الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 14th June,2004 العدد : 63

الأثنين 26 ,ربيع الثاني 1425

الدور السياسي للمرأة 3
إن المتأمل للمنهج التفكيري في القرآن سيجد أنه منهج اعتمد على الحراك الوجودي، أي البنى المتفاعلة لإدراك العلاقات المتدرجة بين الأشياء والنظم وآليات التطور المختلفة، فصيغ مثل (التّفكّر، والتدبّر، والتأمّل، والتبّصر) هي مفاتيح للتعامل مع طاقة التغير في المجتمع، لكن علينا أن نضع في الاعتبار المسبق أن قدرة التكيف مع طاقات التغير قدرة ليست متساوية في المجتمعات، نظراً لاختلاف الأصول، وهذا أمر مهم علينا ألا نغفله ونحن نتحدث عن حركية التغير وتحديد المواقف وتنظيم ردود الأفعال ومقابلاتنا معها، وهكذا فإن العقلانية هي التي تشكل مجموع المفاهيم الراسخة والمترابطة التي من خلالها يحاول التفكير المجتمعي استيعاب الواقع ومتغيراته وتنظيم تلك المتغيرات والتكيف معها، هي التي تصنع فاعلية وعينا.
ما يجب أن نفهمه أيها السادة أن القيم الثابتة هي المستمدة من النص المقدّس، أما مستويات الوعي فغالباً لا تستمد بصورة مباشرة من النص المقدّس بل هي حصيلة المتغير اليومي والروابط الاجتماعية والثقافية ودلالات التقنيات المختلفة وتطور فهم القراءات التاريخية، أي (المقاصد التشريعية) وهكذا نسعى في رؤيتنا للأمور للحصول على أفضل إدراك للحقائق وإبقائها في محور مواجهة مع المتغير الحياتي، فوعينا للأمور يجب ألا يحبس داخل النهائي والمكتمل.
بعد الحرب العالمية الثانية وعام 1952م ظهرت الاتفاقية الخاصة المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة، وفي عام 1979م ظهرت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبدأ تنفيذها عام 1981م، وقد نصت المادة السابعة والثامنة من هذه الاتفاقية على:
ان تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وبوجه خاص تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل الحق في:
1 التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي يُنتخب أعضاؤها بالاقتراع العام.
2 المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة، وفي شغل الوظائف العامة، وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية.
3 المشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد.
4 إعطاء المرأة فرص تمثيل حكومتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية، وقد صوّت مؤتمر بكين عام 1995م تأييداً لما ورد في هذه الاتفاقية.
وتعتبر كل من (تونس، مصر، سوريا، العراق، الأردن، المغرب، لبنان، اليمن، البحرين) من أوائل الدول العربية التي نصت دساتيرها على مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
فإذا كانت القوانين الإنسانية قد منحت المرأة حقوق المساواة مع الرجل وكفلت لها دورها السياسي، قبل ستين سنة، فالإسلام العظيم قد منحها تلك الحقوق وكفل لها ذلك الدور منذ بداية فجره، وأمثلة ذلك عديدة، منها مشاركة المرأة المسلمة في البيعة، أول صور الحياة السياسية في الإسلام، وأول مشاركة سياسية للمرأة على مستوى السلطة التشريعية كانت بيعة العقبة الأولى حيث شاركت سيدتان من الصحابيات هما، نسيبة بنت كعب أم عمارة، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن ثابت، والمبايعة تعني التسليم بالسلطة الدينية والسياسية للرسول الكريم فبايع عليه الصلاة والسلام المؤمنات على مثل المبايعة التي كانت للرجال باستثناء الالتزام بالقتال في سبيل الله، وهذا موقف صريح على جواز حق المرأة في الترشيح السياسي.
وتتابعت مشاركة المرأة المسلمة في البيعات التي بدأت من مكة، وكانت على الإيمان والإسلام ثم العقبة الثانية، ومبايعة نساء الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وبيعة الرضوان ثم بيعة النساء بعد فتح مكة والتي ذكر القرآن الكريم بنودها في سورة الممتحنة، وكانت بيعة العقيدة وحماية المجتمع المسلم وشاركت في هذه البيعة حوالي (300) امرأة.
البيعة تعني العهد على الطاعة، أما في الاصطلاح السياسي فهي ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي، والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم، ووفق هذا المنظور فإن للبيعة ثلاثة أطراف، هي: (الحاكم) و(المجتمع) و(الدستور)، وقد عرف الإسلام في صدره الأول نوعين من البيعة، أولهما: البيعة على الإيمان، وثانيهما: البيعة بمفهومها السياسي.
وكانت البيعة على الإيمان في مكة، ثم ظهرت المرأة في بيعة العقبة الثانية قبيل الهجرة، والتي تعد البيعة التأسيسية للدول الإسلامية في المدينة، وكانت بيعة على الحرب والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم تكررت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم لنساء المسلمين بعد هجرته للمدينة المنورة، فجاء في كتاب (الطبقات الكبرى) عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فجاء حتى قام على الباب فسلم علينا، ثم قال: أنا رسول الله إليكُنَّ.. تبايعن على ألا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن؟)، فقلن: (نعم).
وكان بعض النساء المسلمات يبادر بإعطاء البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم مثل: (أم عامر الأشهلية)، و(ليلى بنت الخطيم) رضي الله عنهما كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد المسلمات بالبيعة في المناسبات، ويحدثهن على فعل المعروف، وكذلك شاركت النساء المسلمات في (بيعة الرضوان)، التي كانت بيعة على الموت، وعلى عدم الفرار.
وجاءت (بيعة النساء)، التي وردت نصوصها في القرآن الكريم، وفي السنّة المطهرة بعد فتح مكة سنة 8هـ، حيث دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في 21 من رمضان، ثم أخذ البيعة من الرجال، ثم أخذ البيعة من النساء، التي جاء فيها أكثر من رواية في كتب السيرة، تفسر بعض جوانبها، وكان عدد النساء في هذه البيعة يزيد على 600 صحابية.
والرواية المشهورة في كتب السيرة جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً)، فقالت (هند بنت عتبة): (والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال)، فقال صلى الله عليه وسلم : (ولا تسرقن)، فقالت: أما إني والله كنت آخذ من مال أبي سفيان الهنّة بعد الهنّة، فما أدري أكان ذلك حلالاً، أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت قبل ذلك فقد عفا الله عنك، فعرفها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (أنت هند بنت عتبة؟)، قالت: نعم، اعفُ عفا الله عنك... فقال صلى الله عليه وسلم: (ولا تزنين)، فوضعت (هند) يدَهَا على رأسها، وقالت: أوَتزني الحرة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديهن وأرجلهن، فقالت: والله إن الإتيان بالبهتان لقبيح، ثم قال: (ولا تعصين في معروف)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر، بايعهن، واستغفر لهنَّ الله.. إن الله غفور رحيم..).
إن التأمّل في دلالات هذه التجربة السياسية، يفتح لذوي البصائر ارتباطات متعددة تتجاوز الرؤية الجزئية والتبؤر حول المستخلص، إلى رؤية كلية تعمق نظرتنا للمنهج، وأول تلك الدلالات تتجلى على مستوى قوانين الدستور (الشريعة) فهي بيعة على العقيدة والإيمان، وبيعة على الاعتراف بقوانين المجتمع والالتزام بها مثل: السرقة، والزنا، والبهتان والقتل.
ثم تقرر لنا اعتراف صاحب السلطة (الرسول الكريم) بتشريع الدور السياسي والاجتماعي للمرأة في المجتمع، واعتراف السلطة كتشريع بكمال أهلية المرأة التي تؤهلها لممارسة هذه المشاركة فهي كاملة الأهلية والمسؤولية، والدلالة المهمة هي أن السلطة لم تفرض على المرأة الإنابة عبر وسيط في مشاركة الترشيح أو الموافقة على الدستور، وهذا تصريح مؤكد بجواز مشاركة المرأة بنفسها في مجال البيعة والترشيح السياسي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الرجل ينوب عن زوجته أو أخته أو ابنته في هذه البيعة بل كان أبو سفيان موجوداً وكذلك زوجته هند، والدلالة الأخرى هي استيعاب المبايع لتفاصيل البرنامج السياسي لصاحب السلطة، ويتضح ذلك جلياً من خلال أسئلة الرسول الكريم للنساء لأخذ الموافقة على التشريعات المقوننة في برنامج الدستور، إضافة إلى دلالة المساواة بين الرجل والمرأة.
إن الهجرة والبيعة تجربتان سياسيتان أوليتان في الدولة الإسلامية، ومشاركة المرأة في التجربة الأولى بمعية الرجل، هو اعتراف صريح بدورها في هذا المجال.
إن عدم الاهتمام باكتشاف الدلالات الضمنية للتجارب الدينية يؤدي إلى عدم الاستفادة من تكاملية النص المقدّس.


seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved