الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th July,2003 العدد : 20

الأثنين 14 ,جمادى الاولى 1424

صوت الحكاية.. صمت المكان
قراءة في "الترياق" لأميمة الخميس 3/1
محمد الدبيسي

تنويه:
تقدم نشر الجزء الثاني من قراءة الزميل محمد الدبيسي لمجموعة الأستاذة أميمة الخميس،فنعتذر لهما ولكم.. وننشر في هذا العدد الجزء الأول من القراءة.
تحاول هذه القراءة، استكناه الحمولات النصية، في هذه المجموعة، وتتبع محركاتها الدلالية، بدءا من العتبات وتيمة العنوان، والنسيج اللغوي المكون للعلامات النصية، وإشارات اللغة ونظامها التركيبي، ووصولاً الى رمزية "المكان" وتحولات هذه الرمزية، في إطار شبكة العلاقات السردية، وتشكلها وفقاً للحقول الدلالية، ومرجعية التصنيفات العلائقية، بين تلك البنى في السياق الحكائي.
العتبات/ المكان
"وجهان" متماهيان ضاعت ملامح التقائهما، بعتمة اللون الأزرق.. وغابت تفاصيلهما كعلامات فارقة، يحتل الجزء الأسفل من الفضاء اللوني البرتقالي، الذي اكتساه الغلاف وفي أعلاهما "الترياق" الكلمة.. الهوية الاسمية للمجموعة القصصية "الثانية" لأميمة الخميس.
وفي مقدمة الأوراق التسعين، أطل أهداؤها:
"الى التي تداركتني بأطواق الكلام.. ومراكب الحكايات. وخاتلت تركيبة السم. لتحولها الى ... ترياق" "ص 5".
وهذه العتبات التي تجوس المفهوم الدلالي الأول لما يحتويه "النص السردي" تتبوأ عنواناً تفسيريا آخر ارادته الكاتبة في الغلاف الداخلي "الترياق.. تضاريس نسوية في جغرافية مدينة الرياض".
وهذا التأسيس الأول الناص على تحديد المكان "الرياض" يقارب مستوى الوعي به "كحاضن لوجود الإنساني وشرطه الرئيس وأكثر متلازماته قابلية للتحول واختزال المفاهيم. والاكتظاظ بعدد كبير من الحدود والتصورات والمحاميل وشحنات الجمال".
ويتلاقى تصور المكان على هذه الهيئة وجاهزيته البيئية لاحتواء شخصيات القص وحكاياتها، بقدرته على افرازها نوعياً، وما يقتضيه وجودها في ذهن المتلقي من صيرورات متحركة ومتصاعدة، تتواتر على إنتاج النماذج الشخصية، واكتناه طبيعتها الوجودية سواء باستلابها او مدها بالزخم الإنساني والحضوري في المشهد الحياتي.
وفي التفريغ اليومي من محتواه البديهي/ العادي، واستجلاب ثورته المكبوتة، المتجلية بتدوين مساقات قراءتها وتحليل جغرافيتها النفسية، وتشخيص حالتها الراهنة.
وانزياح الشخصية من سديم تشكلها المكاني، الى فضائها الإنساني، وهو ما تتمركز البنى الحكائية عبره على ثلاث ركائز:
1 الرياض "المدينة" المكان الحاضن لسيماء الجغرافيا النسوية وتحولاتها.
2 "المرأة" المعبر عنها ب"النسوية" لتجسيد مدلول انساني يخالف الأنثوية، ويخرج من حقلها الدلالي، تأكيد على كونيته الوجودية.
3 الحكاية، كمرتجع يكون فاعلية الشخصيات، باعتبارها وحدات دلالية، تكون السرد وتمثل شرعية تجاوز الجغرافيا كنمط مهيمن.
ومن هنا تدخل "المرأة نص الثقافة بكونها إنساناً تقلقه هموم كثيرة، قد تكون منها قضية التأنيث إزاء الذكورة وضعفه ومحاولة تسخير الرجل بالرغبة". وهي الفرضية التي تلغيها الكاتبة بدءاً من مفهوم التلقي، عندما نصت على "النسوية" كهوية انسانية لشخصياتها تمنحها احقية التعبير والتفكير، ومن ثم الانكتاب والتدوين.
ويؤسس هذا التصور رمزيته الضمنية في لحمة الفضاء السردي. فالرياض.. ونساؤه، هما بنية السرد المتجلية عبر القصص والحكايات.
الرياض.. المكان.. هي تلك الثيمة المطابقة لوعي الذهن، بما تفرزه الذاكرة الساردة.. وما تستبطنه من أسرار وهو المكان الذي تفضي الساردة بتضاريس نسائه.
"التضاريس" هذه التعرجات والانحناءات والمضائق والسهول والشواهق والمكامن التي سترسم جغرافيتها والتي ستعلن قصصها.. وخرج من مكمن السر الى تجلي العلن المكتوب..؟
"التضاريس النسوية" للرياض، تأخذ تصنيفها المعياري بدءاً ليكون المفهوم المكان، عمادة الموضوعي المتجلي والواضح، وليكون لتلك الحالات النسائية نطاقها الحيزي المعلن. مما يفصح عن حالة شديدة الوثوقية بالالتصاق بالمكان، وانبثاقها من مكان معلوم "الرياض" الى فضاء، كان مضمراً في طيات الذهن النسائي، والمحترز بالصمت والسكوت، والتي تداركتها بأطواق الكلام ومراكب الحكايات تظل مجرد "............." نقاط أفقية تحيل الى اخفاء اسم المهدي لها وهويتها العلاماتية، وظهور "وصفها" الدال على أهميتها للكاتبة.
فهي من "حولت تركيبة السم" الى "ترياق"..! ترياقاً وليس دواء..؟
وفي انتقاء المفردة، ما يحيل الى ايحائها غير المتداول نسبياً في أدبيات التعبير الأدبي، ليندغم المدلول الايحائي مع حاسة انتقاء العنوان "الترياق" ثيمة وارفة الدلالة، تضفي على التجنيس الحكائي بعداً يطاول أسوار "التضاريس" المتخفية في هوية السرد ومضامينه.
وتنشد العتبات النصية دلالة موازنة لحضورها الثقافي ككاتبة وقاصة جديرة بحسب دلالة العتبات بأن تستنبئ التضاريس تفاصيلها، وتتحدث عما تعرفه عن "نساء الرياض" فتحت عنوانا "عن الكاتبة" وثقت الكاتبة شهادات نقدية على تجربتها لغادة السمان وعبدالله الغذامي وآخرين.
كان أهمها شهادة الغذامي المقتربة بشدة وحساسية قرائية.. نافذة الى خبيئة هذه النوعية الكتابية: إن المرأة عند أميمة الخميس لا تحكي ولا تعبر، ولكنها لا ترفض التعبير ولا تفر من الكشف انها تطرح نفسها بوصفها جدا قابلا للقراءة والتشريح، وبوصفها حكاية قابلة لأن تروى، وسمحت للكاتبة بأن تدخل الى دهاليز صمتها لتفجر هذا الصمت، وتستنطق الذاكرة، ثم ترصد حيوات أولئك النسوة، وتسرد لنا حكاياتهن..".
فشهادة الاسم الابداعي المرن غادة السمان، والاسم النقدي الكبير الغذامي، بأبويته للحركة النقدية الحديثة وحضوره اللافت فيها، وتماسه التفصيلي "المرأة واللغة" يجذر كينونة هذه العتبات، ويتجاوز بها الملمح التزويقي الدعائي، الى المسبر المعرفي النقدي، في إنجاز أميمة الكاتبة ..ولعل تشخيصه الدقيق للتكوين الدلالي لإنجاز الكاتبة، يتأتي عبر محاور تشخيصية للبنى المفاهيمية المحركة لتجربة الكاتبة وهي:
1 المرأة، بوصفها جسداً قابلاً للقراءة. 2 تفجير الصمت.3 استنطاق الذاكرة.4 رصد الحيوات..
هذه البنى التي تستضيئها شهادة الغذامي النقدية.. وتعمق من جدارة أبويته النقدية، وازاحتها من الأساس التربوي الي الصياغة العلمية النقدية، تفسح للقراءة مهاداً قبولياً ونظرية استيعابية.. لما تحمله الحكايات والقصص من حالات وقضايا وشخصيات، وكأن الغذامي العتبة "النصية" الأهم، يأتي في النسيج الكتابي لأميمة مفتتحاً ومختتماً..!
حيث أعادت إثبات شهادته بنصها كاملاً في الغلاف الخلفي للمجموعة.
والكاتبة التي تحفل بهذه الامتثالات من القيم النصية الموازية، بدءا من الدلالة الضمنية، التي يفتتح بها التلقي، "العنوان/ الترياق" الذي يستدعي افتراضاته الدلالية، بأن سبر العوالم النسوية وكشفها يعد "ترياقا"، يشفي وجع صمتها، وانزياحا تلقائيا الى انتقاء عناصر "نسوية" من حيز مكاني، تتضاعف قيمته الدلالية، لانغلاقه دون الانكشاف.. وتوالي تجسد عتبات متعددة، تحول بين القارئ وبين الولوج القصدي الى النص السردي..؟
وبهذه الاعتبارات النصية الواعية بإشارة العتبات، فإن الكاتبة، تدرك أهمية ما ستتحدث عنه.. وخطورة ما ستقاربه..!
بل وتجسيدها المتمثل في انتقاء البؤرة المكانية.. ذات الدلالة المستفيضة في الشهرة والضوء والغموض واستراتيجية الطبيعة الديمغرافية لها "الرياض"، فعل قصدت الكاتبة منه، احاطة نصها بهذا المدى الجاد من العتبات المتعالية في دلالتها، والمتضامة في سياق يكشف بعضاً من مضمرات السياق القصصي..؟
ام ارادت ان تحض تجربتها المتمثلة بهذه المجموعة، بنسق مغاير لتعاطي البنى الموترة والمكثفة في مؤداها ودلالاتها لقضايا "نسوية" ذات تماس بالتركيبة المفاهيمية للمجتمع السعودي، وهي تتقصى معيار "الحجب" التي ظلت غير مواتية للاقتراب او الكشف..؟
ولا سيما وتأكيدها على مفهوم "تضاريس نسوية" إلغاء "الرجل" من معادلتها كمركزية مهمشة وغير معتنى بها..!
بالرغم من اضمارها لفعل تغيير يقوم به الرجل، ويصبح هو سبب طمر تلك التضاريس ، وحصرها في منطقة الظل المبهم في التركيبة المجتمعية..!
وذلك ما يستوجب قراءة "العتبات" وظلالها الدلالية في سياق ثقافي، تشير اليه شهادة الغذامي ضمناً، وتستوجبه مفهوماً غير منطوق، يتراءى ولا يلمس..! مجرداً في فعل التلقي البدائي.. بالرغم من استدعاء النص القصصي له، وإثباته الكامل لحضوره كمحرك محوري في السياق الاجتماعي العام.
والنسوية وظيفة بؤرية لدى الكاتبة تتخذ من "وفاء، منال، نهى، هيفاء، فضة، لمياء، مشاعل، نورة" هوية لا يعتد بأنثويتها كمستوى وجودي..؟ بقدر الاعتداد بهويتها النسوية، وبعدها الأجناسي.. فهن رموز "الجغرافيا النسوية" للمكان "الرياض" وهن كوامن الفاعلية الحكائية في القصص المسرود، وتصبح فاعليتهن خصوصية مكانية، تعبر عن الحالة المجتمعية للمكان، ومرداته الأدبية والاجتماعية، وتحولاتهن في السياق السردي عبر التجزؤ القصصي، المتضام لاحقا بمحورية الحضور الفعلي في المشهد الحكائي.
وبذلك تتجاوز الكاتبة بهن أفق التلقي العادي، الى مركزية مضمرة في حماها المجتمعي، وتقصد العبور بهن الى مستوى فعل التدوين والكتابة.. في متواليات مجزأة، لكل شخصية منهن، تستبطن قضية متماسة ما بين الذات بوصفها الفردي، والضمير الجمعي الذي توحده قضاياهن المتشعبة "لأن الشخصيات العديدة للقصة، تستطيع ان تخضع لقواعد الإبدال، وان الصورة نفسها داخل العمل بالذات تستطيع ان تمتص شخصيات مختلفة". بحسب "رولان بارت" وهو ما تتمثله نصوص المجموعة كسيماء عامة لفضاءات شخصياتها، ويتمثله على أكثر تكثيفا، نص "البيضة والحجر". "ص 85".
في تعدد شخصياته الخمس، وابدالاتها للصيغة الحوارية القصصية.. واستخلاص الحوار لرؤيتها، في إطار توازن السؤال والجواب، والحركة المسرحية على "الخشبة" الموصوفة الأجزاء، التي تكون المدخل المفاهيمي والدلالة البعدية لفحوى الحوار السردي، وتوازن مستويات اللغة القصصية بين الوظيفي اللغوي والجمالي.. القابض على لحظات نفسية بعينها، تستقصي مخزون الشخصية إزاء الموقف المعلن بالكتابة.
بينما تتمكن من تجذير التكتل الفردي لبقية الشخصيات، وفقاً للحالة القضية التي يكتنهها السرد، وتمثل بنية الحكاية.
فشخصياتها المستلة من النسيج المجتمع.. تتألف بنواة المكبوت والمضمر في النسيج ذاته، وتقاربهن السردية ببنيتها المستجمعة للنقيض والمترادف والمتراكم، بنتائجه المستوفاة من مركز اللغة الحكائية، ليس في السياق الانطباعي او الحواري المجرد، وإنما بتوتر الاحتشاد النفسي، وتشكيل اجزائه الوصفية.
النص/ الحكاية
صوت الحكاية، هو ذلك لخيط الذي ينتظم صيرورة الحياة، وينقل احداثها وبنى تموضعها في السياق المجتمعي، ويكون مادة وجودها وتمظرهرها، وانبعاثها من صمت المكان "الرياض" بمعنى ان الحكاية وعبر تشكلها السيموطيقي، تحول المكان الى فضاء مخترق بها، تتخلل أصواتها وشخوصها صمته، وتتجاوز شرطه الاجتماعي، الذي يجعل هاجس مكابداتهن مرتهنا في دائرة الاعتياد الشكلي، في وجودهن غير المرئي ببصيرة الذكورة المهيمنة، والمكانية المحكومة بنظامها القيمي، وهي معطيات تجعل من الصوت الحكائي السردي، فاعلية تتبين مسارها بمقدرتها على استجلاء مكامن ذلك الصمت، وتفجير طاقاته المكبوتة، واعلان سرية الصوت الهجسي وتوثيق جغرافيته الانسانية، بفاعلية تتوازى اجرائيتها، بين صوت الحكاية السردي، وصمت المكان المنضوي في هيمنة الاعتياد والسرية.
وفي عناوين النصوص "التسعة" التي تحتويها المجموعة، إحالة ظاهرة الى "المرأة" ما عدا نص "الخصي" الذي استدعى الاحالة جدليا وان لم يعر عنها في لفظه المجرد..؟ وان كانت اللفظة تستدعي هالاتها الدلالية المستوحاة من السياق الافتراضي.
وفي نص فتاة "كما يجب" نكوص حلم "هيفاء" من الزواج السعيد وتبدد مظاهره، في كنف الزوج المنغمس في دوامة التقليد الذكوري، المتخفف من أعباء اعتبارات الزوجة "في اللحظة التي هم فيها المساء الخريفي ان يهطل على فيلا الورود واخذ العريس مجوداً يعبىء جيوبه بمحفظته وجواله وسبحته ويتأهب للخروج، فسألته بترق وهي لا تزال مضمخة بدلال شهر العسل: الى أين؟ أجابها وهو يبدو منهمكاً في مهمته: الى الاستراحة".
لتبدأ "الحكاية" من مشهد الاصطدام بين إرادة هيفاء ورفضيات الزوج، وتلاحق الكاتبة مكونات نفسية هيفاء باستقصاء بديع.
"عجينة الوقت التي ترتمي بين يديها كل ضحى، لزجة ورخوة وصعبة التشكل" "ص 16".
ويقوده تحلل الوقت الفارغ في حياتها الى استرجاع اسماء الصديقات والزميلات، او للجوء الى أمها تحديد لتجد الأسئلة فراغها التي كونها زواجها اجابة بلا جدوى؟
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved