الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«8»
نايف فلاح
ولو أننا تابعنا ذلك (السؤال الخطأ) وجرينا نحو التماس الأجوبة عليه، وأنشأنا القول حول ما إذا كان شحاتة (قصد أم لم يقصد).. فهذا سوف يوقعنا على أدوات القانونيين لنقفو طريقتهم في التقسيم الذي يخل بالوحدة، فنحدد نسبة البراءة بقدر ما نحدد نسبة الإدانة... ولنشرع من افتراض أن في الرسائل معاهدة متوارية، أي أنها نشأت عن قصد فني، ونبحث عن إياد لهذا الافتراض، فلن يعوزنا البرهان في إثبات ذلك.. ومن ثم نقف على الضد من ذلك البرهان سابرين مدى قدرته على الصمود أمام المضادات من ذات الرسائل أو من خارجها، فلن تعوزنا كذلك القدرة على زحزحته وربما على نسفه بالكلية.. باعتبار أن هنالك طرفاً غائباً في هذه القضية، وهو رسائل البنت إلى أبيها.. هذا إلى جانب اعتبار التحذيرات المتكررة من قبل شحاتة لابنته شيرين، حول نشر الرسائل، حتى أنه بالغ في تقريعه مظللاً ومطامناً من أهميتها..
فالمسألة، إذن، محفوفة بالشروط.. والرسائل حتماً لا تستوفي كامل الشروط، لأنها تقفنا على شرط واحد في قضية تتوقف على أكثر من شرطين تقريباً، وكل ما يتوقف على الشرطين فصاعداً لا يحصل إلا بحصول الشروط ... وإذا ما كان هناك تضمن ما.. أهذا يغض من قيمة الرسائل؟!.. أوليس شحاتة من الثقافة والفن بمكان من بلغت منه المعرفة مبلغاً يكاد لا يتميز فيه المعقول عن العاقل ولا المعلوم عن العالم، أو كما يقول أهل التصوف في امتزاج الظرف بالمظروف، بل إن العرب قد نبهوا في متونهم إلى إمكان صيرورة ما كان عرضياً ثانوياً إلى كيان جبلي أولي كالجبلة... ولعل من يطالع (رفات عقل) لشحاتة فلن يحار في وجدان ما يفت من رأي من يقول إن الرسائل قد صدرت عن تواطؤ بالقصد الفني، ويدعم الرأي القائل؛ بأنها مقصودة من غير قصد أو عفوية مقصودة... وهذا الرأي الأخير متأت عن إيجاب الخلقة التي أخضعت شحاتة على أن يكون أديبا بالقوة وأديبا بالفعل، أو قل إن القوة فيه صارت فعلا.. ثم إن من أحب أن يستقصي هذا الرأي فليعد إلى الرسائل التي هذه إحداهن:
ابنتي شيرين؛
إن الأخبار السيئة تسير أحيانا بسرعة الصوت..
ويحدث أحيانا أن تنتقل ببطء.. ولكن الأخبار الطيبة تضيع في الطريق..
إنها العوامل الخفية القاهرة التي تتصرف في كل شيء..
عندما يخيب ظنك في أحد.. لا تيأسي إذا يئست لا ترفعي صوتك في وجهه..
دعي له الفرصة لكي يأسف على أنه أساء إليك..
اعرفي جيداً أن التعاسة هي محصول سعادة لم تدم..
أنا ايضاً في حالة من الخوف تتطلب الشعور بالأمن..
إننا نخاف باستمرار أكثر مما نفعل أي شيء..
نخاف مما نحب ومما نكره..
إن الذي لا يخاف من السقوط هو من يسقط فعلاً..
تسألين عن (الجراك) وإن كان قد وصل؟..
نعم وصل وفرحت به جداً..
ولا بد أني أصبحت تافهاً إلى أقصى حدود التفاهة..
وذهلت كأنما كانت المفاجأه أكثر مما تتحمل أعصابي..
إنه شيء بعيد تخيلت خطأ أني نسيته وعندما فرغت من أول تجربة رحت غارقاً في سبات عميق طويل كنت أفيق أثناءه على شخير إنسان مجاور..
شخير لا يطاق.. وتكررت اليقظة.. حتى اكتشفت أخيراً أني هذا الإنسان الذي كان يزعجني شخيره..
مساكين المدمون حتى على الشاي.. ومساكين مثلهم تماماً الذين يدمنون التدخين مثلي.. مساكين ومسلوبو الإرادة.. أمام سلطان العادة. هذا تأثير عادة التدخين.. فماذا عن المخدرات والمسكرات؟ ماذا تفعل بإرادة الإنسان وهي أغلى ما فيه؟
إني بهذا الاعتراف والاستسلام أشعر بأني أهدر جزءا من كرامتي وحياتي؟! أي شيء إذن لا يضحيه المدمن؟ وأي شيء يمكن أن يستطيع صيانته؟
إنها عادة بسيطة.. مباحة.. التدخين ولا شيء غيره..ومع هذا فقد نجحت في قتل إرادتي وشعوري بسلطانها.. ما أخطر كل عمل بسيط يتحول إلى عادة..
إنني أذوب خجلاً من نفسي لأني لم أجد القدرة على كتمان شعوري.. لقد انقلبت طفلاً أمام هذه المفاجأة التي وقفت أمامها على غير انتظار.. وها أنا أهرب من كلمة الشكر. لأني أراها بلا معنى أمام هذا الصنيع الكبير... إن في نفسي.. في أعماقي شيئاً يغمغم؛ إذن مازال هناك من يذكرني على هذا البعد!!
نحن في ثاني أيام العيد.. العيد الذي كان خالياً من أي شيء تختلج له النفس.. حتى وصلت رسالتك الحبيبة تحمل إلي معناه الضائع.. معنى العيد.. أو شيئاً من معناه..
هل أقول لك شكراً؟ يا ابنتي يا أملي الكبير..لا.. إنها كلمة لا يتحقق بها جزاء.. ولا تقدير..
قبلاتي لك أيتها الحبيبة يا أغلى شيء عندي.. والدك.


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved