الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th October,2003 العدد : 32

الأثنين 17 ,شعبان 1424

يحيى يخلف في كتابه «يوميّات الاجتياح والصمود»
حكايات محزنة لصور محظورة
* قراءة: علي فايع الألمعي
نحن بحاجة الى إعطاء دور أكبر للمثقفين والباحثين وللدارسين والمفكّرين، ولمعاهد الأبحاث، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، فالسياسيون في بلادنا عملوا طوال السنوات الماضية على تهميش دور المثقفين. يحيى يخلف ص 114.
في كتابه «يوميات الاجتياح والصمود» يثير الكاتب الفلسطيني «يحيى يخلف» الكثير من التساؤلات عن دور المثقف في الوقت الراهن من جهة، كما انه زاد من حنقنا نحن البعيدين عن واقعهم وهو يسجّل الأحداث التي دارت رحاها في فلسطين المحتلة أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رام الله والأراضي الفلسطينية 28/3/2002م من جهة ثانية.
حيث تساءل الكاتب عن إمكانية الكتابة والتدوين وسط اللهب، وتحت سقف النار، أو قرب المجال الجوي للزلازل.
كما تساءل عن إمكانية إيجاد كلام صاخب يصف فيه جنازر دبابة «الميركفا» وهي تسحق صمت الليل، وكيف له ان يجد كلاماً مدوّياً يتسلق أعلى درجات سلم ريختر، ليصف صاروخ ألف باوند، بعد ان يسقط فوق موقع ويهز الأرض من جذورها.
وكيف له أن يصوّر حالتي الذعر والخوف المرتسمتين على الوجوه وقد سلخت طائرات «F16» جلد الفضاء بصوتها الصاعق.
وهي محاولة من الكاتب لتسجيل الأحداث لحظة بلحظة، مارس فيها قدرته كأديب في تطويع الكلمة بغية التأثير، وإن كانت الأحداث التي رصدها قادرة على تصوير حالة الشناعة، وتفكيك كثير من الألغاز وتعرية ممارسات العدو الصهيوني بصورة أكثر وضوحاً من تلك التي كنا نشاهدها على شاشات الفضاء، لأنه اهتم بتفاصيل الوضع الدقيقة، ابتداء بلحظات الازدحام الأولى أمام المخابز وأسواق المواد الغذائية، وانتهاءً بكثير من الأحداث التي ستأتي على ذكر بعض منها لاحقاً.
اعتمد الكاتب على شهادته الميدانية، وأحاديث الأصدقاء، وحكايات الناس، فيما صور لحظات الأسى التي خيّمت عليهم لحظة اعتقال «مروان البرغوثي».
حاول الكاتب كثيراً نقل الصورة الواضحة للمقاومين الفلسطينيين الذين ظلّ العدو يلاحقهم في كل مكان دون تفريق بينهم.
كما نقل لنا الكاتب شيئاً يسيراً من صمود المثقف في الوقت الذي كانت فيه فرق الإعدام الإسرائيلية تجوب الشوارع والطرقات.
وبعد ليلة وصفها الكاتب في يومياته بقوله: مضى الوقت بطيئاً، ورحلت العتمة، وأطلّ الصباح فاتراً ومذعوراً، يتسلل من تحت سقف النار ببطء، وفي اعماقنا ظلّ ينتشر القلق، وتتناثر الأسئلة.
لقد تداخلت الأحداث لدرجة أن تدوينها بات صعباً، ومع ذلك نجح الكاتب في الحفاظ على ذاكرته التي رصدت كثيراً من تفاصيل الحالة، بكل سكنات النفوس وحركاتها.
على سبيل المثال الاثنين 1/4 استيقظ الناس في رام الله على أصوات الانفجارات التي تهزّ المدينة واطرافها بين لحظات وأخرى، حيث كرّس جيش الاحتلال هذا اليوم لمداهمة أبواب العمارات الخالية، والحوانيت المغلقة، وأبواب البيوت التي يطرقونها ولا يفتح أصحابها.
كما ركز الكاتب في يومياته على نبض الشارع، ومعاناة الناس، وبالأخص معاناة المقاومين الذين ظل العدو يلاحقهم في كل مكان.
ومع ذلك لم يكتفوا بملاحقة المقاومين بل امتدّ الجور والطغيان الى اقتحام مبنى وزارة الثقافة، وتدمير الكثير من الممتلكات، وكثير من الأجهزة التي دمّروها، وحطموا الأثاث، وصادروا أرشيف الوزارة، كما أتلفوا كل اللوحات الفنية، والمقتنيات الثقافية.
لم يقف الجور والطغيان عند نقطة معينة، بل امتد الى الإنسان الذي أرادوا كسر عزيمته، وانتزاع قواه، فيقول: كان ماهر يجلس على كرسيّ متحرك، اقتحموا منزله ودفعوه جانباً، فتّشوا الغرف، وقلّبوا الأشياء، وشتموا أهل البيت بكلمات بذيئة، ثم عادوا الى ماهر، وطلبوا منه بطاقته الشخصية، دقّقوا فيها، وطلبوا من خلال الجهاز اللاسلكي معلومات عنه من مركز معلوماتهم.
وجاءت المعلومات على الفور، انه معتقل سابق، ومحكوم عليه بالسجن لمدة ستة اشهر عام 93م إثر مواجهات بين شباب الانتقاضة وجنود الاحتلال، وبما أنه سجين سابق، فقد قرّر الجنود اعتقاله للتحقيق معه.
قال أحد الجنود: هيا.. قف، ارفع يديك وتقدّم الى الشاحنة.
كان ماهر قد أصيب عام 94م بطلق ناري في عموده الفقري تسبب له بعاهة دائمة، وكان يجلس على كرسيّ متحرك ذي عجلات.
أجابهم ألا ترون انني اجلس على كرسي متحرك ولا استطيع الوقوف؟!
دفعه احدهم بكعب بندقيته وصرخ به: لا تتظاهر بالإعاقة.. أنت تكذب.. هيا.. قف.
لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة التي أرادها الكاتب دليلاً ثابتاً على طغيان المعتدي وجبروته، بل امتد جبروتهم الى عبدالله الشعبي 60 عاماً وزوجته المقعدة شمسة الطحان 68 عاماً، حين داهمت الجرافات منزلاً قديماً ودمرت الطابق العلوي، واصلت عملها، ودمرت الطابق الارضي، وتساقط الركام والجارة، فانسدت جميع المنافذ وكان الرجل وزوجته قد بحثا عن ركن يحتميان به، ووجدا مكاناً ملائماً تحت الارض.
«...أسبوع كامل في غرفة كالقبر تحت الركام.. اسبوع كامل في قبر يموت فيه المرء وهو حي، ويحيا فيه وهو ميت».
لم يكتف الكاتب الرصد فقط، بل طالب في كتابه بكثير إلحاح على منح المثقف دوراً أكبر، كما سجل الكثير من الانطباعات عن ادوار الآخرين الذين قال عنهم:
عندما يتحدث الجبان عن الشجاعة والرذيل عن الفضيلة والمتهم بالفساد عن الاصلاح فاصعد أخي المواطن إلى رابية فإن في الأمر خديعة وأكذوبة.
ولم ينس وسط هذا الحزن ان يبعث رسالة تفاؤل بغدٍ أفضل وهو يتذكر ويذكّر الآخرين بقول ناظم حكمت: إن أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد.


يوميات الاجتياح والصمود شهادة ميدانية يحيى يخلف
الطبعة العربية الأولى: الإصدار الأول 2002
دار الشروق للنشر والتوزيع
al1391@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved