من خلال الصمتِ ناجى هاتفٌ |
خاطر الشاعر في الليل البهيمْ |
يمتطي البحر، وفي أضلاعه |
خفقة حرى، وشوق وجحيمْ |
أعمل المجداف في الموج لكي |
يبلغ الزورق للشط سليمْ |
أيها الماخر في زورقه |
لجة البحر .. وفي البحر خطورة |
حاذر الأمواج إن هاجت فما |
تهتدي للدرب في الريح الجسورة |
وامض للشط بقلبٍ ثابتٍ |
عابراً ما كنت تستعصي عبورهْ |
أيها الماخر كم في البحر من |
عجب بادٍ يميناً وشمالا؟! |
اليد الفضلى التي ما تركت |
دفة المجداف مهما الدرب طالا |
فامض للشط بقلبٍ ثابتٍ |
تاركاً في اليم للموت الكسالى |
أيها الماخر في اليم إذا |
أظلم الليل على درب النجا |
فدع الزورق يمضي قدماً |
فبصيص النور يمتص الدجى |
وامض للشط بقلبٍ ثابتٍ |
تلق في قلب الصعاب الفرجا |
ومضى الشاعر في زورقه |
يتحدى كل ألوان الخطرْ |
مرة يهوي به الموج فإن |
سكن الريح تصباه السفر |
وطن النفس على التجديف كي |
يصل الشط، ويحظى بالوطر |
ومراراً .. وصدى الهاتف في |
سمعه يدعوه لا تخش السّرى |
يتلقى الموج صخاباً .. وقد |
بلغ الجهد به .. فانفجرا |
مرحباً يا بحر بالصعاب، وهل |
يتهاوى خانعاً من قدرا؟! |
وعلى الشط .. وقد أرسى به |
زروق الرحلة في ذات مساء |
ليريح الجسم من أتعابه |
ويقي زورقه كرُّ الأسى |
أعلن البحر بصوت هادر |
زورق الأحلام يوماً ما رسى |
فدع الشط لشط آخر |
مرة أخرى، وخُضْ متن العبابْ |
ليس للنفس منى محدودةٌ |
ضمن بابٍ، خلفه بابٌ, وبابْ |
درّةٌ تكسبها أو لحظة |
حلوة تلهو بها تُنسي العذابْ |
وعلى اسم الله سار الزورقُ |
وكسا البحر الرهيب الشفقُ |
ومضى الشاعر للمجهول في |
رحلة فيها تخيف الطرقُ |
زاده أقلامه أوراقه |
ورفيقاه الدجى، والعرقُ! |
ركب البحر، وخلى الأرض من |
خلفه تعرق في أحزانها |
فالصراعات على بَهْرَجِها |
تسلب الفرحة من أجفانها |
وبحبٍّ صاح في تهويمةٍ |
يا لهذي الأرض من إنسانها؟! |
إن عشق الأرض لا يصرف |
عن أمانيها، وعن آلامها |
فهي منه، وهو في أعطافها |
حلمٌ يمتدّ في أحلامِها |
وإلى الشط ثنى زورقه |
رغم ما في النفس من تهيامِها |
والرؤى البيضاء في أعماقه |
جمدت .. كالحبر في أوراقه |
لم تحرك ساكناً .. وانعطفت |
تطفئ الومضة في أحداقِه |
جمدت، وانعطفت، أين أنا؟! |
أين بحر الشوق من عشاقِه؟! |
وَرَنَا للبحر حيناً، ورنا |
نحو أرضٍ طوقت أحلامَه |
عاش صفو البحر في زورقه |
واكتست جِدّتها أنغامَه |
فلماذا الأرض لم تحفل به |
عاشقاً .. بل ضاعفت آلامه؟! |
ومن الأرض التي يعشقها |
بادل البحر أحاديث الهوى |
وشكا اليأس الذي يحرقه |
في نواحيها .. وما نال سوى.. |
كم له من نغمةٍ فيها ذوت |
مثلما نبتٌ بصحراءٍ ذوى؟! |
خُلق الشاعرُ من طين له |
عبقٌ مختلفٌ منفردُ |
ما يراه الناس في |
عيشهم، فهو المعنى المجهدُ |
كلما في الكون من هم، ومنْ |
رغدٍ .. في قلبه محتشدُ |
فوداعاً، ووداعاً، وإلى |
ملتقى إن لم يحل من حائل |
علّ فيه الأرض مكاناً دافئاً |
لأغاريد الهزار الراحل |
حيث غنى فيك ألحان الصفا |
وألوفا .. ثمّ ارْتمى في الساحل |
أنا يا بحر .. كما تعرفني |
زورقي فيك، ومجدافي الأملْ |
لا أبالي موجك الطاغي فمن |
رحم الأمواج ميلاد الجبلْ |
بعضنا خلّ لبعض، ولنا |
رهبة الهول، وإرهاب البطلْ |