الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

مأزق الكتابة .. والشرط الثقافي!
محمد الدبيسي

تضاريس الوجع) الإصدار الأول لكاتبه/ إبراهيم بن منصور التركي.. والذي نصَّ على تمييزه أجناسياً بلفظة (رواية) أسفل العنوان.. والصادر عن دار أشبيليا للنشر والتوزيع عام 2003م.
وهذا الإصدار يفاقم من سؤال الوعي بالفن الروائي.. كممارسة لها مساقاتها.. وشروطها.. ومعاييرها..!
ولها أفقها وتفاصيلها ومعالجاتها.. ومن ثم مستويات القيم التي تحملها .. وتستثيرها.. أو تكونها في المتلقي..!
وإن آنس كاتب العمل مثل هذا السؤال .. فإنه يتجاوزه غير آبه!
منحازاً إلى ثقته بجاهزية أدواته وقبل منطلقاته للقيام بهكذا مغامرة..!؟
وتتأتي (جاهزيته) يقيناً يرتكز على مقصد .. تفصح عنه الدلالة العامة لهذا (العمل) التنأى به خارج إطار الشرط الفني.. وانفصالاً جذرياً من الحساسية الفنية لمهمة روائية.. تنبجس من تربة الواقع.. ويعبر عنها سياق سردي.. يعي ما يكتبه.. وميثاق أخلاقي لقيمة الكتابة.. وقيمة الطرح..!
أما.. وقد زجَّ الكاتب بعمله في مشهد القراءة.. فمن حقنا أن نقرأ.. ونستنتج.. ونخط استجابتنا للقراءة.. كفاعلية تستوجد حافزها.. مما تتلقاه..؟
فالمقصد الذي ترتكز عليه محاولة الكاتب..يتلخص بمفهوم مستهلك، يتوهم الاصلاح في بنية محددات سلوكية.. تحاول الخلاص من مزاجها المباشر، ذي الصيغ الشعارية الجاهزة.. التي تضع الكتابة. بدءاً. بمأزقها الثقافي، حيث تتوارى كل ملامح المعالجة الفنية في إطار هذا المأزق.. بين وهم التربية الإصلاحية، وجدية التعامل الفني مع أحداث تتبلور في سياق ما أراد له الكاتب أن يكون «رواية»..!؟
وهو ما اختزله الكاتب بأدوات ابتسارية.. اخلاصاً لمقصده السالف.. بجملة من الأحداث المجتزأة والوقائع المنتقاة بشكلية آنية.. وأسلوب خطابي لا يقدم دلالات خارجة عن المظهر المكتوب..! وهو ذات المقصود الذي ينسف هوية العمل ويحرره من أدبيته..؟
فما بين (جاكلين) الفتاة السويسرية (الأجنبية)!! و (محمد) ابن الوطن.. وسليل التقاليد والثوابت.. مسافة حضارية.. تختلف مفاهيمها وقناعاتها.. وأولوياتها.. وبيئة مكانية متباينة في خصوصياتها ونظامها القيمي.. يبتسر كل دلالاتها وأبعادها.. والجأ ما يراه بداية ملفته.. عندما يصف وصول(محمد) إلى أرض الوطن «.. ها هي أرض الوطن تحضنك من جديد، وها أنت تسري في عروق شارع الديرة الرئيسي من جنوب المدينة نحو شمالها. تعود إلى هذه الأرض التي تبث فيك روح الذكريات القديمة.. إلى شذى الماضي العبق الجميل تعود، ها أنت تنبث فيها من جديد، ولكن بقلب سكنته الأحزان، وعقل أطارت لبه الحادثات. ملتهب أنت كجمر الغضا، في داخلك نار تتلوى! ترى من ألهب فيك الألم؟! مشاكلك أم مشاكلهم! مشاكلك التي خلفتها وراء ظهرك؟! أم مشاكلهم التي جئت تنتظرها هنا؟!»ص66
وأسوق هذا المجتزأ لنتبين مستوى الصياغة اللغوية المتهافت، والتكرار الإنشائي للجمل الخبرية بمحاميلها الظاهرة (فنار تتلوى) (وعقل أطارت لبه الحادثات)..! وضياع ضمير الحديث منذ البداية من الإشارة إلى الظهور؟.
بداية للكاتب يصوغ بها شذرات الموقف الحديث بتفاصيله الجاهزة سلفا.. لتظل هذه المقدمة مفرزة لكل الأحداث القادمة.. التي تتوالى استفهاماتها بشكل يفقد السياق ترابطه الحكائي.. ويتبدى الكاتب ليجيب عن كل استفهاماته..؟ التي يصنعها على لسان شخصياته الغائبة عن المشهد بصيغ متماثلة.. يصف فيها حالات تظهر بشكل عشوائي.. ممعنا في تركيب هذه الفضاءات المكشوفة التي لا تنطوي على أزمات.. أو توترات نفسية..!
سوى ما ينقله الكاتب على لسان شخصياته ومن ثم ينصرف إلى انتقالات غير مبررة سياقياً من مشهد لآخر.. عبر حوارات مباشرة.. تلتزم بشكلية لغوية تفتقر إلى التماس والترابط البنائي.. وهو ما أراده بعد (خمسين صفحة) محوراً لحالة تأزم لقضية إشكالية زجَّ بها متلمساً عناوينها وهوامشها الطرفية.. مرتهناً حالة الوعي القارئ وملتزماً بإملاءات وعيه الخاص.. الذي يقوده إلى عرض فرضيات شعارية. وعشوائية في نقل خطاب السرد من المتكلم إلى المخاطب، إلى الراوي.. حتى يضيع خيط السياق الذي ينتظم الأحداث..
فالكاتب يقوم و (بطواعية) بتقمص هذه الشخصيات ليفرض رأيه في جملة تشابكات ليس لها ما يبررها.. ورتوش من مواعظ ومثاليات تقدمها عباراته، تنفصل عن السياق العام الذي زادته المفاصل المقطعية تباعداً وشتاتاً..!
فهو لم ينفك.. يسير بوعي بدائي لشرطه الإلزامي.. الذي يكرس الأحداث والحوارات لأجله.. ويستنفذ الحشو التعبيري الفائض لإبرازه بمباشرة سطحية، تبتعد عن المعالجة الفنية أو التكنيك السردي..!
وإن كان صادقاً جداً.. ومخلصاً لإملاءات شرطه.. فهو لم يع مدى الشتات المفاهيمي لصياغاته ككل نصّاني واحد.. إذ استغرق (ذاته) بطلاً وهمياً.. يستدعيه عندما تنفلت من قلمه غايات الأحداث ومحطاتها..!
فيتحدث (بالنيابة) عن أبطاله .. مقيماً ومشرعاً ومفلسفاً ما لا يروقه من مواقف..!
فبعد تجزيء (العمل) إلى فصول لا يستند من خلاله إلى مبرر موضوعي أو فني.. يصل إلى (الفصل التاسع) والمكون من (صفحتين ونصف الصفحة) ليقول:
«.. سأحاول تناسي ألمي بقراءة كراس سليمان، ولكن هيهات هيهات أن أهرب من الألم. وهو يتسرب من بين فروج الأصابع) ص70.
وإن كنت لا أعِ حتى اللحظة كيف يتسرب الألم من فروج الأصابع..!!؟
فإن سطحية هذه التعبيرات في المثال الخطابي السابق تجعل من إقحامها ولزقها في نهاية فصل روائي، اجتثات للبعد الفني والدلالة القيمية لحدث تشدنا تفاصيله..!!..
وبين الفصلين (التاسع والعاشر) يضع الكاتب (كراس سليمان) وهو عبارة عن ثلاثين ورقة عنوانها (بذكرى أيامي) وسليمان يا رعاكم الله أحد أبطال تضاريس الوجع)؟!
.. وهي يوميات مؤرخة زمنياً بفاصل تراتبي وفقاً لتواريخها.. وتتلخص في جملة ممارسات (سليمان اليومية) المختلفة دلالياً وعضوياً مع النسيج السردي.. والتي تفتقر إلى بداية طرفية تصلها بما سبقها.. إذ تشكل في مجملها.. مواعيد مع طبيب الأسنان، وخواطر كتابية متفرقة ، واتصالات هاتفية بحنان (الحبيبة) وتسجيل لحظة عناق حبيبين:
«سال بهما العناق إلى مستنقع الكارثة.. لم أكن أنوي ما فعلت.. لكن العبث بالنار لا بد أن يقود إلى حريق..!!»ص6.
وينمي الكاتب حدة هذه اليوميات وصولاً إلى ذروة التأزم.. التي تكتنفها حالة اتصال بالهاتف «سمعت نورة صوته يفح كأفعى.. كان هو !! يجرؤ على ذلك.. ألا يستحي هذا الكلب؟!»ص77.
إلى أن تنتهي هذه اليوميات التي تنفلت من اصطلاحها الشرطي، الذي أراده الكاتب لتتحول إلى أحداث جديدة.. وشخصيات مسقطة في المشهد الذي يصنف الكاتب عناصره بعناية مدهشة بالتحذير (من التدخين)، واستعراض قصة (حنظلة بن أبي عامر) ووصف (للرقية الشرعية بالمعوذات واية الكرسي).. وتذكر (زملاء الدراسة بمدرسة ذي النورين المتوسطة ..) ص90 100
إلى أن يكوّن لحظة اشكالية جديدة.. تبدأ بالترحم على نادر «الذي ذهب للشيشان للجهاد؟!! وفي إحدى المعارك أكرمه الله بالشهادة.. نادر استشهد؟!! اجتاحني الذهول كطوفان! سبحان مغير الأحوال، تلكأت في فمي الكلمات، وقلت بعد برهة صمت:
لكني أذكر أنه قاطعني: إنه كان شاباً لعوباً؟! أليس هذا ما تود قوله؟
لقد تاب إلى الله وأناب، زاره بعض الأحباب وما زالوا معه، حتى صار من عباد الله الصالحين..»ص101.
واذا تجاوزنا فداحة الخروق اللغوية في هذه الصياغة..التي تظهر جملة (الشاب اللعوب) أول أمثلتها والتباس أسلوبيتها بالنصوص المسرحية وسيناريوهاتها.. والتي تحط من مستوى الفكرة المستهدفة حتى وان تعالت مقاصدها..؟
وليس ثمة بعد في هذه التفاصيل ما يستوجب إجراءً تقييماً من وجهة النظر النقدي.. فهي تفصح عن متعلقاتها الدلالية، مثلما تمثل مثالاً لوعي كتابي يشرح نافذة العنوان الروائي.. تمييزاً لعمل أراد له كاتبه مساقاً يتسامى به عن هوامش العادة المجتمعية، وعموميات الخطاب الاستهلاكي التليد.. ومفاهيم تختمر في بناها مستويات الوعي الثقافي، الذي يمثل هذا العمل مثاله الواضح..! فمتن البنية المجتمعية والفضاء الثقافي العام ومحركاته الفكرية.. وما يزخر به من مقررات وثوابت الذات الإنسانية سلوكاً، يستند إلى محددات قيمية.. تنفصل بالضرورة في وعينا منذ القراءة الأولى لهذا الاصدار.. الذي يمثل وفقاً لفهمي المتواضع.. إفرازاً ارتجاعياً لثقافة الكاسيت وكتيبات مثل (نهاية مدخن) و (مذكرات تائب) و (احذري ذئاب الهاتف). الخ...؟!
إذ ينتظمها الخيط الشعاري، وهيمنة لغة التقرير، وفوقية الذات ووهم مثاليتها.. وهو ما نستبين معه مأزق الكتابة مع شرطها الثقافي..؟؟
وليس ثمة بد من نزع فتيل نظرية ما يسمى (بالأدب الإسلامي).
الذي يشعل نموذجنا السابق، نباهة تطبيقاتها.. إذ يكاد يكون مسافة معيارية لتطبيقات (مصطلح) نظرية الأدب الإسلامي.. ورؤيتها للكون والحياة..
وسأجعل مثال ذلك فسحة في طرح آخر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved