الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 14th June,2004 العدد : 63

الأثنين 26 ,ربيع الثاني 1425

الصرف والري.. والمدح الحق
محمد أحمد مشور الحداد
الأستاذ الشاعر علي أبو العلا عندما يقول الشعر لا يقوله رغبة في شيء ما ولا رهبة وإنما يلقيه بداهة وكأنما يفك عن نفسه قيوداً، أو يتنفس الصعداء مما يجول في ذهنه وخاطره، وهذا النوع من الشعراء قليلون لأنهم لم يتكسبوا به ولا يرضون أن يكون الشعر ذرائع كسب، فالشعر عندهم إنما يقال لمناسبات تحرك المسؤولية الفكرية لدى الشاعر وتهزها من الأعماق فتدفعها إلى الافاضة بمكنون ما فيها حتى لتجدك ما تكاد تتخطى بعض الأبيات المتصلة بالمناسبات حتى ترى إلهام الشعر من مجموع الحياة قد تجلى. وقد غمر المناسبة وسما فوقها واتصل بحياة الوجود كله فنحس نحن بدورنا ما يزكي فينا أقوى المعاني وأروع الذكريات..
وها نحن مع الشاعر في لقطات عابرة من شعره.. يقول شاعرنا عن مكة الخير والعقيدة والوطن، من قصيدة له بعنوان (ومضة على جبال النور):
يا مكة الخير.. بي شوق يتيمني
إلى حماك ويستوهي هواك دمي
فمن ثراك نما جسمي ومقدرتي
ورحمة الله جاءت بي من العدم
فكنت موطن احلامي.. وتنشئتي
بين القداسة عبر الأشهر الحرم
وحول كعبتك الغراء كم سبحت
نفسي وناجت لدى ركن وملتزم
أرأيت كيف اختار مقطع مطلعه فبدأ بندائه وكأنما هو بعيد الدار عن البيت العتيق وهو غير ذلك فهو ابن تربتها وهي موطن أحلامه فكم سبحت نفسه وهو طائف مناج ربه مقبلاً يمين الله حيناً وملتزماً حيناً آخر.
أي وربي مَنْ منا لا تثير في نفسه هذه الصورة المصاغة في هذا الشعر أجمل المعاني وأرقى الأحاسيس ومن منا لا تتحرك مشاعره وهو يحياها في هذا القول من القريض، ومَنْ منا لا تستهويه مكة ببيتها العتيق بكل ما فيها من آيات بينات بركنها اليماني المبارك بحجرها وحجرها.. بمقامها وملتزمها بكل شبر فيها.. إلى قوله:
إن كان كل محب شاقه وطن
مثلي فحسبي فخراً جيرة الحرم
لئن سعدت بأني ابن تربتها
فإنني من ذنوبي حيلتي ندمي
تطوف بي ذكريات عنك مبعثها
منذ الطفولة تمضي بي بلا سأم
ومن قصيدة بعنوان (رحاب الوحي) يقول:
إذا العدل استمر.. فكل أرض
أمان.. لا تخف فيها اغترابا
بنيتم بالمكارم.. والسجايا
صلاة الود حباً.. واقترابا
وما ضر المكارم حين تلقى
مزاعم جاحد ورؤى كذابا
وهنا أترك للقارئ الأديب التفكير.. وأدعو في نفس الوقت لنستقرئ معاً مدى ما تحمله أو ما تتحمله هذه الألفاظ المختارة في المقطوعة أعلاه لنجد ما قلنا سابقاً، أن ليس هناك لغة خاصة بالشعر فلك كلمة يمكن للشاعر استخدامها بحيث تغني في موقدها عن ما لا تغني فيه كلمة أخرى.
ألا ترى لو حاولت أن تبدل بعض الألفاظ بغيرها لوجدت أنك مسخت المعنى كله مهما تصورت أن هناك كلمات أجمل أو أوفق أو أجدر بالمقام؟
ألا تحس بذلك التناسق في المعاني بيتاً وراء البيت معان مترابطة كعقد تواكبت حباته في دائرة واحدة.. وتذوق معي هذه الألفاظ التي تقيم لنا الدليل القاطع على أن من البيان لسحرا ،ومن الشعر لحكمة.
وهل البيان بأكثر مما يمكن أن نقول العدل ينتج الأمان المكارم زائد السجايا زائد الصدق ينتج الحب والوفاق، لا تضار بمكارم من مزاعم الجاحد والرؤى الكاذبة.
ألا ترى معي أن بعض هذه المعاني تجري مجرى الأمثال فمن شوقي أخذ مثلاً الشر يصدع فاعليه..
لم أر خيراً بالشرآبا..
ثم هو يقول:
إذا استقر العدل امنت المواطن
إذا استقر العدل بأرض فلا تخف فيها اغترابا
ومن قصيدة بعنوان (خذوا عبرة)..
يقول فيها:
خذوا بالكتاب.. ولبوا النداء
فبين يديكم دليل السماء
ففيه الحياة التي ترغبون
وفيه الرقي.. وفيه العلاء
ومنه اذا الخطب جد اعتصام
يعم مسالكنا بالضياء
وفيه إذا النفس عج صفاها
رجاء يعيد اليها الصفاء
ومطالب مكة هنا مطالب الشعب كله حجازه ونجده بل مطالب المسلمين فيقول:
لكن مكة وهي تعرف قدرها
منكم وان رقيها مكفول
تواقة دوماً إلى تشريفكم
في كل آن والمقام يطول
لتعيش فرحتها بكل تلهف
وتعيد أعياداً لها وتصول
إلى قوله:
سكان مكة هم طليعة
(عبدالعزيز) ومن عطاه جزيل
وقوله:
والأمر تتويج لكل صنيعكم
لا يرتقي لوروده التأويل
إنا نبثك ما نريد فأنت من
لبى المطالب والجواب قبول
نحتاج جامعة تضم معاهداً
في قلب مكة تزدهي وتنيل
إلى قوله والحديث عن مكة:
واليوم مكة وهي ترقب مجدها
ترجو مزيداً والمزيد قليل
طماعة هي للمزيد.. لأنها
عطشى وللبذل الكثير تميل
ما أجمل هذا الشعر على النفس وأجمل منه تحقيق الأماني وقد تحققت الكثير من هذه الأماني والمطالب بفضل الله وبفضل كل المخلصين من أبناء (عبدالعزيز) ملوكاً وأمراء وقيادة, وله من قصيدة تحت عنوان (يا نعمة الله) وقد أشاد بهذه القصيدة المربي الفاضل الشيخ عثمان الصالح حيث يقول فيما كتبه تحية للشاعر في احدى مجلاتنا الشهرية، فقال: ولقد وقفت أمام قصيدته التي أعدها ليلقيها في حفل افتتاح مشروع الري.. في هذه القصيدة معان شائقة وأبيات عامرة تستحق الإشادة والتنويه فمنها قوله:
وغاية الشعب ان تهمي مفاخره
وأن نسود وأن تزهو أمانينا
وأن نسير ودين الله غايتنا
وفيصل الحق حادينا وداعينا
إلى (التضامن) نسعى وهو بغيتنا
وهو السبيل إذا ما ضل ساعينا
هو الحياة وفيه العز مجتمعاً
بالنصر موكبه والفوز مقرونا
ومن حكم هذه القصيدة قوله:
والعدل أثمن ما تحياه نهضتنا
لا ملك إن لم تكن أركانه دينا
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved