الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

وجوه شامية
من أصدقاء العمر الجميل
بقلم: د. صباح قباني
نجاة قصاب حسن
يقولون في الشام عن متعدد المواهب والاهتمامات إنه (مُسيّع الكارات). أي مارس سبع مهن مختلفة في وقت واحد.
نجاة قصاب حسن هو ذلك الرجل. إنه القانوني الحاذق، والصحفي، والكاتب الآسر، والمتحدث الجذاب، والموسيقي البارع، ورسام الكاريكاتور المدهش، والخطاط الأنيق، وقبل كل شيء: الدمشقي الأصيل العريق الظريف.
هو يقول عن نفسه: (أنا لا أريد أن أكون شيئاً واحداً، لأنني أريد أن أحيا، فقصتي مع الحياة هي أصلاً قصة الشوق الذي لا يهدأ إلى كل شيء). كتب ذلك في كتابه الرائع (جيل الشجاعة) رداً على الذين تمنوا عليه لو ركَّز على جانب واحد في حياته كي ينجز أعمالاً أكبر وأكثر.
وحين جلست مرة لأرسمه رسماً كاريكاتورياً، كعادتي معه وعادته معي كلما التقينا، سألني: على أي صورة ستجعلني؟ فقلت له وأنا مستغرق في الرسم: (فكرت أن أجعلك كتماثيل الهنديات القديمات ذوات الأذرع الكثيرة لأدل على مواهبك المتعددة، ولكن الورقة التي أرسم عليها لا تتسع لها كلها، وسأكتفي بجعلك محامياً يعزف على (القانون)!
وقد يدخل في ظنك أن كل ما مارسه كان من باب الهواية الخفيفة العابرة، إلى جانب المحاماة التي هي مهنته، ولكن حين تمعن النظر في ما يكتب أو يرسم أو يعزف أو يحاضر تجدك أمام واحد من الأفذاذ في كل ميدان من تلك الميادين، فمثلاً زاويته (بالعربي الفصيح) التي كان يكتبها في خمسينات القرن العشرين بأسلوبه الساخر في جريدة (الرأي العام) كانت أول ما يحرض الناس على قراءتها لأنهم كانوا يجدون أنفسهم فيها فهي تعبّر بكلمات بليغة قليلة منتقاة عن كل ما يجيش في صدورهم وما يريدون هم أن يقولوه تعليقاً على أي حدث يومي يشغلهم، فكأنه كان (الشفاه للذين ليس لهم شفاه) كما يقول صديقه الراحل نزار.
وأما زاويته الإذاعية الشهيرة: (المواطن والقانون) فقد استقطبت على مدى سنوات آلاف المستمعين الذين كان يردُّ على استفساراتهم ويزودهم بالحلول والنصائح اللازمة لتسوية مشكلاتهم القانونية.
وأذكر يوم أصيبت ساقه بكسر بالغ ووضعت في الجبس وأصبح حبيس الفراش في غرفة نومه ولا مجال لأن يغادرها إلى الإذاعة لتقديم زاويته في موعدها، فكان أن اقتحمت عليه باب غرفته، وكنت وقتها مديراً لبرامج الإذاعة السورية، وجئته مصطحباً معي آلة التسجيل ومهندس الصوت، فبوغت نجاة بدخولنا ومعنا الأجهزة والأشرطة والأسلاك وقال وهو يضحك:
(ظننتك أتيت تحمل إليّ باقة ورد لا هذه (الكراكيب) الكهربائية) فقلت له (جئتك بما هو أهم، فمستمعوك ينتظرونك على نار). ودفعت إليه رزمة رسائل وردت إلى زاويته ليرد عليها، وأشرت للمهندس أن يستعد لتشغيل الآلة، وسرعان ما نسي نجاة آلام ساقه وراح وهو مستلقٍ على ظهره يقرأ الرسائل واحدة واحدة ويرد عليها بصوت طبيعي وبأسلوبه الساحر الجذاب وكأنه لا يشكو من شيء، وأذكر أن زاويته في ذلك اليوم كانت واحدة من أجمل الزوايا التي قدمها.
وبعد انتهاء التسجيل توجهت إلى غرفة الاستقبال حيث أودعت فيها لدى زوجته السيدة أم سلمى عند دخولي إلى البيت باقة ورد جميلة، فحملتها وعدت إلى غرفته ودفعت الباقة إليه وقلت: (تفضل. إنك الآن تستحقها!).
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved