الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th November,2006 العدد : 176

الأثنين 22 ,شوال 1427

(حكاية الجنية) لغازي القصيبي تدعم فكرة التمييز ضد المرأة العربية «2-2»
(النص الرديء أكثر إثارة لتحريض شهوة التأويل)
سهام القحطاني
لا شك أن من قرأ هذه الحكاية سيلاحظ أن المرأة هي محور محتوى الحكاية، من خلال (ست نساء) هن (فاطمة الزهراء، عيشة قنديشة، مريم، آبي، البروفسورة ماري هدسون، غزلان)، كانت كل منهن تمثل جانباً من تجربة (ض،ض،ض) الحب والرغبة، الاختبار والتجريب والخبرة، جميعهن كن يدرن داخل دائرة خبرة بطل الحكاية، جميعهن يتحركن بإرادته، يبدأن بإرادته وينتهين بإرادته، فوجودهن بهدف إسعاد البطل وتحقيق رغباته، جميعهن شواهد إثبات على فحولته تارة، وعلى فروسية أخلاقة تارة أخرى كموقفه من مريم بنت عمه السعودية، التي تزوجها شفقة على يتمّها وإنقاذاً لها من وحدّتها، ليرسم من ملامحها بعد ذلك صورة الفتاة الرجعية التي ترفض الاندماج مع المجتمع الجديد أو تعلّم لغة جديدة، إنها نغمة النقص التي يرددها وعي الفحل البدوي نحو عقل المرأة وعجزها عن استيعاب التطور، إنها جزء من ديكتاتورية وعي الفحل العربي، الذي قاومته ورفضته (آبي) عندما شعرت بأن البطل، يحاول تعريبها، والتعامل مع بدونية، وبعقلية شهريار التي تصفها آبي (أنك لا تريد زوجة، تريد امرأة جميلة تجيد المهام المنزلية، وتحقق كل رغباتك، وتستمتع) لقد رفضت آبي سلطة شهرزاد وتفكيره، في حين أن فاطمة الزهراء أو ع، ق، أو مريم، أو غزلان، رضيّن بتلك السلطة والتفكير، وإن اختلفت درجة القبول عند كل منهن حتى غزلان التي تصغر البطل بسنوات كثيرة، تحب البطل من أول نظرة وترضى أن تتزوج به رغم فارق السن، وفارق معطيات التكافؤ، لأن وعي الرجل العربي يحمّل اعتقاداً أنه فوق قانون العمر الزمني، وأنه يظل مصدراً مرغوباً به حتى من الفتيات الصغيرات، إن موقف القبول عند المرأة العربية فاطمة وعائشة ومريم وغزلان للفكر الشهرياري والفحولي والشبقي لبطل الحكاية يقابله رفض لذات الفكر عند آبي المرأة الأمريكية، التي ينتقصها النص ويحاول أن يبدد بريق قوة شخصيتها من خلال كشفه لعجزها الجنسي، وكأنه يقول أن كل امرأة ذات شخصية قوية تخبئ داخلها امرأة مضطهدة وعاجزة جنسياً. هذا التضاد بين موقفي المرأة العربية والأمريكية، يحصر المرأة العربية في خانة الجنس الخانة التي يرغب في تظليل الرجل دائماً، وخانة الحريم الذي تحول المرأة إلى جارية تحمم زوجها وتدلك ظهره وتغسل رجليه وتطبخ له وبعد قضاء رغبته تغني له حتى ينام، هذا هو مفهوم المرأة العربية التي تصوره لنا الحكاية. ولذا لا نستغرب عندما يكون حوار العلم والمعرفة يتم بين آبي والبروفسورة، النموذج الأمريكي، ونفتقد أي حوار معرفي عقلي بين بطل الحكاية وفاطمة أو عائشة أو مريم أو غزلان. بل ولتكريس فكرة فقر الوعي المعرفي والعقلاني للمرأة العربية، تأتي مريم الفتاة السعودية التي ترفض المجتمع الأمريكي والاندماج معه أو تعلم اللغة العربية وهي دائمة البكاء والانطواء، شخصية متخلفة ساذجة جاهلة، هذا هو مفهوم المرأة العربية التي تصوره لنا الحكاية.
أعتقد أن شخصية آبي برزت لنا رغم أنها مقتحمة على مستوى البناء الحكائي، شخصية ولم تؤد أي دور أو تضيف أي حركة لخطيّة السرد، شخصية ناضجة فكرياً لكونها أمريكياً، لكن ما لبث السارد أن شوهه دلالة ذلك النضج عبر كشفه عن شخصية عاجزة جنسياً بسبب التحرش والاضطهاد الجنسي الذي تعرضّت له، ليعلن تفوقه على تلك العقلية الناضجة والشخصية القوية، وكأنه يرمي إلى أن كل امرأة ذات عقل وشخصية قوية عاجزة ومريضة ومعقدة، حتى الملمح إلى الاضطهاد الجنسي للمرأة الغربية، وفكرة التجارب الجنسية للمرأة الغربية قبل الزواج التي وردت في حوار آبي، كانت نقطة ممكن أن تسهم في تطوير تجربة الحكاية لو قُدّمت ولو تنمّذجت عربياً، لكن التقريرية التي وقعت فيها الحكاية من بدايتها، أضاعت فرص الدراما على بناء الحكاية. هذا ما جعل حكاية البطل مع آبي ممكن أن يصاغ حوارها من خلال تقرير يضيفه الحاكي إما لمصدر خبرته (قنديش) أو لحواره مع (البروفسورة). لكن يبدو أن توسعة الخارطة النسائية في تجربة البطل (الفحل الدنجوان) كانت الأهم عند الحاكي من مراعاة البناء الحكائي والمنطق الدرامي للنص الأدبي.
ويأتي (قنديش) الجني المثقف، ليكرس صورة الرجل الأحادي الواعي والمتعلّم والباحث والعليم بدوافع الناس وخبراتهم والقادر على استيعاب التغير وتقدير قيمة التطور. إن قنديش يشبه (ض،ض،ض)، بل أراد البطل أن يشبهه قنديش ويتمثل بشخصيته، وبذلك تتساوى قيم الرجولة عند الانس والجان، فيما تتساوى قيم الأنوثة عند الانس والجانفاطمة وعائشة.
أما الإشكالية الأخرى للمنطق الدرامي للحكاية، فهي فارق التوقيت الحضاري بين (ض،ض،ض) العقل المتعلم الذي درس تطور الإنسان، وبين (ض،ض،ض) الإنسان البدوي النجدي، الذي سافر من الخبر إلى أمريكا، هذا التأزم بين الإنسان العقل والإنسان الغرائز، هو ما قلل في مصداقية النص الأدبي. وأقصد بالمصداقية، درجة اقتناع القارئ بالتطابق بين مستوى التفكير ومستوى السلوك، وأحسبه هذا خطأ لا يقع فيه إلا صغار الروائيين، فلو تساوى العطّار والنجّار وأستاذ الجامعة في مستوى المعرفة وقيمة السلوك، لما كان للمعرفة والعلم أي فائدة، ولا يخفى على أحد أن الدروس الأولى في ورش تعليم كتابة الرواية لطلاب الثانوي، هو تطابق مستوى المعرفة مع قيمة السلوك عند الشخصية الحكائية، فبطل الحكاية، رغم السنوات الطوال التي عاشها في أمريكا والشهادات العلمية والأبحاث، نجده يؤمن بالجن ويؤمن بالسحر بل ويتعاطى السحر بالتصديق والمشاهدة، ويتزوج جنية ويسافر معها. ولعل مقارنة بين بطل الحكاية والبروفسورة، سنكتشف أن الوعي العربي لا يتغير بالعلم والشهادات، لأن قوة وجذب الأنساق أقوى من العلم والمعرفة، (فأم السعف والليف، وأم حمار، والسعلوة والدجيرة والغولة) وإن لم تخلو من إشارة فكرة ربط المرأة بالخطيئة إحدى أهم مسوغات التمييز ضد المرأة، هي في نهاية الأمر التي تنتصر على الوعي العلمي والمعرفي لبطل الحكاية، الذي يحمل في جزء من لا وعيه، بأنه ممزوج بدماء جنية ورثها من جده الأكبر الذي تائه في الصحراء فأرضعته جنية على هيئة أنثى ضبع، وهو ملمح يختم بها الروائي حكايته، من خلال الشك الذي يراود القارئ في غزلان التي تشبه فاطمة الزهراء، وفي مشاعل ومشعل والترنيمة التي كانت تلازم (ع،ق) بعد إمتاع بطل الحكاية. فلم تستطع أمريكا بتشكيلاتها الأنثوية على المستوى الشكل والمضمون، أن تغير قناعات (ض،ض،ض) نحو مفهومه المركزي للأنثى والأنوثة، التي يصفها بشوق وبشبق بطل الحكاية وهو في أحضان فاطمة الزهراء أو عائشة، من طبخ واهتمام بشؤون البيت، وإعداد الحمام له للاستحمام، كما أنها تغسل قدميه بالماء الساخن والزيوت العطرية، وتهيئه لموعد السرير من خلال الحمام المغربي وروائحه المثيرة، والتدليك الذي ينعش رغبته ويزيد طاقته، وبعد قضاء رغباته ينام على ترانيمها. هذا هو النموذج الأنثويّ الذي كان يرضي فحولة (ض،ض،ض) والذي يحاول أن يسقطه على الجنية لأنه النموذج الأوسع لرغبة سلطة الرجل وهيمنته، وهو النموذج الذي حاول (ض،ض،ض) أن يطبقه مرتين على نموذج أنسي(مريمآبي). وكأن المرأة في النص وسيلة خدماتية فقط من أجل الرجل راحته ومتعته.
أما من حيث البناء الحكائي للنص، فنجد منذ البدء أن القصيبي يقتحمنا باسم (حكاية) لهذا النص، وهو اسم يتناسب على العموم مع طبيعة الحكاية العجائبية التي يعتمد عليها النص، والتمهيد لإمكانية حدث ما، وبصرف النظر عن الحجة التي عرضها للهروب من ألسنة وأقلام النقاد، فهي لا تشفع له، فالحكاية بناء روائي في تكوينه، وإن كانت تحمل دلالات فنية أعقد من الرواية، فعصّرنة التراث أو الأسطورة تحتاج إلى جهد ذهني وكفاية فنية رفيعة المستوى وليس كما تصور، أنه يُيسر له التملّص من فنيّات الحكاية، ويحميه من العبث الفني بأصول الدراما، فمثلاً لم تفلح محاولة الروائي من جعل قصة بطل الحكاية مع الجنية، حكاية إطار، تتفرع منها باقي الحكايات، ولعل السبب في ذلك، تبادل الأدوار بين فاطمة الزهراء وعيشة قنديشية، وفي نفس الوقت لم يستطع من إيجاد توليّفة تصوغ كل تلك الحكايات المتناثرة ضمن وحدات إدماجية تدفعها لرفع سقفية البناء الدرامي. وهذا يعني أن النص كان يكتب دون أن يعتمد على إستراتجية درامية. ولعل غياب أو عدم الاهتمام بتلك الإستراتجية ناتج عن تراكم المعلومات التقريرية التي توهم السارد أنها ممكن أن تمثل حوافز فتحرك بالدفع بناء النص، في حين أنها سببت تغيّبت الحبكة وجعلت الحكاية تسير في خطيّة وعلاقات تراكمية غير مسوّغة، فاقتربت فصول النص من السياق المقالي، الذي رفع درجة الفهم وقلل درجة الإحساس. وما يفرق بين الحكاية والمقال أو النص التقريري أنك تشعر أولاً ثم تفهم. وهذا هو الفرق بين المتعة الفنية الذي يحققه النص الأدبي المحترف، وبين الغرض العملي الذي يقصده النص التقريري. مع أن المعلومة كخبر ممكن أن تتحول إلى حافز ثم وظيفة تدفع نمو الحكاية، لكن ذلك يعتمد على نوعية المعلومة وطريقة معالجتها درامياً، وهو ما نجده عند إبراهيم الكوني. أنا لا أنكر أن النص قد حقق متتالية البداية في النص العجائبي أي الشعور بالإساءة، كما حقق متتالية النهاية أي الزواج، لكن المتتاليات التي تقع بين البداية والنهائية، يعني الحبكة هي الغائبة في هذا النص، وهي التي تعبر عن حرفية المبدع. ويبدو أن أستاذنا القصيبي دخل هذا النص وهو يملك البداية والنهاية فقط، فقرر أن يحشو ما بينهما بإسفنج كيفما أتفق، فانتقل ما بين السحر والشعوذة وقبائل الهنود الحمر والجن والشياطين والانثربولوجي والتلباثي والباراسيكولوجي وبرامج تحسين الذات والأساطير، وكان عرضاً غير موظف، مما زاد من تسطيح النص وسذاجته، وتمزقه. فمن يقرأ شقة الحرية وسعادة السفير سيصاحب بالدهشة من الجنية، متناً وبناءً. وكل ما أتمناه ألا تكون الجنية هي إعلان لإفلاس الفكر الروائي لأستاذنا القصيبي. ولو مثل هذا العمل الحكائي كان في الغرب لدعت منظمات حقوق المرأة إلى محاكمته بتهمة الدعوة الى التمييز ضد المرأة! وكم من صاحب خطأ أنقذه جهل المجتمع!
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved