح؛ أقول من يرغمه على أن يتحدث ويبدع في تلك العملية تاريخيا واجتماعيا وسياسيا فهو قد قدم جهداً نقف إجلالاً له؛ ومن يتحدث عن حقل في زاوية منخفضة من الجبل ويصوّر الناس والحركة أمام القارىء بشيء من الأدوات الفنية المتمكنة؛ فهذا قد صنع إبداعاً نجلّه. ولونظرنا إلى عمر الرواية السعودية الحديثة فسنجده قصيراً مقارنة بغيرها من شقيقاتها: لكنه عمر ناضج ومتكامل في أغلبه أيضاً؛ ومن هنا تبدو عملية السرعة في اللهاث لدى الكتاب بإنجاز متقن ومرتب في الغالب؛ لتعويض زمن الخمول الذي كان سائداً قبل ذلك عند الكتاب وطريقة النشر.
وهناك أيضاً منظور آخر لكثير مما كُتب حتى الآن؛ وهذا المنظور هو ضبابية الرؤية والحيرة فيما سيقول الروائي للقارئ؛ أو لنقل اختفاء الكاتب خلف ضبابية الهم من الوضوح؛ لذلك تجد معظم القراء يستمتع بأسلوب ولكنه لا يجد فكرة سوى تهويمات أقرب من الخيال إلى المعالجة التي هي رسالة الكاتب أو الكاتبة؛ فعلا هذا ملحظ على أغلب ما صدر حديثاً من روايات؛ وقد يكون هناك سبب الهاجس الرقابي المخيف الذي يقفز أما الكاتب حينما يكتب نصّه؛ وهذا الهاجس مخيف حقا لمن أراد النشر والانتشار في الداخل... لكن.. لماذا نبدع عندما ننشر في الخارج؟ وهل كل واحد منا لديه قدرة على ثمن التذكرة والفندق ليذهب إلى الخارج ليفاوض الناشر على النشر؟ هذا الهاجس أيضاً نسوقه لإدارة الرقابة العربية في وزارة الثقافة والإعلام على أمل أن تفك من الخناق لنشر الفكر هنا بدلاً من الرحيل المر!!!!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved