الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 14th August,2006 العدد : 166

الأثنين 20 ,رجب 1427

الموروث البصري في حضارتنا مصدرٌ للإلهام ومنطلقٌ للتميُّز

إعداد: محمد المنيف
اليوم ونحن نضع أقدامنا بشكل واثق على طريق تحقيق المكانة والمكان في خريطة الفن الخليجي والعربي والعالمي، نتيجة لما تحظى به ساحتنا بالكم الكبير من الفنانين أصحاب التجارب والخبرات المهمة في مسيرة هذا الفن الذي أصبح محط أنظار النقاد والمتابعين والمهتمين بتاريخ الفنون التشكيلية وتطورها، إضافة إلى ما تحقق لهذا الفن مؤخراً من الإعلان عن تأسيس جمعية رسمية لهذا الفن تحت إشراف وزارة لها قيمتها وأهميتها ودورها الكبير في مجال الثقافة والإعلام، وهذا بحد ذاته مصدر فخر للتشكيليين السعوديين بعد مرحلة طويلة من الوجود والمنافسة بشكل غير مقيد بنظام أو مرجعية أو منهجية إدارية تعنى بكل التفاصيل لرعاية الفن والفنانين وبقاء ذلك الاهتمام في حدود إقامة المعارض أو المناسبات الفنية دون الأخذ في الاعتبار الجوانب الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقاتها بقدر ما يجب أن تأخذ حقها ومنها التوثيق والرصد ودراسة ما يؤمل أن يكون عليه الإبداع وعن هويته وكيفية بناء شخصية وصفة هذا الفن عوداً لإيجاد سبل المعرفة لمصادر الإلهام إضافة إلى الحفاظ على واقع الفن التشكيلي المحلي وحمايته من التأثر أو الاندفاع تجاه التغريب والعولمة وتجاهل الثقافة والموروث.
إشارة عابرة
قبل الحديث أو استعراض ما نحن بصدده اليوم حول ما يجب أن يكون عليه الفن المحلي من تميز في خصوصية ركائز أو منطلقات، علينا العودة قليلاً إلى رحلة هذا الفن في السنوات الماضية، يدفعنا لهذه المراجعة لما يتم حالياً من الإعداد للجمعية العمومية لتأسيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، ومحاولة تلمُّس ما كان عليه هذا الفن في فتراته السابقة التي عاش خلالها في أحضان كثيرة متعددة الفهم والمعرفة لمتطلبات هذا الفن وفنانيه فكان بمثابة الطفل اليتيم الذي تتلقفه المرضعات فلم يعد يعرف من أي جهة يتلقى التوجيه والتربية الصالحة، ومع أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب قد أعطت وأغدقت العطاء في مجال إقامة المعارض والمسابقات وإيصال الفن التشكيلي بكل فروعه وسبل التعبير فيه إلى أعين العالم من خلال المعارض والمهرجانات والأسابيع الثقافية السعودية في العديد من مدن العالم وعلى أعلى مستوى، إلا أن ما يتعلق بالتوثيق والرصد والتصنيف والتحليل التي من خلالها يتم وضع الفن على قضبانه المستقيمة والقدرة على التحكم في قيادته لم تكن في حسابات المعنيين به وتوقف الدعم كما قلنا في حدود دعوة الفنانين للمعارض واقتناء أعمالهم، ومن ثم عرضها في المعارض التي تأتي غالبيتها مفاجئة، هذا الأسلوب في إدارة الفن التشكيلي أوجد خللاً في بناء جسد الفن التشكيلي وأظهر نقاط ضعف في أجزاء منه، خصوصاً المستويات الفنية التي تمثِّل المملكة وتعرض خارج الوطن نتيجة ارتجالية التنظيم وسرعة التنفيذ والاعتماد على مبدأ تحصيل الحاصل واختتامها بتقرير مقروء أكثر منه مشاهداً لواقع تلك المعارض.. إضافة إلى عدم اتخاذ القرار الصائب تجاه الأعمال ضعيفة المستوى في المعارض الداخلية، حيث يرى البعض من المسؤولين عن المعارض أن قبول تلك الأعمال ينطلق من مبدأ التشجيع ولهذا يغض الطرف عن مستواها الضعيف وقبولها في المشاركة، هذا التوجه أحدث انشقاقا كبيرا في نظرة الفنانين الكبار إبداعا وفهما لعطائهم عن تلك المعارض فآثروا الابتعاد عنها؛ حفظا لماء الوجه واحتراما لإبداعهم فتحولت تلك المعارض إلى ساحة للمبتدئين وطلبة أقسام التربية الفنية وطالباتها مع إمكانية إقامة معارض خصوصاً للشباب يتم دعمها بحجم أكبر عبر خطط مدروسة تجعل منها مرحلة مهمة لتغذية الساحة بالمتميزين منهم.
وإذا كنا قد أشرنا إلى دور الإدارة الخاصة بهذا الفن في الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي أسهمت سابقاً بالأخذ بهذا الفن مع ما نحتفظ به لها من تقدير وكنا نختلف معهم على كيفية إدارته فإن هناك أيضاً دوراً لجمعية الثقافة والفنون الذي لا يختلف في كيفية الإدارة مع ما كان يتم في إدارته في الرئاسة مع تميز الرئاسة في كثافة الأنشطة محلياً ودولياً وبقاء الفن التشكيلي في حال يُرثى لها في الجمعية، خسرت فيها لجان الجمعية للفنون التشكيلية الكثير من التجاوب والتفاعل من قبل الفنانين فأصبحت في طي النسيان إلا من بعض المحاولات اليائسة.
لنعود للجانب الأهم والمهمش وهو جانب الدراسات والبحوث ومتابعة نتائج الخطوات التي تتم في تلك المرحلة نتيجة تجاهل المسؤولين عن المعارض بهذا الجانب ومدى ما يعود به من نتائج إيجابية لتقويم وإصلاح الخطوات الجديدة ونعني بالدراسات والبحوث التشكيلية المرتبطة بواقع الفن التشكيلي المتعلقة بهوية وشخصية وخصوصية العمل الفني المحلي واستكشاف مصادر الإلهام فيها، فقد ظهرت لنا في مختلف المعارض السابقة تجارب وملامح لا يمكن أن يخرج منها الباحث بمعرفة لكيفية التعامل مع ما قدم من خلال تلك الأعمال، فالبعض منها نقل نقلاً ساذجاً والآخر تجارب وتقليد لخبرات غير ناضجة، أما الغالبية فهي بالفعل تبعية عمياء لإفرازات المعارض العالمية يتم التعامل معها من بعض المتأثرين بهذا التوجه بغباء كبير نتيجة افتقادهم الثقافة البصرية ذات المرجعية الخاصة التي ما زالت مغيّبة عن الساحة.
شواهد الخصوصية التشكيلية
ويمكن للفنان المثقف المتابع والباحث في تجارب الأعمال الفنية الأقرب لمحيطنا والمتمثلة في ما نتج من ملامح خاصة لأعمال الفنانين في مصر والعراق الأكثر بروزاً واستخلاصاً لموروثهم يستطيع من خلالها تمييز مواقع إبداعها ومصادر استلهامها من خلال ما تمَّ توظيفه من خلاصة تراثهم البصري والفكري أيضاً، وهذا أهم ما يمكن أن يسعى له المعنيون بالفنون التشكيلية السعودية ويُنتظر من الجمعية التشكيلية في قادم أيامها تعويض للتجاهل السابق، ففي حال وجود هذا التوجه من خلال استكتاب أصحاب الشأن في النقد والبحث ليقدموا دراسات متعمقة للتعريف بالمخزون الإبداعي في تراثنا الموجود في المتاحف وفي مقدمتها المتحف الوطني بالرياض.
العودة لأصل الحضارة
ومن المؤسف أن يمر بنا هذا الوقت وتلك الفترة دون أن نعي ما يجب أن يكون عليه منتجنا التشكيلي الذي يُعتبر امتداداً لحضارتنا المرئية والمقروءة والمحسوسة التي مرَّت بها (الجزيرة) العربية خلال حقبها التاريخية، وكيف لنا أن نندفع نحو ما علق بالذاكرة من مشاهد حديثة لا أصل لها ونغض الطرف عن المخزون الحضاري والتاريخي في موروث عظيم لا تحده حدود بقدر ما يشمل العالم الإسلامي بأكمله، لنساير وننافس به الجديد في عالم الإبداع التشكيلي، فالفنان التشكيلي العربي عامة والسعودي بشكل خاص لا يختلف أو يخالف الرأي في أهمية ما مرّ على الفن العالمي من مراحل وصولاً إلى الحداثة وما بعدها لكن عليه أن يتعلم كيف يوجد لإبداعه ما يوازي ما تحقق لتلك الفنون من نقلة نحو الأساليب والرؤى وما قدم من منجز لا يمكن أن يتجاهله، مع ما يمكن التذكير به أن هناك الكثير من المحاولات والتجارب التي لامس فيها البعض جوانب الفنون الإسلامية منها استلهام المعلقات وتحويلها إلى عمل بصري تشكيلي والرسم بأسلوب البعد الواحد، والرقش.
أما الأكثر تعاملاً وتأثيراً على المنجز العربي فهو في التعامل مع الواقع ورموزه واستلهام البيئة ودلالاتها، والعودة إلى المختزل الماضي وإحياء إشاراته وملامحه.. كما كان هناك محاولات في توظيف الحرف العربي واعتباره سمة أو رمزاً يشكل خصوصية مع ما تبع ذلك من تراجع واختلاف في الرأي حول الهدف وحول قدرة العمل الحروفي على المساهمة في هذا الجانب؛ مما دفع الكثير من أصحاب التجارب الحروفية إلى التراجع والبحث عن مصادر أخرى.
الوقوع في المصيدة
ومن المؤسف أن يقع الفنان العربي والمحلي في مصيدة التأثر والانخداع بما يُقال عن تلك الفنون من تبجيل وإشادة وتفضيل غير متكافئ بين ما أصبحت عليه تلك الفنون العالمية من ضحالة في الفكرة وتدنٍ في مستوى التنفيذ، وبين ما ننتجه في عالمنا العربي والإسلامي والنظر إلى منتجنا بنظرة متواضعة مع أن لدينا من القدرات والمرجعية البصرية والتراثية ما يجعلنا مثار إعجاب ومبعث تأثر كما كان الشرق وثقافته الإسلامية مصدر إلهام للكثير من الفنانين المعاصرين ومبتدعي الفنون الحديثة، إضافة إلى أننا ومن خلال ما نشاهده من أعمال خلّدتها الآثار ورصدها التاريخ ما يدل على أنها الباعث الحقيقي للابتكار والتجديد في الفنون الحديثة.
نعود للقول إننا في أمسّ الحاجة لرصد تراثنا الإبداعي والبحث فيه عن مصادر الإلهام وإثراء المكتبة التشكيلية بكل ما يتعلق بثقافة التراث وتقريب المسافة بين المبدعين وبين إرثهم وحضارتهم قبل أن تطمس هويتهم ويموتوا عطشاً وهم على ضفة نهر حضارتهم العظيمة.
مظاهر الخصوصية المحلية
قبل الختام علينا أن نعرج الى ما يمكن الإشارة إليه في أن هناك أعمالاً لبعض الفنانين مثَّلوا بها الفئة التي وعت وحرصت على أن لا تلبس غير عباءتها ولا تتحدث بغير لغتها ووجدت في واقعنا الكثير من مصادر الإلهام فجعلوا منها منطلقات للإبداع، محاولين بجدارة أن يتلمسوا سبل الحصول على تحقيق الهوية المحلية، عربياً وإسلامياً بتعاملهم مع منجزهم بأساليب جديدة دون التخلي عن منطلقاتهم ومرجعيتهم وجدت الاحترام والتقدير من قِبل النقاد العالميين وأسهمت في إيجاد ثقافة بصرية محلية تستحق أن تتبع وأن تكون رائدة.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved