Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

رداً على الدكتور مرزوق بن تنباك «1»
بالدليل.. الكتاب وما فيه باطل
محمد العامر الفتحي

 

 

يحيرني الدكتور مرزوق بن تنباك في رده أكثر مما فعل في كتابه.

فلقد ظننت أن الثغرات التي ملأ بها كتابه أمر يمكن التحاور معه فيه، ويمكن رده إلى الاجتهاد، ولا بأس بنقاشه على أنه وجهة نظر أخطأت السبيل، وعلى أنه عثرات يمكن الاستقالة منها، والوقوف على دروب الحق حين يأتي الرد على افتراضات الدكتور العقلية بأدلة عقلية ونقلية مقنعة.

أقول: لقد كان هذا الظن ممكنا مع كتابه (الوأد عند العرب.. بين الوهم والحقيقة) للاعتبارات السابقة، غير أن الأخذ به في جانب ما طرحه الدكتور قاصدا الرد به على مقالاتي القارئة للكتاب.. غير ممكن.. وذلك بسبب أن القراءة اعتمدت على مقاطع من الكتاب، أخذتها تلك القراءة فأدخلتها معملاً شديد الحرص على الإيضاح، شديد الحرص على التبيان.. ثم جاء بيان الدكتور بعدها ليبرهن على أنني كنت حسن الظن، شديد البراءة.

ولولا أن الدكتور قضى أكثر من ستة أشهر قبل أن يبدأ سلسلته الباحثة عن الدفاع عن الكتاب الذي ظنه كاملا لا يمكن نقده، والافتراضات التي آلمه أن ينقض بنيانها من أساسها، لجاز لنا الاعتذار له، بأن التعجل سلك به الطريق الخاطئ، وغيب عنه المقاصد.

غير أنني أدرك - مثلما أنكم تدركون - أن مهلة أعطاها لنفسه تبلغ نصف عام، تعد مدة جيدة يمكن معها الاطلاع المتأني على الأسطر موضع النقاش، ويمكن معها استخلاص الحق، والوصول إلى نتائج أقرب إلى المنطق، وأكثر احتراما لذهنية المتلقي، وأليق بالانتساب إلى الحوار العلمي الموضوعي.

وعلى هذا.. فلم يبق لي إلا تفسير واحد لم أكن أتمنى أن يكون أقرب التفاسير إلى الصواب، إذا شئتُ ألا أقول إنه التفسير الوحيد المقبول لما فعله الدكتور.

لقد عمد الدكتور إلى مقالاتي الأربع فتصرف فيها تصرفا مريبا.

وفسر بعض ما ورد فيها تفسيرا، محالٌ أن أصدق أنه هو خالص فهمه.

وأغفل ما لم يستطع رده، دون أن يقف عنده فيعترف بصوابه، ومن ثم يعتذر عما ورد خلافه في كتابه، فينتصف للبحث العلمي المخلص..!

أو يناقش خطأه، ويهدم حجتي فيه، فينتصف للقارئ من الكاتب.

يبدأ التناقض في حديث الدكتور مع بداية أسطره، فهو - بعد أن أورد تقسيمه لمستويات الردود التي زعم أنها ناقشت كتابه - يجعلني من الفريق الذي يعترف له بأنه قال رأيه البناء في منهج علمي سليم، وحرفياً يقول الدكتور: (أما الفريق الأخير فكانت له رؤيته الناقدة وقدرته العلمية التي تناول فيها موضوع الكتاب وقال رأيه في منهج علمي سليم ومناقشة تبحث القضية المعروضة من أطرافها وهؤلاء هم موضع اهتمام المؤلف وتقدير ما عرضوا من آراء ومحاورتهم ومناقشة آرائهم البناءة واجب معرفي وموقف علمي رصين ولا سيما عندما يشعر أن هناك ما يجب توضيحه مما يظن أنه يحتاج إلى توضيح، وأخي الأستاذ محمد العامر الفتحي من هؤلاء).

بل إن الدكتور يشكرني على هذا الطرح، ويعبر عن سعادته بما سطرته، ويدعوني إلى طرح المزيد.. يقول: (وأنا أشكره على ما جاء به وأدعوه إلى قراءة الأطروحات التي تعرض لها الكتاب وعرض المزيد مما يعن له. وقد سعدت مثل غيري بما سطره في ملحق الجزيرة الثقافي).

ولكنه بعد هذا الاعتراف الذي يستوجب أن يكون النقاش مع صاحبه منهجياً عادلاً، وأن يكون الرد لائقاً بمن هذه صفة قراءاته للكتاب، يعود فيتهمني بما ينقض هذا التأكيد نقضاً تاماً، ولا يتسق مع أدنى مستويات العلمية والمنهجية، وبما من شأنه أن يدعو الدكتور إلى الحزن وليس الفرح لو كانت القراءة اشتملت على قدر منه ولو كان ضعيفا..!

ها هو الآن يقول عني: (إنك يا أخي الفتحي تعتسف الأمور في مثل هذه القضايا ثقة منك أن قراءك لا يعرفون بواطن الأمور).. ويقول: (ولا يحتاج الأمر إلى كل هذا الإرجاف الذي ملأ به ردوده الأربعة بل أظن أنه يريد أن يجد طريقاً لملء الصفحة باحتمالات وتفسيرات سيكولوجية لقيس بن عاصم).. ويقول: (إن أخانا الفتحي يريد أن يقول شيئاً غير موجود في الكتاب فيحرف ما استطاع التحريف ويقفز من صفحة إلى أخرى ومن جملة مستقيمة إلى جملة أخرى، لا يربط بينهما إلا رغبته بما يريد أن يقول عن المؤلف والكتاب).. ويقول: (لا أظن أن هذا هو فهم أخينا الفتحي ولا يمكن أن يلتبس عليه ذلك لكنه يريد أن يبلبل ذهن القارئ غير المتخصص في حدية المعاني).

ويقول: (ولكن الفتحي يخلط الفصل الكامل للموضوع الذي يتحدث عن واقع المرأة عبر العصور ويدخل جملاً جاءت في هذا الفصل ويلصق بعضها في بعض مع تباعد السياق وتقاطع الجمل والعبارات حتى يوهم القارئ الذي لم يطلع على الكتاب أن المؤلف يقول ما أشار إليه)!.

والآن.. هل علي أن أقول بأن الدكتور يتساهل فيعترف لباحث ما بالموضوعية والمنهجية والعلمية على الرغم من امتلاء أسطره بالتلبيس والخلط والادعاء والإرجاف والتحريف؟!..

أم أقول بأن الدكتور يميل إلى اتهام الباحث الذي يعترف له بالأصالة والتمكن، في كل مرة لا يتمكن فيها الدكتور من الرد العلمي الموضوعي على ما جاء به الباحث من أدلة؟..

نعم.. إن السؤال الذي لن يتمكن الدكتور من الإجابة عليه - كما لم يتمكن من الإجابة على غيره - هو: من أين اعترف لي بالمنهجية وصدق الرؤية والقدرة العلمية وبأن آرائي تستحق المناقشة، إن كنت في طرحي قد ارتكبت كل تلك التجاوزات؟!..

أو كيف يتهمني الدكتور بالخلط والإرجاف والتحريف إن كنت موضوعياً ومنهجياً وعلمياً؟!.

إنني أطرح هذا السؤال لأريكم إلى أي مدى يمكن أن يتساهل الدكتور في طرحه الأمر ونقيضه دون انتباه أو تحرز، ودون تقدير لما يوقعه فيه هذا الأمر من حرج!.

فإذا كان الدكتور يفعل هذا في نقاش علمي يعلم أنه سيُركَّز فيه على كل صغيرة وكبيرة، فقيسوا على ذلك ما قد يفعله في كتاب مبني على افتراضات لا دليل عليها!.

وبالعودة إلى ما طرحه الدكتور في ردوده، نجد أنه تعامل مع مقالاتي القارئة لكتابه تعاملاً اشتمل على مستويين من التعاطي مع الدليل:

فأما ما لم يستطع رده من أدلتي، وفقد معه حجته، فقد أسقط في يده فضرب عنه صفحاً، وأهمله، ولم يعرج على شيء منه، وكأني لم أقله!.

وكان من حق النظر العلمي، والحوار المعرفي، والموضوعية والمنهجية، أن يعترف لي بالإصابة فيه، وأن يشكر لي أن دللته على وجه الحق، وواضح السبيل، وأن يعلن الرجوع إلى ما فيه من الحق الواضح.. ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر:

1 - ما رددت به على مثل قوله في كتابه: (إن تعليل صمت المهجوين عنه - يعني الفرزدق - هو أن شعره الذي يفخر به ويذكر الوأد فيه ويهجو من هجا لم يكن مما يتداوله الناس ولا يعرفونه، وإنما جمع مع جمع الديوان من أفواه الرواة الذين حفظوا الشعر ولم ينتشر في حياة الفرزدق). وقد بينت للدكتور السبب الحقيقي لصمت جرير، كما بينت له أن هجاء الفرزدق لجرير لا يمكن إدراجه ضمن ما يسميه الدكتور (شعر الفرزدق الخاص الذي يدور في حلقات الوعظ واللغة)!.

ولكن الدكتور في رده لا يتطرق لهذا الأمر، ولا يعلق عليه! فلا شكر ولا نقض!.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة