الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

قصة قصيرة
كائنات
أحمد علي آل مريع
كائنات كثيرة تفترش الأرض.. وفوق المنضدة وعلى الكرسي المجاور .. تنتشر في الهواء.. تملأ الأفق.. تحجب عين الشمس.. تأملها أكثر.. فرك عينيه وتذكر أسطورة «عقلة الإصبع والأقزام». «كان عددهم سبعة.. هؤلاء الأقزام يتزايدون.. يتناسلون في أرجاء المكان.. ويتقاطرون عبر ثقوب الزمان». أزعجته قذارتهم.. قهقهاتهم كأنها إبر موقدة تخترم جسده النحيل، أخذ يلوح بيديه ويشيح بوجهه ذات اليمين وذات اليسار.. كان لغطهم يرتفع .. وبدؤوا يتحلقون مفتونين حول كل شيء.. ويظهرون عابثين فوق كل شيء.. أطل برأسه من النافذة .. كانت الشوارع تكتظ بهم.. بدت المدينة وكأنها تزف هؤلاء المشوهين! أحدهم بلا رأس لكن مخالبه طويلة صدئة متسخة.. آخر بدين لا تظهر قدماه ويجثم كرشه على الأرض.. ثالث له جسم نكرة: لا شكل له، ولا لون.. تميزه من رائحته النتنة!!
رابع له ثمانية أرجل كالأخطبوط: يحرك أرجله بخفة ويديرها بكفاءة بالغة، احدى أقدامه شدت انتباهه كانت بشعة ذات تجاويف لتفريغ الهواء، يبدو انه كان يستعملها في الصعود على أكتاف فرائسه، أو يتسلل بها إلى أعتى المعاقل.. وخامس تلتهم عيناه وأذناه جسده.. وسادس يحمل دواة بلا حبر.. وسابع يتأبط كتاباً بلا أوراق.. وثامن له نظارات ضخمة تسيخ في وجهه لكن بلا زجاج!! وتاسع يدلق الفضلات من جوفه ويدفعها بلسانه.. وعاشر شرهٌ يسرق كل ما تقع عليه عيناه الجاحظتان، حتى الألقاب ينتزعها، ويزرعها في سترته.. أحدهم ينسج أكذوبة سوداء متداخلة الخيوط، وآخرون ينطرحون حولها يقتاتون عليها.. جمع نفسه الشاردة.. حاول أن يعبر كل ما رأى.. وتمتم في سره: «كائنات قذرة.. تملأ كل أمكنتي.. تستغرق كل أزمنتي .. تعبث بكل حاجاتي .. الآن عرفت!!: لماذا كنت اجتهد فلا أجد؟!! وأزرع فلا أحصد؟!!» وقع في نفسه ان يفتك بهم: «هم كثير.. كثير.. يكفي لابادتهم جميعا مبيد حشري.. انهم حشرات مؤذية.. متلونة.. بغيضة.. منتنة.. لها وجوه الناس.. وقامات البراغيث.. يلبسون مثلنا.. يتكدسون حولنا.. يخطفون سماءنا.. ينتهبون مقاعدنا.. يستحوذون على اسمائنا.. ويقهقهون!! لا.. لا بل سأسكب عليهم مطهِّرا مركزاً كما أسكبه في المرحاض.. إنهم يخشون الطهارة.. يمقتون النظافة.. المهمة أصبحت سهلة الآن، أصبحت أراهم بعيني رأسي.. «ردد بصوت خفيض» يا لها من كائنات!! حقيرة.. مزعجة.. رائحتها المنتنة تسد انفي.. طعمها المر يسكن حنجرتي وصدري.. كائنات فضولية.. نهض مذعوراً.. نفض الوسادة.. عرف أنه كان يحلم.. ملأ رئتيه بالهواء النقي حاول النوم بارتياح هذه المرة.. حمد الله على انه رآها على حقيقتها، ولو مرة واحدة في حياته..!!


* كاتب قصة وأكاديمي سعودي

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved