الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th February,2005 العدد : 93

الأثنين 5 ,محرم 1426

هل للأدباء عندنا عنوان..؟!
محمد المنصور الشقحاء
جاء الدكتور محمد علي الهرفي في جريدة الوطن يوم الثلاثاء 911 1425هـ العدد (1544) مغرداً خارج السرب في مقاله (القاضي ورابطة الكتاب) فهو لم يجد ما يقوله عن الخبر الصحفي الذي نشرته ثقافة الوطن، وكذلك ثقافة عكاظ، وصفحات الأخبار المحلية بجريدة الجزيرة عن قيام مجلس الشورى بدراسة نظام (جمعية الكتاب والأدباء) رابطة الأدباء السعوديين، غير إلغاء وجودنا أدباء ومفكرين.
متناسياً عقوداً ثلاثة من عمر الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون والمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وادعى إننا نكره بالنسبة للعالم كما توهم أننا لا نعرف بعضا ونحن نتحاور على منابر الأندية الأدبية، وفي الإذاعة وعبر التلفزيون ونطبع كتبنا في الداخل والخارج مستضافين ومضيفين.
على ماذا بنى الدكتور محمد الهرفي تصوره ولم لم يكن له وجود وهو (المنتمي لأحد الاتحادات العربية) فكيف تمكن من الحصول على بطاقة عضوية لعله فاز كما يدل سياق مقاله بوظيفة مراسل وبالتالي يتطاول بها علينا أدباء ومفكرين، مرحباً بخطوات مجلس الشورى التي سوف تثمر اتحاداً للكتاب والأدباء السعوديين.
كلنا نعي تجربتنا الفكرية والأدبية وإلا ما.. وصلنا وقد تحدث الفكر العربي، عن عبدالله القصيمي وقوله المشهور (العرب ظاهرة صوتية)، وعن عبدالله الطريقي أحد مؤسسي مركز الدراسات العربية ولم يهمل أحد اثر حمد الجاسر رحمه الله في تحقيق التراث (مؤسس مجلة اليمامة وصاحب مجلة العرب) وهو عضو في مجمع المشاهير كما هو الشاعر حسن القرشي.
وإذا كان هناك من يرى تخلفنا الفكري (تخلفنا يتمثل في عدم حفاوتنا ببعض وفي عدم احترامنا لواقعنا الاجتماعي والفكري) فنحن اليوم نرى تخلفهم ولكن نحن نمارس جلد الذات حتى نصفي الحسابات، فما معنى أن يقول الدكتور الهرفي وهو المحسوب على الحركة الفكرية والأدبية (فهم لم يطلعوا على فكرنا ولم يلتقوا بأدبائنا ونحن لم نبدأ التحرك لتغيير المفاهيم إلا منذ فترة وجيزة) وسجل الفكر والأدب العربي يرشح بمشاركاتنا وتبادلنا للزيارات منذ نصف قرن ورحلة أمين الريحاني مثال على التواصل.
الخواطر تتداعى، وهذه فضيلة أحسب أن مقال الدكتور محمد الهرفي الذي يجهل واقعنا الأدبي جعلها تحلق، وهو ابن المجتمع الذي يسعى ثلة من كتابه إلى قيام جمعية للكتاب والأدباء منذ عامين بشكل جاد ومنظم مع توحيد المناشط الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام للخروج بدور ايجابي للثقافة التي شتتناها بعدم وعينا بالدور التنظيمي المؤسس على فعل المجتمع الذي يعتمد على ذاته في بناء قدراته لمشاركة الدولة في تحديد هوية الوطن.
ثقافتنا بخير والعالم العربي يحيط بها ونلتقي بهم أدباء ومفكرين في المنتديات ومعارض الكتب ورحلات الترويح والعمل، نتحاور ونتناقش ونتهم بعضا بالتخلف والعمالة ونصم بعضا بتبديل المواقف، ونموذجنا بارز بين النماذج القائمة ويحترمنا الصادقون ممن نجد أنهم حملة رسالة، وهذا يهمنا أكثر مما يقوله الأدعياء وما أكثرهم في المناسبات وعلى أعمدة الصحف.
لقد تجنى الدكتور الهرفي على حقبة من الزمن كان فيها كتاب (التيارات الأدبية) للناقد عبد الله عبد الجبار عرافا لمرحلة من التنوير، كما كان كتاب (خواطر مصرحة) للأستاذ محمد حسن عواد دليل نبوغ وعي مؤسس لتجربة جديدة تلاقت مع القائم في مراكز الثقافة في الوطن العربي، وقد تناول الدكتور منصور الحازمي أثرنا وتأثرنا في عدد من بحوثه ودراساته الخالدة التي نجد أهمها في كتابه المهم (الوهم ومحاور الرؤيا دراسات في أدبنا الحديث) أعرف أن الدكتور محمد الهرفي لم يطلع على هذه النماذج المضيئة في حياتنا الفكرية والأدبية، وهو مثال لواقع نعيشه ونجد اثره في إهمالنا تأصيل هذه النماذج في وعي الأجيال من خلال مشروع وطني هو مسئولية وزارة الثقافة والإعلام، يعيد إلى الأذهان تواصل العطاء الإنساني في المملكة العربية السعودية التي قام مشروعها التنويري مع مرحلة التكوين في عهد الملك عبدالعزيز القائد المؤسس، فكانت مدرسة دار التوحيد بالطائف عام 1364هـ التي استقطبت العديد من تربويي ومفكري العالم العربي لمشاركة أبناء الوطن في صياغة خطابنا الفكري والأدبي وتشكيل الهيئة العلمية في الحرم المكي عام 1345هـ (1926م) وكلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1369هـ (1949م) وجامعة الملك سعود بالرياض عام 1377هـ (1957م) من هنا لم نكن بمعزل عن المعاش الأدبي والفكري الذي حفل بمؤسسات جاءت بمبادرة من الدولة لنكون نحن مفكرين وأدباء وقودها تواصلنا عبرها بعد مرحلة صحافة الأفراد مع حولنا، ومنابر وإصدارات الأندية الأدبية شاهد حضاري (أجنحة بلا ريش للشاعر حسين سرحان التضاريس للشاعر محمد الثبيتي سفينة الضياع رواية للقاص والروائي إبراهيم الناصر الحميدان) على عمق تجربتنا منذ عام 1395هـ فنظام الأندية الثقافية الذي صدر في عهد الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب بتاريخ 751395هـ مثال حي للتنمية الثقافية في بلادنا، ومعها كان ثراء المكتبة العربية بما صدر عن هذه الأندية من مؤلفات إبداعية تناولها العديد من الكتاب بالنقد والدراسة هنا، وفي العواصم العربية التي وجد كتابها فيما ننتج نموذجاً مضيئا يحمل هم وهواجس أبناء الوطن الغالي، وكمثال لذلك صدور عدد من الدراسات لكتاب عرب تتناول تجربتنا الإبداعية في مجال القصة القصيرة تعد مرجعاً لكل باحث جاد.
يقول الدكتور منصور الحازمي (ولم ينتظر أدباؤنا بين الحربين من يكتب عنهم، بل كتبوا هم عن أنفسهم، وتلمسوا جوانب القوة والضعف إلى إنتاجهم، قالوا: إن أدبهم ضعيف لضعف التعليم، عشوائي مشتت لعدم وجود رابطة تجمع الأدباء وتشجعهم، لأنه يقلد ولا يبدع، وقالوا أشياء كثيرة، تفوق ما قاله هيكل وطه حسين، من باب النقد الذاتي، والطموح إلى المثل الأعلى) كان حديث الدكتور الحازمي في محاضرة (لمحات من أدبنا السعودي المعاصر) ألقاها بجامعة الملك سعود بمناسبة جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1404هـ (1984م) بحضور ضيوف حفل الجائزة من الأدباء والمفكرين من
السعوديين والوطن العربي.
وفي الوقت المعاصر نجد وخلال عقدين من الزمان الكثير من التواصل المعرفي الذي خلق نوعاً من الجدل الصحي وغير الصحي تحت مظلة المعاصرة والحداثة كان ثراء ساحتنا مثار انبهار من يتواصل معنا بشكل فاعل بعد صدمة الدكتور عبدالله الغذامي للسائد بكتابه (الخطيئة والتكفير) الذي صدر عام 1985م في جدة.
وبين هذا وذاك صدور المجموعة الكاملة للشاعر حسن القرشي في بيروت والمجموعة الشعرية للشاعر غازي القصيبي عن طريق شركة تهامة في جدة الذي جرب الكتابة الروائية بعمله المميز (شقة الحرية) عام 1996م وثلاثية تركي الحمد عام 1998م وما تناول هذه الاعمال وغيرها من دراسات ونقد في الصحف المحلية وفي الوطن العربي، نحن أغنياء بتجربتنا ومع الأسف نتوقف صامتين حيالها ولا نتحدث عنها بما تستحق في سياقها العام ونشعر بالغبن إذ لم يحتف بنا العالم.
بينما الثقافة الجادة هي أن نرصد واقعنا ومعاشنا اليومي لا من خلال ما يقوله الآخر عنا وإنما من نتاجنا (خلاص تجربتنا) ولنا في فكر الدكتور عبد الحميد ابو سليمان صاحب بحث (العلاقة بين الرؤية الكونية والمنهجية المعرفية) نقطة تأمل في نكراننا للذات.
وهنا نتوقف عند ماذا قدمنا للشخصيات السعودية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة وأين نتاجهم من مكتباتنا الخاصة والعامة وأينهم من البحث والدراسة التي تقدمهم للمجتمع، وماذا عملنا لهم بعد التكريم هل قمنا كمؤسسة حكومية وأهلية (دور نشر وجامعات) بطبع نتاجهم وتوفيره للقارىء العربي حتى نقول: إننا هنا.
بكل أسف حتى المناهج المدرسية تهمل ذاكرة الوطن ومنظومتنا الحكومية ترى إن دورها توقف عند التكريم الذي أجده في أماكن أخرى من العالم تبني كل ما يرسخ مثل هذه النماذج في الذاكرة الوطنية، وهنا يأتي دور وزارة الثقافة والإعلام الذي نراه مهملاً بسبب قصور في الواجب الوطني، حيث تقول السياسة الإعلامية في الفقرة الثالثة من المادة الثامنة عشرة (العمل على عقد الندوات الفكرية والمؤتمرات الأدبية والعلمية واللقاءات بين المثقفين من أبناء المملكة وبينهم وبين نظرائهم في الخارج بغية الإسهام في الحياة العلمية الجادة، وفتح أبواب الحوار البناء وإبراز وجه المملكة الثقافي والعلمي في الداخل والخارج) وهذا لا يتم بشراء الكتب ولكن بطبعها وتكوين دار نشر حكومية تصدر نتاج الادباء والمفكرين ليكون نتاجنا في متناول الجميع وبين يدي طلاب العلم في الجامعات حتى يكون الجميع على صلة بمنجزهم الحضاري.
إذاً نحن ضحية توزع غير مبرمج في التنمية الثقافية مما خلق فجوة بيننا وبين العالم نخترقها فرادى وجماعات، وبالتالي نكتشف إن هناك من يسأل عنا مع هذا الكم الرهيب من النتاج الإنساني الذي تقطعت به السبل.
وتقول الفقرة (48) من سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية (تبصير الطلاب بما لوطنهم من أمجاد إسلامية تليدة، وحضارة عالمية إنسانية عريقة، ومزايا جغرافية وطبيعية واقتصادية وبما لمكانته من أهمية بين أمم الدنيا).
وهذه الأهمية لا تكون إذا أهملنا إنسان هذا الوطن وخصوصيته التي نجدها في ما يكتبه الأديب ويناقشه المفكر، ونقدمهم مع ما نكتب للطالب ليعرف حضارته الإنسانية وهذا هو القائم اليوم حيث أغفلنا في المنهج المدرسي النموذج الوطني القريب من خصوصية الطالب بنموذج لا يعي مفرداته وفصلنا المعاش عن المعيشي متوسمين حسن التوجيه.
نحن مع ذلك بخير ونسعى إلى تحقيق الفضائل ونكتشف إن جهدنا الوطني غائب عن الوعي الاستذكاري الذي يحتاج إلى صقل حتى تتواصل معارفنا ونكتشف أن الوطاب ذاخر بمادة التربية الوطنية التي يحتاجها الجميع بتجديد موروثنا الشعبي وصقل معاصرتنا أدبيا وفكرياً وفق منطوق المادة العاشرة من النظام الأساسي للحكم التي تقول (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم) هذه هو القاسم المشترك في بناء مجتمعنا بكل قطاعاته الاقتصادية والمعرفية وتخبطنا في الجانب المعرفي ولد انفصالا غير محمود بين الثوابت وقيام الحاضر وبالتالي فقدت ثقافتنا الأدبية والفكرية خطوط التواصل بينها كخصوصية إنسانية والمجتمع، فانعكس ذلك علينا أدباء ومفكرين نشعر معها بالغربة داخل الوطن، وشعور بالضياع في خطاب كتبت كلماته بدون نقاط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved