الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

الأبيض
قاسم حول

عند انعقاد الأسبوع الثقافي العراقي في عمان بالأردن وتحت شعار (عراقيون أولا) كان ثمة محور في اللقاء عن الثقافة والإعلام بعد سقوط نظام الدكتاتور العراقي. وبسبب ما حل بالعراق من فوضى على شتى الصعد فلقد واصل العراقيون الهجرة من بلادهم وهو أمر مؤسف ومحزن للغاية، وحصل ما يشبه الاختناق في عمان الصغيرة التي قد لا تقوى على استيعاب كل هذا العدد من المهاجرين خوفا من الموت والخطف والوهن وانقطاع الكهرباء والماء. ويحتل المثقفون مساحة واسعة بين المهاجرين والمهجرين إذ تشكل الثقافة في بعدها المتحرر والمتحضر حالة غير مرغوب بها ليس على المستوى الرسمي، وربما على المستوى الرسمي، ولكن بشكل أكيد على المستوى الذي تتحكم فيه ميليشيات لا تعترف بالمسرح ولا بالسينما ولا بالموسيقى ولا بأي شكل من أشكال الثقافة والفنون، سوى بثقافة ضيقة الأفق.
شيء يشبه الخوف..
شيء يشبه اللامعقول..شيء يشبه الخرافة..
شيء يشبه منفى مبني خارج الدنيا..
بل هو الخوف واللامعقول والخرافة وخارج كيان الحياة.
وسط هذه الفوضى يجري الحديث عن حرية التعبير عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وبفخر يعبر المسئولون عن أن النظام السابق كان يصدر ثلاث صحف والآن لدينا مائة وستين صحيفة، وكان النظام السابقة لديه محطتين للتلفزة ونحن لدينا الآن أكثر من عشرين فضائية. ويسري الاعتقاد إن هذا الكم من وسائل الاتصال الإعلامي والمعلوماتي لا يشكل بالضرورة دليل عافية في حرية التعبير حيث ينبغي النظر إليه وفق أي منهج ووفق أي قانون تتأسس أدوات التعبير إذ قد يشكل هذا الكم وهو ما يشكله فعلا من وسائل تخريب المجتمع العراقي وإعاقة العملية السياسية وإرباك أداء الحكومة، لأن الإعلام الذي فتح المجال أمامه وبدعم مالي غير معلن المصدر لكي يغزو الساحة العراقية لم يكن سوى شكل من أشكال الفوضى التي لعبت دورا خطيرا في الانقسام الاجتماعي والاحتراب. وأسهمت هذه العملية الإعلامية في تجسيد العمليات الانتحارية والإرهابية ضد المواطنين.
ويتزامن مع فوضى الإعلام إلغاء دور الثقافة في المجتمع وتهديد المثقفين بل والقيام بعمليات اغتيال منظمة للكتاب والصحفيين والفنانين، ما حدا بالمئات من المثقفين للهجرة باتجاه الأردن علما بأن المثقفين الذين هجروا العراق أبان النظام الشمولي الدكتاتوري وخلال ثلاثين عاما قد تجاوز عددهم الثلاثة آلاف مثقف بين كاتب وصحفي وفنان وهم لا يزالون في الغربة.
تكاد الساحة العراقية تخلو من مثقفيها والذين لا قدرة لهم على الهجرة لأسباب تتعلق بالعمر أو العوز أو التعب اختفوا في بيوتهم وانطفأ وهج العطاء، ويظهر ذلك جليا من بعض اللقاءات الصحفية التي نصطادها بين الحين والآخر في صحيفة أو في موقع على الإنترنت.
ما هو الهدف المرسوم لكل ما يجري للثقافة في العراق؟
ومن يقف وراء ما يجري؟
وهل حقا إن ما يجري غير قابل للحل وللتجاوز؟
ماذا قال المثقفون العراقيون والساسة الذين سيحضرون هذا الملتقى في عمان؟
البيان الصادر من لجنة الملتقى يقول أن سبعة محاور تمت مناقشتها في هذا اللقاء بعد أن توضح المقدمة أن الدافع من هذا اللقاء هو وجود جاليات عراقية كبيرة مغتربة في المملكة الأردنية الهاشمية. ولهذه الجالية أثر بالغ في تشكيل الرأي العام العراقية ودور هام في صياغة العراق الجديد خصوصا وأن أهم وأشهر الكتاب والصحفيين والمثقفين العراقيين متواجدون في الخارج.
البيان لم يشر إلى أسباب تواجد أهم وأشهر الكتاب والصحفيين والمثقفين في خارج العراق ويسميهم المغتربين فيما هم مهجرون بسبب تيار الدم الذي يسري في جسد الوطن المنهوب. ومن بين المحاور السبعة للنقاش محوران هما (الإعلام في العراق الجديد، ما له وما عليه) و(الثقافة ومستقبلها في العراق).
أمامي الآن (الأبيض) أربع صفحات ملونة من القطع الصغير. صحيفة يصدرها ثلاثة من كتاب العراق الذين يشكلون سمة نقية ومتوهجة في نقائها وإبداعها في الطيف الثقافي العراقي، يعملون بإصرار وسط ما يعلن عن مليارات الدولارات التي يتم الحديث عنها وهي تهرب أو تحترق في العراق، فيما الكتاب الثلاثة يدفعون من مخصصات الغربة الشحيحة ثمن الصحيفة التي يصدرونها مرتين شهريا ويأخذون المترو بدل التاكسي للذهاب إلى المطبعة ويجتمعون ليضعوا صحيفتهم في مظروف البريد ويلصقون عليها طابع ملكة بريطانيا لكي يوصوا صوتهم لأهلهم ويشكرون عالم الإنترنت أن تظهر صحيفتهم فيه.
صحيفة الأبيض كان ينبغي أن تكون مادة لمحور الثقافة والإعلام في ملتقى العراقيين في عمان لأن في إصدارها دلالة الوطن. قرأت أعدادها التسعة التي جعلتني أشعر أن وسط عتمة ما يجري في العراق ثمة قلوب تنبض بالأمل وبالمحبة، شعرتهم يحفرون نفقا لكي يدخلوا النور في جبل العتمة..يحفرون هذا النفق بالأبرة في كل كلمة يكتبونها بروح عراقية صبورة.
سلام خياط، ليلى البياتي، وسعود الناصري، هيئة تحرير صحيفة الأبيض وكل الذين تبرعوا للكتابة معهم..الله ما أروع صبرهم..الله ما أجمل ما يكتبون.


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved