الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th April,2003 العدد : 7

الأثنين 12 ,صفر 1424

مطالعات
منصور المهوس ينيم الشمس في الظهيرة:
للرواية بعد حكائي عفوي يعتمد على الحوارية المألوفة
عبدالحفيظ الشمري

رواية «الشمس تنام في الظهيرة» للكاتب منصور المهوس تأخذ هيئة البوح السردي لتفاصيل حكاية أرقت «نايف» وجعلته على حافة الجنون.. تتمثل هذه الحكاية بقضية قتل غامضة يتعرض لها أحد الشخوص «عوض» في وقت استهل فيها «الكاتب المهوس» روايته بمدخل ايحائي مناسب وسمه بعنوان «ثقب في جسر سحابة لكنه سرعان ما تراجع ليترك للحوارية فرصة البوح والتجلي والهذيان بكل ما يمكن ان يرد على ألسنة الرواة جميعهم.
تفاصيل العناء.. كشف الحقيقة دائماً:
يتفنن الراوي في اذاعة أدق التفاصيل اليومية للشخوص.. هاهي رحلة «زامل» و«نايف» في عمق الصحراء تأتي على هيئة اضاءات ذهنية متوقدة ترقب الحالة العامة وتدقق بالتفاصيل اليومية.. لاسيما حياة «منيف» التي شابها الغموض وتباعدت مسالك الأرض ودروبها حتى أصبحت الزيارة واللقاء ضربا من المكابدة الشاقة مثلما فعل «الراوي» حينما ذهب يبحث عن الصديق القديم الذي تغيرت أحواله حتى أصبحت أخباره قطعاً متباعدة بعضها لدى شيخ مسن يزفر اللواعج الحرى لفرط ما تخيفه شخصية «منيف شلاح» والذي أخذت تدور حوله جملة من الشكوك والتهم حتى ان «نايف» حاول متابعة تفاصيل هذه الحقيقة الشاقة التي تكتنف عالمه؛ فهو مصاب بالحيرة والذهول لمآل هذه الحياة الانسانية التي أصبحت على شاكلة ما نراه من تصرف يفعله الصديق القديم الذي تحول الى قاطع طريق؛ لتنذر هذه المشاهد بأن هناك خلال ما يستقر في ذاكرة العلاقة بين المجتمع «القرية» وبين الانسان «منيف» ليصبح هذا التجاذب والضبابية حالة السرد بشكل عام.
يقظة الماضي.. عواطف وآهات:
يذكي الكاتب منصور المهوس نار التوق لفطرية الأشياء إذ يعمد في الرواية الى استنطاق حالة الانسان المعذب.. ذلك الذي ضاقت به السبل فلم يعد المكان «مدينة وقرية» هي الملاذ الآمن لأحلامه وهمومه.. هاهو الماضي يستيقظ على الطرف الآخر من معادة السرد؛ نحو ما ذهب اليه «البطل الراوي» حيث يصف حالة الانسان المشتت؛ والمعذب، والمغلوب على أمره دائماً.
فمن خلال هذه «القضية المألوفة»؛ التهمة والحدس بأن هناك ما ارتكب جريمة ما.. تظل حالة السرد محددة باطارها الداخلي الذي لا يتجاوز حالة الرغبة لدى «القارىء» في معرفة تفاصيل هذه المطاردة التي تعرض لها «الرجل» منيف هذا الذي لاذ بعصمة الصمت والجبل يشكل في السرد قصة محددة تتشكل على هيئة لغز محدد المعالم.. يحمل خلفه جملة من الأسئلة يأتي أهمها على هذا النحو «متى يتم الغاء القبض عليه»؟.
ففي هذا التفاعل الانساني تنشط حالة الانسان وتأتي رغبته الملحة في ان يكتشف أسباب هذا الخلل ودوافعه دون ان يعطي «الكاتب» وعلى لسان «الراوي» أي بال لطرح تلك الأسئلة المألوفة عن قضية الرجل من منطلق جنايته التي يحاكم فيها الكاتب هنا المجتمع بشكل واضح لا لبس فيه.
دلالات المكان الواردة في الرواية:
يظهر في سياق السرد لرواية «الشمس تنام في الظهيرة» تعلق الكاتب «المهوس» بظاهرة المكان؛ حيث أتقن حالة الوصف للمكان «الجبل»؛ ليدرس وبطريقة مميزة طرقاً كثيرة في الرمل تعيده من أعماق المفازة.. تلك التي تمثلت بالحياة النائية التي يتوقع الصُحب أن منيفاً يلوذ بها وكأنها باب للنجاة والهروب من المنغصات اليومية التي أخذت تتعاظم بشكل يؤذي ويبعث على اليأس دائماً.
حالة الهروب الى الصحراء والجبال هي ملاذ أخير يقصده الراوي حينما تضيق به السبل.. بل ان الكاتب أتقن رسم تفاصيل المكان كما في وصفه ليلة البحث عن «منيف» عمق الجبل؛ لحظة ان كان الراعي «بخيت» يرقب حالة «الشياه» و«الإبل» في تعاضد يتوازى مع سرد حالة «البطل» الغائب في تضاعيف المجهول كما يقول الشيخ المسن «أبوهابس»..
غياب الأحداث المؤثرة في الشخوص:
تميل رواية «المهوس» الى افتقاد حساسية الخطاب السردي المباشر؛ ليعتمد على الحوارية بشكل واضح لا لبس فيه.. حتى غيب الكاتب الأحداث الهامة.. تلك التي ظل العمل محتاجا لها.. فلم يحمل الشخوص فيما يبدو مالا يحتملوا لنراه وقد شرع في الحوارية «الممكنة» لينسج لغة الرواية على هذا المنوال العفوي ليتحول الراوي من سرد قصة الى أخرى دون أن يقحم الذات في بناء معادلة ذهنية تفكك مغاليق العقدة الكأداء.. تلك المتمثلة في حالة الخلل الواضح بين المجتمع والانسان على نحو ما قدمه لنا الكاتب المهوس فلم يشأ أن يجعل هناك لغة ايحائية تحرك سكون اللغة السردية لعلها تخرج للقارىء جوهرة اللذة.. تلك التي نادى بها شيخ نقاد النص الأدبي «رولان بارت» الذي أصر على ضرورة ان يكون هناك بعد دلالي يقدم هذه الدهشة «اللذة» لتكتمل في هذا السياق قدرة النص على استنهاض مخيلة المتلقي.
هنا ندرك ان الكاتب منصور المهوس قد عمد الى الخروج من ربقة النقد والنقاد لنراه في هذا العمل يقدم سيرة حكائية مباشرة لا تقبل الجدل أو التأويل.. فلا يمكن لنا ان نلمس أي مظهر للصراع بين المدينة والريف، أو بين الجبل وأهله على شاكلة ما فعل «منيف شلاح» حينما ظل وفياً للجبل تحت تأثير حالة الهرب التي ارتكبها بوصفه محسوبا على أهل الخلاء الذين ضاقت بهم السبل؛ فلم تفلح المدينة في بناء شخصية إنما ظل مذبذبا بين هذا وذاك.
درجت الرواية ومنذ سطورها الأولي على اقتفاء حساسية الخطاب المكاني العام لكن هذا العالم لم يكن مهيأ لأن تعتلج به العديد من الصور الانسانية لتأخذ الأحداث بعدها التأثيري في القارئ؛ لتتسنى للكاتب فرص عدة لكتابة بيان ادانة للواقع الذي يعيشه «منيف» ومن هم على شاكلته.
رواية «الشمس تنام في الظهيرة» للكاتب منصور المهوس تسجيل تلقائي لحادثة واردة على ألسنة الرواة على هيئة شهادات واقعية تحدد معالم «الحكاية الأم».. تلك التي تنطلق منها أحداث محددة لا تقبل الجدل أو التمثل المفرط؛ ليصبح «النص» لوحة محددة المعالم ترسم تفاصيل عناد الانسان الذي تتوه خطاه بين أرصفة المدينة وتراب الصحراء.. بل أنه يمعن وعلى نحو ما فعل بعض الشخوص في الرواية الى الهروب نحو «الجبل» لكن هذا الهروب لا يزيد الأمر إلا اغتراباً ونأياً عن حياة مثابرة تبحث عن هويتها الأصلية ليظل فضاء الرواية حكاية نلتقط من تفاصيلها ولع الحكاء في سرد مقولات تتجلى بها قضية الانسان الذي يبحث عن ذاته في زمن هذه التحولات.
إشارة:
* «الشمس تنام في الظهيرة» رواية
* منصور عبدالعزيز المهوس
* الطبعة الأولى 1424هـ 2003م
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved