الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 13th November,2006 العدد : 176

الأثنين 22 ,شوال 1427

ذاكرة ترفض الشمع الأحمر
بدور الأحيدب
(لاشيء يرسخ الأشياء في الذاكرة ويثبتها كالرغبة في نسيانها)
ميشيل دي مونتين
كنت قد أبرمت مع نفسي اتفاقيّة أن ثمة أشياء كثيرة يجب أن تنتقل من كونها حاضرة وموجودة إلى مهملة ولا وجود لها، أشياء تشبه الدموع.. بعض الرسائل.. قصاصات ورقيه من صحف عدة.. ومواقف كبيرة لايتناسب حجمها وثقوب ذاكرتي الضيقة..
وحين انتهيتُ من كتابة اتفاقيتي المزعومة لم أذيل الورقة بتوقيع بل ببصمة حتى لا أدعي وهي أي نفسي أن التوقيع مزور فالبصمةُ أبداً لاتشابه أخرى ولا مجال البتة لإنكارها أو الهرب منها..
عشتُ مزهوة بذاتي أني استطعت ردم كل الذكريات وإخماد صيحات الوجع في نفسي.. أوهَمْتُنِي أن الاتفاقية غسلت كل خربشات الحياة في ذاكرتي فلم يبق سوى البياض..
لم أكن أعي وقتها أن الذكرى عمر.. حياة.. حتى وإن كانت تراكمات موجعة قُدْرتُها مسلوبة عن الفرح.. كما لم يدر بذهني أن الرغبة في النسيان لن تلعق مرارة الذكريات، وحلاوة النزر اليسير منها..
كنت أظن أني لن أكتب مرة أخرى بقلم ينخر جلد الورق شوقاً لصب الحزن في عروقه..
وظننت أني بهدوء وإتقان ودَّعت ذاكرتي لأعاود الطيران من جديد بذاكرة من فارق للتو رحم أمه وربما ذاكرة من لم يولد بعد..
ورغم وعيي وإدراكي باستحالة كل المكتوب أعلاه..
وجدتني أكتبه..
وأحسست بكم تقرؤونه..
إذ بإمكاننا أن نكتب أمنياتنا لكن ما ليس بمقدورنا هو أن نحيل الأمنية/ الحلم إلى حقيقة إلا في أضيق مجال حين تكون بالفعل قادرة على أن تلامس جسد الواقع.. الذكريات لا يمكن أبداً التملص منها وادعاء أنها لاتحوي شيئاً وأخص بالذكر الأشياء التي كانت يوماً ما جزءاً منا وربما مرحلة من مراحل عمرنا فهي مدية مدفونة في لحم ذاكرتنا تنخرنا كلما حاولنا اقتلاعها.. النسيان في هذه الحالة ضرب من التمويه النفسي يكشف عن ضآلتنا كبشر ضعفاء يظنون أن النسيان أسهل من امتصاص تربة جافة لقطرة مطر..
النسيان أصعب من محاولة طفل صغير لصنع صاروخ يطلقه إلى الفضاء..
ورغم أننا ندرك ذلك إلا أننا نتحدى ونواصل اللعبة بكبرياء متجاهلين أنَّ الذكريات طوقت أعناقنا وصارت تقودنا أنّى شاءت..
مخزون من الألعاب نمارسه ضد ذواتنا.. نحاول أن نظهر بخلاف ما تَرَسّخ في أعماقنا..
نُزيّف حقائقنا..
ندعي بلا اقتناع..
ونكتب بلا حبر..
نتجاهل حاجتنا إلى وجودهم وابتسامتهم..
نتصرف وكأننا شبه منومين رغم إيماننا أننا في كامل يقظتنا..
والنتيجة أننا نستسلم للورق..
نهدأ..
نكف عن خداع النفس..
ننتمي إلى حقيقتنا..
ونحكي بصدق حقيقة ضعفنا أمام جبروت الذكريات..


الأربعاء 2551427هـ

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved