الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

طالب بدعم المؤسسات للأنشطة الثقافية.. الغذامي «22»:
زمن أم كلثوم انتهى والمثقف لم يعد قيادياً
سقطت الرموز وانفتح الخطاب الشعبي الجماهيري وبدأت الناس تتكلم وتعبّر عن نفسها

* حوار عبدالله السمطي:
يرفض الدكتور عبدالله الغذامي أن تكون الثقافة مؤطرة بفعل بيروقراطي. انه يرى ذلك ضد التفكير الحر، وضد الهامشي والمستقل ويطالب بأن تكون الثقافة مدعومة من قبل عدد من المؤسسات حتى لا تخضع للهيمنة أو التوجيه، من هنا لا يقبل بوجود وزارة للثقافة..
من جهة ثانية يواصل الغذامي في هذا الحوار قراءته للواقع والأحداث الأخيرة، ويرى أن البذور الصغيرة ستقود المستقبل لأن الأمة اليوم في حالة مخاض حقيقي لأن الناس بدأت تعبر عن نفسها وتتكلم عبر الإنترنت والفضائيات وأيضا الصحف..
الغذامي يقرأ المشهد بجرأة وبصدق تفعيلا لدور المثقف الذي بدأء يقترب من الناس أكثر.. فإلى الجزء الثاني من الحوار:
* بعد غزو العراق قالت بعض الأصوات بسقوط القومية العربية، فكيف السبيل لتفعيل دور المثقف بمعناه الواسع الذي ينادي بالتطوير لانقاذ المفاهيم التي تبنتها الأمة عقوداً طويلة للتحرر والنهوض؟
أولاً لابد أن نقرر مسألة، وهي أن القومية العربية لم تسقط، ولن تسقط وكذلك قضايا التحرر والاستقلال والوحدة لم تسقط أيضا، الذي سقط حقيقة هم من كانوا يمثلونها، وكانوا يمثلونها بطريقة خاطئة، فالذي سقط هو الأخطاء ولم يسقط الصواب، هناك قيم عليا تمثل الصواب، وهذه لم تسقط، لكن الواقع وأنت تلاحظ معي سقطت الرموز التي كانت تمثل لا أريد أن أقول زيفا هذه الأشياء: حرية، وحدة، قومية، استقلال، عربية، بنية سياسية وثقافية، هذه كلها قضايا عادلة حقيقية، لكن كان يمثلها أناس في الواقع لم يحسنوا تمثيلها، ولهذا سقطوا هم.. بيد أن الشارع العربي ما يزال متحركا، وأنا أعتقد أن القضايا الكبرى للأمة من مصلحتها أن هؤلاء سقطوا لأنها ستبحث عن رموز يمثلونها، والآن اختفى الرمز الفردي، أصبح هناك رمز جماهيري فردود الفعل على ما يجري في فلسطين والعراق وفي أمكنة أخرى، وخطاب الانترنت، وخطاب الفضائيات، والصحف.. أي أن العالم العربي بدأ يعبر عن نفسه، وبدأ يجد وسائل للتعبير عن نفسه، كانت الوسائل في القديم محصورة جدا وضيقة جدا، وخاضعة لسلطة الرقيب، الآن يمكنك أن تعبر عن نفسك بعيداً عن الرقيب، عبر وسائل لا يستطيع الرقيب أن يسيطر عليها، فالأمة تتكلم، والأمة تعبر، ونحن إذا قرأنا هذا الخطاب بكل صوره بدءا من الانترنت والفضائيات، ولا أقصد هنا خطاب المثقفين بل خطاب الشعب، خطاب الناس وهم من يمثلون هذه القيم، والفارق بين الشعب والمثقف، ان المثقف بامكانه ان يتبنى قيما مختلفة ويصطنعها لنفسه ويعبر عنها بقوة وبجدل كبير على مستوى الخطاب الفلسفي والفكري، لكن قد لا تكون قيم الناس. أما الناس فإن القيم التي يعبرون عنها ويتكلمون بها هي القيم الحقيقية، وستظل هذه القيم الحقيقية.
مرة أخرى أقول: إن من مصلحة هذه القيم ان من يحتلون هذه القيم سقطوا، فسقوطهم يجعل هناك عودة حقيقية للسؤال الحقيقي: فكرة التعدد، فكرة التعبير الحر، المسائل التي تكون فعلا تنمويا للأمة وليست لمجد الزعيم الأوحد الذي «جيّر» كل القيم التي للأمة وصارت قيما فردية، معنى ذلك أن النسق الفحولي للثورة وللانقلاب وللسياسة وللسلطة بدأ يتكسر بشكل واضح، وإذا تكسرت السلطات الفحولية فمن الذي سيبرز؟ سيبرز المهمش والشعبي والانساني الحقيقي، وهذا لن يتم بين عشية وضحاها، سنمر بمخاض ونحن في فترة مخاض، وكل هذه الاشياء التي تحدث الآن، وكثير من الناس يندفع الى التشاؤم نتيجة لما يحدث، أنا لا أحس بأي شيء من التشاؤم بل إنني متفائل جدا وأرى أن المستقبل الآن بدأ ينبني. في الماضي لم يكن يُبنى، كانت تُبنى الأوهام، كنا نظن أننا نعمل بناء ضخما وكنا واهمين، الآن البناء مكشوف، فالوهم يكون منكشفا أيضاً.
* طيب يا دكتور أنت تعوّل على البناء الحقيقي، فما هي مؤشرات هذا البناء الآن، وفيم تتمثل تحديداً؟
تتمثل في انفتاح الخطاب الشعبي الجماهيري، وعدم قدرة أية سلطة على منعه، وهذا التراكم في الوعي وهو وعي من نوع جديد حقيقي وليس وعيا موجها، إذا قلت: «وعيا موجها» فلكي أتجنب كلمة «الوعي الزائف» أو الوعي الخدعة أوالواهم وإن كان هو كذلك.
دعني أقل: الوعي الموجّه، وهذا الوعي معرض دائما ان يكون وهميا وزائفا وفرديا وأنانيا وخاطئا وسلطويا وفحوليا دون أن تعي ذلك فتصفق لقاتليك، وهذا حدث فعلا، فنحن نعرف أن الانقلابات العربية ومن قاموا بها هم الذين اكتووا بنارها وبدمائها، ومن جرى تصفيتهم بعد ذلك، هم الذين صفقوا لقاتليهم، الآن لا يمكن ابداً لقاتل أن يُصفق له إلى مدى طويل، سينكشف بسرعة، بسبب هذا الوعي، فنشوء هذا الوعي وامتناع قيام موجّه كبير، يستطيع أن يدير هذا الوعي على هواه معناه أننا نتقدم، وقد يكون ذلك بخطوات بطيئة أو بحروب من الخارج أو مؤامرات أو ظروف ضخمة عالمية وكل ذلك قائم وموجود ولا يمكن انكاره، لكن وسط هذا الركام هناك بذور تتنشأ، وستفرض نفسها مثلما تخرج الزهور الضعيفة جدا بين الصخور ومن تحتها.. البذور الصغيرة تنشأ بهدوء حتى تصبح شجرة عملاقة ولا تستطيع أية صخرة أن تحطمها، وهذه ليست نبوءة شعرية، بل هي قراءة لوقائع التاريخ والماضي، والوقائع التي تحدث الآن.
* هل يعتصم المثقف بالمستقبل إذا صح التعبير باعتبار أن الزمن الحاضر عاصف جداً بسبب الهجمة الشرسة من الخارج على قيم وثوابت حضارتنا ومن الداخل بسبب فقدان المصداقية في المثقف العربي؟
أهم كلمة في سؤالك هي فقدان المصداقية في المثقف، وهذه يجب ألا نهملها، المثقف فقد مصداقيته وكان يجب عليه أن يفقدها لأن المتغيرات الحادثة تفرض هذا، لم يعد المثقف الآن قائداً اجتماعياً مثلما كان في السابق، بمعنى ان القيادات الفنية والسياسية والثقافية زالت. كان هناك في زمان أم كلثوم هي التي تقود الذوق العربي كله، واليوم ما بالامكان أن نجد أم كلثوم، صوت أم كلثوم الذي كان جامعا لكل شيء توزع على مجموعة أصوات. الذوق الفني موجود، لكن الذي يمثله لم يعد فرداً، انتشر وصار يمثل بطرق جماعية وكلية، وطرق بعضها قد لا يرى لكنه يمثل، هذا ما أريد قوله: إن المثقف انتهى دوره كقيادي، والمثقف الذي لا يزال يريد ان يكون قياديا فهذا خارج التاريخ الآن، خارج إطار شروط الواقع الآن، إذن ما هو المطلوب من المثقف.. المطلوب منه أن يندمج في الشعب بدلا من أن يتعالى عليه لأنه إذا ظل يمارس الدور القيادي التوجيهي فلن يستمع إليه أحد.
* تعني المثقفين بمختلف أنماطهم، حتى المثقف الديني؟
نعم، نعم، الجميع، حتى الفتوى الدينية، الناس الآن لا تستند إلى فتوى واحدة بل إلى مئات الفتاوى، الناس تستمع الى الشيخ القرضاوي في التلفزيون وإلى كلام عمرو خالد وغيرهما وهؤلاء ليسوا رسميين، ليسوا منصبين بقرار رسمي، ولا واحد منهم شيخ الأزهر، ولا مفتي الجمهورية، ولا مفتي المملكة، ولا مفتي أية دولة أخرى، لكنه «مفتي الناس»، ثم هو يستقبل أسئلة مباشرة من الناس في الفضائيات بالنسبة للشيخ القرضاوي وبالحضور الجماهيري بالنسبة لعمرو خالد وهذه ظواهر جديدة لم تكن في السابق، فلم يكن هناك أحد من قادة الفكر الديني ينزل الى الناس أو يجلس في الفضائيات في حوار مفتوح ومكشوف، حتى الغلطة التي قد يرتكبها في رواية حديث أو اثر أو خبر تظهر بشكل مباشر، فليس عنده فريق عمل يدقق ويساعد لكن الفتوى مباشرة، هنا يوجد فرز ثقافي ومعرفي، والفضائيات بقدر ما ينجح فيها ناس، يرسب ويفشل أناس لا حد لهم على الاطلاق، يتبين أنهم ليسوا شيئا، والناس تحكم حكماً قاسياً لأنها ترى وتسمع، قد لا يكون الناس علماء متخصصين أو مثقفين مطلعين، لكن لديهم ذوق وعقل وبصيرة وحكمها قاس جدا، فهذا الذي صار، صارت الجماهير هي التي تحكم الآن وكان في السابق الجماهير تقاد، وتصدق ما يقال لها، الآن هي التي تقود «المعمعة»، هي التي تقود الخطاب.
* ألّف مصطفى عبدالواحد كتابين في مواجهة كتابيك «المرأة واللغة» و«النقد الثقافي» كيف تنظر إلى اشكالية تأليف كتاب على كتاب؟
هي ظاهرة جيدة علميا، وقد جرت في التاريخ، وتجري ومن المفترض ان تجري. طبعا د. مصطفى عبدالواحد من حقه ان يرى الرأي الذي يراه، وليس من حقي ان أفند قوله فالحكم للقارئ، اذا رجعنا الى السؤال السابق وقلنا إن الجماهير هي التي تحكم، فيفترض ان الجماهير تتعرض الى مجموعة من الاراء والأفكار، وهذا يساعد على تمحيص الفكرة وخدمتها، أية فكرة يتم خدمتها عبر مشاغبتها ومحاورتها، وعبر رفضها، وعبر الرد عليها، إذا كانت الفكرة غير قادرة على الصمود أمام هذه التحديات فهي ضعيفة بكل تأكيد، وإذا كانت تحتاج لصاحبها ليدافع عنها باستمرار فهي فكرة ضعيفة.. فعلى الاطروحة ان تقدم نفسها، والكاتب الواعي الفاهم يعرف أن أي قول يقوله سيواجه نوعين: حسن الفهم وسوء الفهم معا، لا يمكن نحن أن ننفي فكرة «سوء الفهم» فهي بالضرورة قائمة، ثم يجب ألا نقطع بأن «سوء الفهم» خطأ لأن سوء الفهم أسلوب من أساليب التلقي والاستقبال ومن أساليب تأويل النص وأيضا من أساليب «تسويق الفكرة» فخصومك أحيانا يسوقونك أكثر مما يسوقك أصحابك.
* السؤال الأخير يا دكتور يتعلق بوزارة الثقافة والاعلام.. ما هو الدور المنتظر الذي يمكن أن تقوم به هذه الوزارة؟
في الحقيقة كتبت مقالا ولم ينشر، في اليوم التالي للتعديل، أنا لا أنتظر شيئا بالدرجة الأولى، ولا أعتقد ان مشكلة الثقافة سيحلها وجود وزارة أو عدم وجودها، القضية مشكلة الثقافة، وبعض الناس الذين يطالبون بالوزارة من قبل واستبشروا بها الآن كانوا يظنون ان المشكلة قائمة لأنه ليس لدينا وزارة، أنا أعتقد في الحقيقة ان المشكلة تتضاعف لأنه لدينا وزارة.. ماذا تفعل وزارة الثقافة؟ أية وزارة في أية دولة لابد أن تكون موجهة، وإذا كانت موجهة طغت على التفكير الحر، والشذوذ، والهامشية وتقضي عليها، وبالتالي تُقنّن الثقافة، تنمذجها، وتنمطها، فهي بالتالي.. ضد الثقافة. لنأخذ تجربة مصر مثلا مصر في أيام طه حسين والجيل الأول لم تكن هناك وزارة للثقافة، وكان العطاء المصري في ذلك الوقت هو أهم وأخطر عطاء في الدول العربية كلها وفي الفكر العربي كله وما نزال نحن نستنشق ونتنسم هواء ذلك الجو، حينما صارت وزارة الثقافة في مصر، كلنا نعرف أنها كانت وزارة توجه وتقود، طبعا من أفضل الوزراء ثروت عكاشة وهو نموذج ممتاز في الواقع، لا أقلل من شأنه، لكن رغم ذلك، رغماً عنه ولأنه وزير دولة لا بد لاحظ هنا أنا لا أدين ولا أبرئ أنا أصف لا بد لأي وزير دولة مهما كان هو موظف في الدولة، والدولة لها ظروفها مثل وزير المالية أو وزير الاقتصاد أو وزير التعليم، هؤلاء من المستحيل أن يمارسوا دور ثقافة حرة وفكر حر، لو مارسها ما أنتج في الوزارة وإذا لم يضع قوانين وأنظمة يتقيد بها.. فماذا يفعل؟ لا بد أن تكون بيروقراطية.
من شأن وزارة الثقافة ان تكون بيروقراطية، إذا لم تكن كذلك فهي لن تكون وزارة.. والوظائف والعمل ورئاسات اللجان فيها هي عمل وظيفي سيسند للناس لأنهم يتجاوبون مع الشرط الوظيفي والبيروقراطي لهذه الوزارة، والشخص الذي لا يتجاوب مع هذا من المحال أن يعمل، لا هو يقبل ولا هم يقبلون أيضا، والضحية من هذا كله هي الثقافة نفسها كخطاب حر، الثقافة في رأيي لا تنتعش إلا إذا تركت خطابا حرا ودُعمت. هي تحتاج إلى دعم وليس إلى توجيه، وليس إلى اشراف أو تبويب وتنظيم.
في أمريكا مثلا لا توجد وزارة للثقافة ولا وزارة للاعلام لكن هناك مؤسسات كثيرة تدعم، وليس مؤسسة واحدة الداعم الواحد يسيطر ويهيمن بالضرورة، لكن الدعم إذا كان متعدد الجوانب يصبح حينئذ أقدر على ان يعطي وإلا سيخضع للاجتهادات الفردية، مثل: المجلس الاعلى للثقافة في مصر، فالاجتهاد الفردي للدكتور جابر عصفور هو الذي ينتج، لو ذهب جابر عصفور سيتوقف كل هذا النتاج للمجلس، فهنا المنصب والادارة ليست هي التي تنتج هو فرد، وأيضا جابر عصفور يتعرض لكل أنواع الضغوط والانتقادات، لكنه يتحمل أشياء كثيرة، هو نفسه متضرر على المستوى الشخصي لكنه رضي أن يضحي.
لكن لاحظ هنا ان العمل تضحية، بدلا من أن أضع للثقافة هذا الشرط إما أن تكون بيروقراطية وإما ان تصادف واحداً لديه الفدائية في التضحية وإذا راح راح العمل معه كله، بدلا من هذا لا بد من جعل الثقافة حرة عبر مؤسسات تتنشأ من ذاتها وليس من إدارة عليا، ثم يقابل هذا دعم من عدد من الجهات وليس من جهة واحدة وإذا تعدد الدعم من عدد من المؤسسات تختفي الهيمنة والسيطرة والتوجيه.
أما إذا دخلت الثقافة مجال التوجيه توقفت ان تكون ثقافة وصارت نوعا من التربية، وهذا ليست خطأ ان تسمى بعض وزارات الثقافة في الدول العربية: «وزارة الثقافة والارشاد القومي» أي انها تربية وليست ثقافة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved