الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

قصة قصيرة
الصفعة
عبدالله محمد النصر
أنظر إليه، لا أريد.. لكنه بنداءاته، اجبرني على ذلك!!
ظله أطول بكثير من قامته..
ولا يتشابهان ايضاً في العرض..
كذلك درجة لون الظل أفتح جداً من لونه..
بل لا يمكن لوجه الظل أن يكون جافاً كوجهه الذابل المستدير..
سوداوية مشاعري نحو أمثاله.. أراوغ حين أبديها بلساني المتلكئ.. ووجهي يخفي عدة وجوه بالكاد يميز الآخرين واحداً منها، او يبني على احدها صروحاً من الأمان.. يضج داخلي جداً:
كيف يرضى ورد «الفل» أن يكون تحت ضمِّ يد هذا الرجل؟.. بل كيف غُلِبَ على أمره ليكون تحت تأثير خياله فيصنع منه عقداً يتاجر به؟.. لماذا لا يكون لي كما يكون له، بل أسهل بكثير؟.. اتراه من العدل أن يحتضنه من لا يمكن أن يشبه حتى في اللون والرائحة؟!!!..
من هنا رغبتي عُدِمَتْ.. لا تريد الفل وإن كنت في أشد الوله إليه..
أردت أن اختفي خلف سحب من العمى النصفي.. ربما يرحل.. انشغلت بكيفية إيقاف سيارتي الفارهة بجانب رصيف الشاطئ الاخضر.. حفرت وجداني الاودية العميقة في بيداء وجهي.. بهدوء أسال صاحبتي الجالسة في المعقد جانبي:
عمري.. هل الرصيف بعيد، ام لا؟..
لم تنبس.. فأنظر اليه، مع أنني لا أريد.. لكنها هي ايضاً ارغمتني على ذلك!!..
سهام عيونها لم تلامس ابداً ملامحي المذهولة بها.. كانت تمر من جانبي لتنغرس في الرجل.. لكنني استخدم وجهاً آخر.. فأستفهم.:
ترى ما الذي استقطب نظرها من هذا الهندي.. خِلقته؟.. ام حركاته؟.. لا.. لا اعتقد فهي قلما تهتم بهؤلاء..
لكنها سرعان ما صرخت، صراخاً كاد يثقب اذني اليمنى بجانب سبابتها، مبددة أجواء ظنوني واحداسي:
فاضل.. كلم الرجل.. افتح زجاج السيارة.
ها!!.. اجبت بدهشة وارتعاب، فتابعت:
اشتر منه عقداً من الفل.
انظر اليه.. لا اريد.. لكن احد الوجوه التي اخبئها في وجدي، والتي تدعى النزاهة، تفرض وجودها بفرضية الموقف.. قبل أن اجيب زوجتي.. قرأت بذلك الوجه في وجهه بلفتة بسيطة جداً، احلاماً جمة هائمة، اشرعتها تقطعت في اعاصير كل المحيطات، فغدت صريعة خلف قضبان المستحيل.. كذلك آلاماً كثيرة، منحوتة منذ امس بعيد، بغيض.. بل رأيت مشاهد مدمية اقيمت على مسارح جمهورها نيام.. شجرة شذبتها رياح السموم، واحترقت سيقانها وجملة من الاشجار في احراش مهملة.. تريد بكل ما أوتيت من قوة ان تحيا من جديد، او تتشبث بالحياة.. ثقافة وجهي هذا اعانتني على هذه القراءة.. لكنها لم تؤثر في مثلي، ولم ترسم شيئاً على احد وجوهي المتبقية!!.. فبزيف ابتسامة اجبت زوجتي:
ها!!... من اين؟. وكأني لم اره
على يسارك. قالت وهي تزم شفتيها، فأجبت متصنعاً الاندهاش:
أووووه.. نعم..نعم..!!
انظر إليه.. لا اريد.. مازلت متسنماً الافق العاجي، اكره النزول.. اتعزز عن مقابلته بوجه قد تخيله.. فنزلت بوجهي الذي احببت.. التفت إليه قائلاً وأنا أرتب جوانب غترتي:
رفيق.. بكم هذا؟
واحد.. خمسة ريال.« قال وهو يهز رأسه، وعلى وجهه ملامح توسل»
دعني ارى!!.. «مططت شفتي»
ام م م.. طيب ليه لونه اصفر؟« قلت بعبوس»
رفيق.. شمس واجد حار.. بس فيه ريحه كويِّس. «قال متضاحكاً»
وخزت زوجتي خاصرتي اليمنى قائلة بحدة:
اشتره.. يالله.. بأي حالة عليه.
أردت أن ألج يدي في جيبي لاخرج منه القيمة المطلوبة، لكنني بمراوغة وتمرد قلت له:«رفيق.. اعطني عقداً واحداً بريال..» فخِلْته سينخر الصخر بعروق كالأزميل كي يحقق من خلالها شيئاً من الماء لاخضرار اغصانه.. بل خِلْتُه سينحني اجلالاً للريال المنتظر.. لكنه ما لبث ان اجابني، قائلاً:
خذ واحد.. انا ما يبي فلوس
فرمى إلي بعقد عبر زجاج السيارة المفتوح ومشى دون التفات او توقف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved