الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

قصة قصيرة للأطفال ..إبراهيم محمد شيخ
هيثم والضبعة
هيثم طفل صغير يبلغ من العمر سنتين مصاب بالمشي أثناء النوم، نام والده وهو معهما، وكعادته خرج يمشي ولم يحس به أحد هذه المرة، وأخذ يبتعد عن البيت بل وعن البيوت المكونة لقرية صغيرة متناثرة بين رمال الصحراء، وأخذ يبتعد دون أن يحس، وفجأة لحق به رجل ذاهب إلى المدينة ولا يعرفه!!
خاف منه في بداية الأمر وظنه ليس بشرا، ولما اقترب منه وعرف أنه طفل صغير، ولكنه لا يبكي!! فما المشكلة؟
اقترب منه أكثر فإذا هو نائم، عرف السر وقرر حمله معه ومن ثم بيعه في المدينة لمن يحتاج طفلا يربيه.
حمله معه وما زال نائما ثم آوى الرجل المبيت في الصحراء فوضع هيثم بجانبه ونام، وبعد قليل قام هيثم وأخذ يمارس عادته في المشي وهو نائم ومشى مشى حتى اصطدم بضبعة نائمة في الطريق فوقع في حجرها، وظنها أمه فتلمس ثديها حتى وجده فالتقمه وأخذ يرضع منه حتى نام، وفي الصباح صحت الضبعة فإذا هيثم نائم في حجرها ويرضع من ثديها بينما جروها الصغير نائم بجوارها، جفلت الضبعة من هيثم وكشرت عن أنيابها فبكى وجرى نحوها يريد ثديها، فرق له قلبها فاقتربت منه ثم استلقت على الأرض وتركته يرضع منها.
رأى قطيع الضباع هيثم وهو مع الضبعة ويرضع منها فهمت بافتراسه فمنعتهم الضبعة التي أرضعته ووقفت أمامهم وهو يرضع منها إعلانا منها بأنه ابنها.
أما الرجل الذي أخذه فعندما صحا من النوم ولم يجد هيثم بحث عنه ولما لم يجده تابع سيره ونسيه.
وأما والداه فقد صحيا من النوم ولما لم يجداه وهما يعرفان حكايته مع المشي وهو نائم أخذا يبحثان عنه بهدوء وكلاهما أمل في وجوده كعادته، إما تحت أحد الأسرة نائما أو مغطى في زاوية من زوايا المنزل المتواضع، وبعد بحث شبه شامل للبيت ومحتوياته صاحت الأم قائلة:
- إن ابني ليس في المنزل.
أحس الأب بخطر الموقف وخرج يبحث خارج المنزل وتجمع الجيران على صوت أم هيثم وشاركوا الأب البحث عن الطفل، وبعد لحظات قال أحدهم:
- هذه آثار أقدام هيثم وهو يمشي خارج من البيوت.
تبع الجميع الآثار وبعد قليل ضاعت الآثار بعدما خالطتها آثار أقدام كبيرة فقال أحدهم:
- صاحب هذه الآثار هو الذي أخذ هيثم.
بكى الأب وأحزن بكاؤه الجميع، وقرر الوالد مواصلة المشي مع الآثار وتبرع بعض الحاضرين بالبحث معه، وبعد مسافة بعيدة عن البيوت اختفت آثار الرجل في الصحراء ولم يعرف إلى أين اتجه فدب اليأس في قلوب الرجال، وأراد الوالد أن يذهب للبحث عن ابنه فأعاده أصحابه خوفا عليه من الهلاك في الصحراء.
عاد الرجال إلى البيوت بدون هيثم فاشتد الأمر على الأم ومرضت حتى خيف عليها من الهلاك، ومع مرور الأيام اختفى ذكر هيثم ورزق والداه ببنين وبنات ولكنهما لم ينسياه أبدا.
أما هيثم فقد أصبحت الضبعة أمه بشكل رسمي في جماعة الضباع، ومع مرور الأيام اكتسب عادات كثيرة من عادات الضباع، وكان يمشي كما تمشي الضباع على أربع.
بلغ هيثم سن العاشرة وكان كثيف الشعر عاري الجسم، وكان كلما كبر أخذت الضباع تشبهه بمخلوق ولم يستطيعوا معرفة فصيلته الحقيقية ولذا فلم يخبره أحد منهم بما هو ومن أين هو؟ رغم معرفته للغتهم التي يتخاطبون بها فيما بينهم.
خرج أحد جيران والد هيثم للصيد ذات مرة ومعه شراك الصيد للأرانب والغزلان وعندما كمن في موضع قريب من المكان الذي وضع فيه شراكه اقتربت منه جماعة من الضباع فرأى الرجل شيئا لم يصدقه في بداية الأمر وظن نفسه مخطئا وأن نظره يخدعه ثم ظن أنه رأى مخلوقا غريبا ربما يكون قردا وربما يكون غير ذلك، ولكنه أعاد النظر حتى تأكد منه عندما اقترب منه وهو مار مع القطيع، وعندها صاح قائلا:
- ماذا أرى إنسان بين الضباع؟ ما الذي جاء به؟ وكيف وصل إليها؟ ولماذا لم تفترسه؟
ظلت الأسئلة تدور في ذهنه ولا يجد لها جوابا، مكث حتى اقتربت الشمس من المغيب فحمل نفسه وعاد إلى بيته تاركا شراكه بعدما تفقدها ولم يجد بها صيد وفي البيت قال لجلسائه:
- رأيت اليوم إنسانا مع قطيع الضباع وكأنه واحد منها!!
أعاد الجلساء نفس الأسئلة التي دارت في مخيلته من قبل وهي:
- كيف وصل إلى هناك؟ وكيف لم تفترسه؟ وغيرها من الأسئلة وظلوا هكذا حتى انفض المجلس ولم يستطيعوا معرفة أو تحليل تلك الظاهرة.
وقبل التفرق قال أحدهم:
- ربما يكون ذلك الطفل الذي ضاع من والديه قبل عشر سنوات تقريبا.
استبعد الجميع أن يكون هو وأظهروا موافقتهم لقول أحدهم:
- لو كان حيا لوجده الناس منذ زمن.
تناقل الناس في البيوت خبر الإنسان الموجود بين الضباع فتجدد الأمل لدى أم هيثم بوجوده حيا وأن يكون هو ذلك الإنسان قائلة:
- إن قلبي يقول إنه هيثم وقلبي لا يكذب.
لم يعلق أحد من الناس على كلامها رأفة بحالها واكتفوا بالتعليق في غيابها خصوصا وقد تجددت أحزانها وتذكرت ابنها وكأنه في التو فارقها وكانت قد تناست بعض الشيء خصوصا بعدما رزقت بأولاد وبنات. أما والد هيثم فقال:
- ذاك طفل راح من سنين ولو كان في الصحراء فلن يكون حيا ون كان أخذه إنسان آخر فالله أعلم أين هو؟ ولا كيف هو؟
تفرق الناس إلى بيوتهم، وهجر النوم عيني أم هيثم، ورق قلب والد هيثم لها وحاول التخفيف عنها بعدما عقد العزم فقال:
- أنا سوف أذهب للصحراء بنفسي وأنظر في الأمر إن كان حقا أم لا.
هدأت قليلا وفي الصباح جهزت لزوجها الطعام والماء وانطلق على بركة الله بصبحة الرجل الذي رأى قطيع الضباع، وهناك كمن أبو هيثم وصاحبه، ومر أول النهار، ومر نصفه ولما يأت شيء وقال أبو هيثم في نفسه:
- ما أظن صاحبي إلا واهما ولم ير شيئا.
وقال صاحبه في نفسه وهو يسترق النظر إليه؟
- الآن يظن أبو هيثم أنني كذبت عليه ثم رفع رأسه من اللاشعور قائلا:
- والله ما كذبت يا أبا هيثم ولم أتعمد ذلك من أجل أن أتعبك، ولكني والله رأيت بأم عيني إنسانا مع الضباع عاري الجسد كثيف الشعر يمشي على أربع كالضباع، ولن يخيب الله رجائي، وقبل أن يسكت الرجل صاح: انظر يا أبا هيثم، انظر هناك!!
نظر أبو هيثم فإذا قطيع الضباع يمر ولما اقترب القطيع رأى بأم عينه الإنسان وهو يمشي مع القطيع وكأنه واحد منها لولا شكله المختلف، وكان كما وصفه الرجل تماما، قام أبو هيثم يريد أن يمسك بالولد ويعرف هل هو ابنه هيثم أم لا؟ ولكن الرجل أمسك بأبي هيثم وقال:
- لو ذهبت هكذا فرت منك الضباع وفر معها الولد ولن تعود لهذه الطريق مرة أخرى، وسوف تضيع على نفسك معرفة ما إذا كان الولد ابنك أم لا؟
توقف أبو هيثم وقال بلهفة:
- وماذا نفعل يا أخي؟
- الحمد لله عرفنا طريق الضباع المعتاد وسوف نفكر في طريقة نمسك بها الولد ونتأكد منه.
اقتنع أبو هيثم بقول صاحبه وصبر نفسه على مضض، وفجأة صاح صاحبه قائلا:
- وجدتها.
- وما التي وجدتها؟
- الطريقة التي نمسك بها الولد.
- وما هي؟
- الضباع لا تأكل الحلوى والإنسان هو الذي يأكلها، وسوف نضع في طريق الضباع الحلوى، وعندما يتأخر الولد كي يأكلها نراه عن قرب ونقرر ماذا نفعل.
وفي اليوم التالي كان هناك قطعة قماش عليها حلوى لذيذة جدا في طريق الضباع وبالفعل مرت ولفت نظر الولد الحلوى فالتقطها وأكل منها فأعجبته فأخذ منها قطعة ثانية وجرى خلف الضباع، ولم يستطيعا معرفته بسبب كثافة شعره، وأراد أبو الهيثم الخروج إليه فمنعه صاحبه وقال له:
- لديا فكرة أظنها مجدية أحسن مما تفكر فيه الآن.
- وما هي؟
- بتكرار وضع الحلوى سوف يألفنا الولد وسوف يتبعنا فيما بعد بدون تعب المهم الصبر.
وبعد تكرار وضع الحلوى أصبع الولد لا يستطيع تركها بل ويبحث عنها في الجوار وفي مرة لم يجد الحلوى على الأرض كالعادة وبحث عنها فرآها في يد أبي هيثم يلوح بها له في البداية نفر منه ثم تذكر الحلوى فاقترب منه قليل فناوله أبو هيثم الحلوى من بعيد وفي اليوم التالي أمسك أبو هيثم الحلوى ولم يعطه منها شيئا حتى اقترب منه أكثر مما سبق، ولما مد يده يتناول الحلوى أعطاه وخفق قلب أبو هيثم لقرب الولد منه وأصبحت الحلوى فيما بعد في يد أبو هيثم والولد يأخذها منه ثم كان يجلس بجانبه ويأكل، وأصبح يحضر له بعض الأطعمة الطيبة التي تطبخها زوجته وإذا جلس عنده يردد عليه قول: بسم الله - الحمد لله - الله ربي - محمد رسول الله وفي يوم نطق الولد بعض الكلمات وتعثر في بعضها ثم تعود عليها فنطقها وزاد الود فيما بينهما حتى كان يمرر أبو هيثم يده على رأس الولد ثم ربط شعره للخلف فظهر وجهه وكان صاحبه بجانبه فقال:
- هو ابنك يا أبا هيثم ورب الكعبة.
احتضنه أبو هيثم وطلب منه أن يذهب معه للبيت فتردد ولكنه وافق نظرا لتعلقه الشديد بأبي هيثم لما رأى منه من طيب معاملة، أما الضباع فلم تعد تبحث عنه ولا يبحث هو عنها بعدما وجد من يغنيه عن صحبتها.
كان عدم معرفته لكثير من الكلام عائقا ولكن أمه أنسته ذلك العائق بعدما جاءها وأقام أبوه الولائم فرحة بعودته وصام مع أمه شهرا شكرا لله على سلامة هيثم.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved