الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th February,2005 العدد : 93

الأثنين 5 ,محرم 1426

قمة توارت بالضباب
عبدالله عمر خياط

.. إذا كان أستاذنا الكبير عزيز ضياء قد قال عن العملاق حمزة شحاتة رحمهما الله : إنه قمة لم تكتشف .. فإنني أستطيع أن أقول وبكل ثقة: إن أخي الأستاذ علي محمد العمير بين أبناء جيله (قمة تلفعت بالضباب).
والضباب الذي أعنيه إنما هو الغياب الذي تعوده الأستاذ العمير فأصبح لا يظهر في المجتمع ولا على صفحات الجرائد التي ملأ أعمدتها حيناً من الدهر بما كتبه قلمه من موضوعات تناولت مختلف القضايا التراثية.. والفقهية.. والأدبية، والنقدية، والنقدية اللاذعة خاصة.
ففي جيزان.. حيث لا صخب ولا ذهب نشأ الأستاذ علي العمير واكتسب بالفراغ الذي توفره المدينة الناعسة حرفة القراءة لكل كتابٍ يصل إليه أو تصل إليه يده، وفي المقدمة من تلك الكتب.. ذخائر التراث.. والفقه، ولذا كان أول عمل اشتغل به في جيزان بكتابة العدل حتى كاد يصبح قاضياً.
ويوم انتقل إلى الرياض تفرغ لدراسة كتب الأدب وبالذات ما صدر للمبدعين من رواد الفكر وعمالقته الذين أثروا المكتبة العربية بما أصدروه من مؤلفات تشهد لهم بالإبداع والعملقة.
وللتاريخ فإن مما كان يشغل أخي الأستاذ علي العمير في الفترة التي قضاها مديراً لتحرير مجلة (الجزيرة) يوم كان يصدرها الأستاذ الكبير عبد الله بن خميس هو إشاعة الثقافة وتصحيح المفاهيم الخاطئة في مجال الفكر والرأي.
وقد سار على ذلك في جميع مراحل حياته لا يرضى بالخطأ في الرأي ولا يقبل الخطيئة في الفكر، إذ لا يكاد يقرأ شيئاً من ذلك لكائن من كان حتى ينبري بالأسلوب الحاد لتصحيح ما يراه من خطأ في الرأي.. أو خطيئة في الفكر.
أسلوب حاد.. ولاذع، ولكنه في ذات الوقت يلتزم حدود الأدب التي تفرض على المحاور أن يكون موضوعياً ليؤدي رسالة الناقد بأمانة، ولعله قد استفاد كثيراً مما قرأه لكبار النقاد من أمثال: مارون عبود.. وعباس محمود العقاد.. والدكتور طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي.. ومحمد مندور.. وأنور المعداوي، الذي كثيراً ما كان يحرضني على قراءة ما صدره له من مؤلفات منذ أن توطدت صداقتنا بعد أن تزاملت وإياه في جريدة (البلاد) حيث تولى إدارة مكتب جريدة البلاد في الرياض يوم كنت مديراً لمكتب البلاد بمكة المكرمة بعد أن اعتلى معالي الأستاذ محمد عمر توفيق رحمه الله كرسي وزارة المواصلات.
ثم زادت تلك العلاقة عمقاً بعد ما أصبحت سكرتيراً لرئيس التحرير الأستاذ حسن قزاز وأصبح الاتصال شبه يومي بالأستاذ العمير لاستجلاء آخر الأخبار منه بحكم موقعه في الرياض التي كان يستضيفني بها في منزله كل ليلة عندما أصل إلى الرياض في مهمة عمل وما أكثر ما كان الأستاذ القزاز رحمه الله يكلفني بالرحيل إلى الرياض للقيام بمهام صحيفة تختلف باختلاف المناسبات.
ومما أذكر أنني كنت والأستاذ علي العمير نسير في شارع الوزير بالرياض فأخذني إلى شارع جانبي لزيارة مكتبة كان يشتري منها الكتب.
ولما سأل الموظف بالمكتبة عن آخر ما وصل إليه؟ .. قال الموظف: (والله يا عم علي ما جانا من الكتب شيء.. لكن واحد مستور جاب ها المجموعة من مجلة (العربي) بغرض بيعها.. فكان أن سألني الأخ علي: هل لديك مجلة (العربي) مجتمعة؟)
فقلت له: للأسف لم تتوفر لي فرصة الاحتفاظ بها وإن كنت أحرص على قراءتها منذ أن سمعت الأستاذ الكبير أحمد السباعي رحمه الله يقول عنها: (إن مجلة (العربي) بمثابة مكتبة صغيرة لما تشتمل عليه من موضوعات ذات قيمة فكرية وعلمية وثقافية، إذ كان يتولى رئاسة تحريرها يومذاك الدكتور أحمد زكي الذي قال عنه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين: هذا الذي علم الأدب وأدب العلم)، وذلك لكون تخصص الدكتور أحمد زكي في العلوم.
المهم أن الأخ العمير سأل صاحب المكتبة عن السعر ثم غادرنا المكتبة سوياً، وفي اليوم التالي وأنا أغادر الرياض وجدته يحمل معه في سيارته التي أقلتني إلى المطار ثلاثة كراتين.. ولما سألته عن محتواها؟ قال: هدية بسيطة.. مجلة العربي ترجع لها وقت ما تشاء فهي فعلاً تستحق أن تأخذ موقعاً في مكتبة كل كاتب.
وبعيداً عن المجاملات فالحق أن الأستاذ علي العمير كاتب وكاتب كبير ومبدع بثقافته التراثية.. والأدبية التي تشهد بها موضوعاته التي كتبها على مدار سنوات عمره وخسارة كبيرة أن يتوقف قلمه عن العطاء بتواريه الذي يتعمده.. وأرجو أن يخرج منه ليواصل تمحيص ما ينشر فإن كثيره غث، ولا بد لقلم ناقد يتولى مواجهته، وليس كالعمير من يمكن أن يؤدي هذه المهمة وشاهدي على ذلك معركته التي ربحها ضد الحداثة والحداثيين.
أرجو أن يعود الأستاذ العمير للساحة فإنها بالفعل بحاجة لعطائه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved