الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 14th November,2005 العدد : 129

الأثنين 12 ,شوال 1426

الحركة الإسلامية (2-2)
نايف فلاح
(حاجتنا إلى فقه جديد).. هو عنوان الفقرة الأولى من هذا الفصل.. وكونه صدر العناوين أتى من أحروية موقفه من اللواحق، ما حتم الابتداء به، لأن موقفه إزاء تلك العناوين كموقف العنكبوت من خيوطه.
دكتورنا القرضاوي، سارع من فوره إلى تمشيط الأرض.. نابشاً (الفقه).. ومحاولاً تحرير المفردة من متعلقاتها، فنجح بمرونة في إخلائها من محمولها العتيق.. إذ ( الفقه) من الألفاظ التي تجاوز معناها الاصطلاحي تجاوزاً كبيراً معناها الأصلي المتصل باشتقاقها، حتى أوشك المعنيان أن ينفصما عن معناهما تمام الانفصام..
ولعل أي صبغة اصطلاح على أي لفظة مجردة قد يمنحها أفقاً أو إمكانيات جديدة، ما كان للمعنى الأصلي أن يحتملها لولا لوازم المصطلح، إلا لفظة (فقه) فمعناها الأصلي في السياق القرآني أو في البيان النبوي أشمل بكثير منها كمصطلح.. وهذا المعنى الأصلي هو مادة (الفقه الجديد) الذي نستحق به أن نكون ممن وصفهم الله بأنهم {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}.. وحاشا المؤلف أن يقصد بالفقه الجديد إزالة الفقه المعروف من الموروث الإسلامي والذهنية العامة، فلو حاولنا استنطاق عباراته لوجدناه منصرفاً نحو الفقه بالمعنى القرآني، ومشغولاً بإمضائه في سلاسة إلى المتلقي.. ولوجدناه يتصون من هذا الخلط بين المعنيين في قوله (ليس مرادنا بفقه العلم المعروف الذي اصطلح على تسميته فقهاً) والذي يعني ؛ معرفة الأحكام الشرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية من مثل أحكام الطهارة والنجاسة والعبادات والمعاملات وأحكام الزواج والطلاق والرضاع وغيرها.. ..ولوجدناه كذلك يتحرز من سوء الفهم في قوله (فهذا العلم - أي المصطلح - على أهميته، ليس مرادنا بالفقه، وليس هو المراد بكلمة (الفقه) حيث وردت في القرآن والحديث، إنما هي مما بدل من الأسامي والمفاهيم)..
وهنا يصح لنا أن نقول إن المؤلف القرضاوي، استطاع بعرض سهل بسيط خالٍ من لمعان اللغة، وناجٍ من عقدة التركيب، أن يبلغ (ربع عزة) كما تقول العرب.. ويصح أيضاً لمن تمرس في قراءة المتون الفقهية أو الأطروحات الفكرية، أن يقر بعسر هذا المبحوث.. ولعله يتساءل كيف انجلت الفكرة ونضجت بهذا الأسلوب السهل القريب ؟ وكيف استطاع المؤلف التهديف صوب المراد ؟.. مع أن هذا المراد هو ذاته الذي مافتئ ينشده بعض مفكري العصر ؛ إسلاميين وليبراليين، على اختلافهم في المقاصد أو ربما اتفاقهم.. ولقد بلغوه مرات لولا مداورتهم وإعضالهم.إذن كيف صنع القرضاوي؟
سلف أن نوهنا إلى قفزه على مفهوم (الفقه) العلم المعروف، إلى الفقه في معناه الأبدي حسب المنظور الإسلامي.. لكنه أسس رأيه بنصوص قرآنية واهتم علمياً بذكر مكية الآيات أو مدنيتها، ولم ينس مستبقاً بأن القرآن ذكر مادة (ف ق ه) في سوره المكية قبل أن تنزل الأوامر والنواهي التشريعية التفصيلية، وقبل أن تفرض الفرائض، وتحد الحدود، وتفصّل الأحكام ثم أقرأنا قوله تعالى في سورة الأنعام - وهي مكية - {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}، {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}، (معلقاً) والفقه في الآيتين معناه؛ المعرفة البصيرة بسنن الله في الأنفس والآفاق وسنن الله في خلقه، وعقوباته لمن انحرف عن صراطه.
على هذا المنوال جاءت العروض والتعليقات في هامش اثنتي عشرة آية ما بين مكية ومدنية، أكد خلالها على أن الفقه بالمعنى الذي ذكره القرآن هو الأصل والمرتكز .. ثم نضّد مراده عندما ذكر أن التفقه في الدين الذي ورد في سورة التوبة {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.. لا يقصد به الفقه التقليدي، فإن هذا الفقه لا يثمر إنذارا ليترتب عليه حذر أو خشية، بل هو أبعد شيء عن أداء هذه الوظيفة التي هي وظيفة الدعوة.. لينتهي بنا عند قوله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه بالدين)، مفسراً بأن المعنى أن ينير الله بصيرته فيتعمق في فهم حقائق الدين وأسراره ومقاصده ولا يقف عند ألفاظه وظواهره.. مؤصلاً بشواهده وتعليقاته للنظرية الإسلامية التي تنطلق من المواقع الأصلية في الدين.. تلك المواقع التي سبقت زمكية الفقه التقليدي الذي أمسى في كثير من أقضيته تجريداً حيث انقضى زمان تلك الأقضيات ومكانها..
إن إعادة الفقه إلى مبدئه الأول، معناه إعادة مفردات الإسلام إلى المسلمين .. وإخراج النصوص من الأفق التجريدي، معناه أن تصبح نصوصاً للحياة.. تلك النصوص التي جاءت كي تكون حلاً لمشكلة الواقع أو توجيهاً لحركيته أو إنتاجاً لواقع جديد، لتبقى النظرية الإسلامية حالة في الواقع لا حالة في المطلق..


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved