الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 14th June,2004 العدد : 63

الأثنين 26 ,ربيع الثاني 1425

ملامح من حياة الإنسان (أبو العلا)
حاتم علي أبو العلا

لم يكن سيدي الوالد حفظه الله شخصية أدبية فحسب.. ولم يكن شاعراً فقط نذر أدبه وشعره لخدمة وطنه ودينه.. بل كان قبلها خادماً لهذا الوطن العظيم بدءاً من موظف، ثم مسؤول حتى تقلد العديد من الوظائف المهمة مثل رئيس بلدية جدة.. وأخيراً وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة المساعد. ولعلي عندما أتحدث عن الجانب الإنساني والاجتماعي في حياة والدي فإن ذلك يجيء من مشاهداتي اليومية منذ نعومة أظافري، إذ عرف بخدمة الناس وقضاء حوائجهم والسعي لإنهائهما، وخاصة الضعفاء والنساء والأرامل والأيتام. كان مكتبة مفتوحاً أمام الجميع.. بل حتى منزلنا كان مفتوحاً لاستقبال الناس حتى إنه خصص منتدى أدبياً للتكريم والاحتفاء بالمبدعين والمفكرين، ومن يخدم هذا البلد من المسؤولين.
إن الأديب والشاعر المكي علي أبو العلا يمثل في نظري كابن له ولغيري من أبناء هذه البلاد المباركة.. حالة وعي جديدة في الثقافة السعودية وخاصة مسألة عشق هذا الوطن الكبير. يرد على الفن بالفن، وعلى الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، لا يحب الخصومات ولا المعارك الأدبية إلا إذا أجبر عليها. يحب طرح الأسئلة دون انقطاع، وعبرها يرسل إشارات الإحساس بالذات الأخرى.
لقد تأسس وعي والدي حفظه الله وسط عذاباته الأولى في حياته المبكرة، والظروف الاجتماعية القاهرة، وهذا ما حدد مسارات حياته الوظيفية والأدبية والاجتماعية، فذلك الوعي الحاد ساعده على استجابات لنداءات الموهبة الأدبية، لذلك ان شعره لم يفارق المكان في مكة المكرمة التي وضعت منه الرجل علي أبو العلا، وعن تفكيك نص أبو العلا الأدبي نجد تأثره بالبعد الاجتماعي، وكذلك سيطرة الوازع الديني في الروح والرؤية الأدبية، ومن مفردات شعره ونثره يمكن للباحث أن يستنبط ذلك بسهولة ويسر.
وعلي أبو العلا رغم تغير الظروف، وتطور التحديات لم يغير من أفكاره وقناعاته الدينية والاجتماعية والأدبية، ولا من محتويات قصائده الشعرية الرائعة، وهو شديد التأثر والحضور في شخصيته الاجتماعية، خاصة أن والدي بسيط التعامل في كل محيطاته المختلفة، وهو شفاف لدرجة كبيرة، وواضح الحديث، وصريح مع الكبير والصغير, وطيب مع الجميع لدرجة متقدمة، مما جعل البعض القليل يستغل تلك الطيبة لمصلحته الشخصية، متواضع في تعامله مع الجميع، يتمسك بمواقف الحق والحقيقة. إن علي أبو العلا شخصية أدبية وشاعرية ومثقف، واجتماعي، ومسؤول بكل معنى الكلمة فهو يحترم مسؤولياته ويقدرها، وهذا ما يجعل صوته الحنون يتردد فينا بلا هوادة.
إنه الإنسان علي أبو العلا
ومن يتعمق في بعض قصائده يجد شكل حاجة أبو العلا إلى التعبير بقوة عن الوجدان الوطني والإنساني، ولم يتجه بأدبه ونثره وشعره إلى المجال السياسي، بل اهتم بمعظم المظاهر الاجتماعية، ويكتب في هذا المجال مما توافر له من رصيده المعرفي والروحي، ولا أبالغ حين أقول: إن سيدي الوالد يعتبر من حراس القيم الاجتماعية الرفيعة، فذلك برزت بصماته في كثير من هذه المجالات المهمة، ولذلك قدره المجتمع كله، وبالذات سكان مكة المكرمة الذين أحبهم وأحبوه.
قلما تجد في نثر أو شعر، أو فكر أبو العلا، أسلوب المشاكسة أو التمرد، فهو يميل إلى الهدوء والمساكنة والاستقرار، ويجب تجاوز أخطاء الآخرين عليه.
لا بد لي أن أقول كلمة في حياة والدي وهي أن مرارة اليتم معلقة في حياته. فلذلك فهو كثير العطف والإحسان على اليتامى والضعفاء، ولم يستطع قفل هذا الجرح المفتوح، ولكن هذه العقد النفسية لم تتحرك بالأذى على مسرح حياته. بل جاءت بالإيجابيات عليه وعلى المجتمع.
إن والدي لم يسترح حتى الآن، وهو في أزمة المرض الشديد الذي يعانيه. يظل يسأل عن أحوال المجتمع وأصحابه وأحوالهم، وخير مثال سؤاله الدائم لأخي وصديقي الحبيب زهير كتبي، فهو المحب المخلص لسيدي الوالد، فالوالد ظل يسأل عن حالته الصحية كل يوم حتى خرج من المستشفى، لأن الوالد حنون عطوف محب للمجتمع المكي، ويحب أن يعذر الآخرين، ويقدر ظروفهم.
نعم ان (أبو العلا) ينحاز إلى الفقراء والضعفاء، وهو ضد المتاجرة بقوت الناس، حتى هو في أعلى المناصب الحكومية الرفيعة المستوى، ولا يحب تضخيم السلبيات، ولا يحب انتهاز المواقف، وعندما يتخذ قراراً صارماً يراعي كل القواعد الإنسانية، لأنه مسكون بالخير في داخله، فهو مفكر أديب يكتب لك المقاييس والموجبات الإنسانية والشاعرية.
ورؤيته لكل أمور الحياة متسعة، ولا تضيق معه في أحلك الظروف الصعبة والحرجة، لأن الحياة استوت ونضجت وتعمقت فيه مختلف هذا الوعي الكبير والراسخ، وذلك بفضل الخبرة وتراكم التجارب الكبيرة مع الكبار في بلادنا. ولا يحب أبو العلا إيجاد الفواصل في حياته، فهو أبو العلا الإنسان والأب والزوج والأخ والصديق والمسؤول والشاعر والأديب، فهو واحد لا يتغير في أي مرحلة، فيما عدا أن نضوجه يزداد يوماً بعد آخر، ولكنه يحترم بشدة الموقف والأفكار والرجال، وهو معتدل في كل حياته الخاصة والعامة، ويكره الإنسان الانتهازي.
ورغم كل العذابات التي مرت على (أبو العلا) إلا أنه يرفض وبشدة أن يقص منها شيئاً، إلا للمقربين والمقربين من أصدقائه وأحبابه.
والدي الشاعر.. والدي الإنسان علي أبو العلا.. والدي العطوف.. الحنون يمثل الإنسان المرهف الحس يتأثر بالبكاء.. ويتألم بألم الآخرين.. يحب الخير للناس.. كريم معطاء.. لا يحب أن يقول لا إلا فيما ندر، وحسب مقتضيات الحال.
منتدى أبو العلا أخذ على عاتقه
تكريم الأدباء والاحتفاء بالثقافة والفكر
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved