Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

لماذا يسيئون فهمنا؟
الرؤية الغربية للدين والثقافة والحضارة
فؤاد السعيد

 

 

يتصاعد تقدير رجال العلم والسياسة في الآونة الأخيرة لوزن العوامل الثقافية والدور الذي تلعبه في صياغة المجتمعات المعاصرة وتحديد طبيعة النظام الدولي الراهن الذي تسوده للأسف الصراعات الثقافية؛ لأسباب دينية أو طائفية أو لغوية أو عرقية وهو الاتجاه الذي وصل إلى ذروته مع بزوغ نظريات صراع الحضارات عند صامويل هنتنجتون وبرنارد لويس وغيرهما، وهي النظريات التي تشكل الإطار الفلسفي للسياسات الراهنة لليمين الأمريكي المحافظ والحرب على الإرهاب (المنسوب للإسلام على وجه التعميم) وكذلك موجة العداء وسوء الفهم التي تسود الغرب عموما تجاه الإسلام والمسلمين منذ 11سبتمبر2001 مرورا بالإساءة إلى الرسول وانتهاء بإساءة بابا الفاتيكان للإسلام عموما.

ويبدو أن المواجهة الدعوية والإعلامية وحتى السياسية لم تعد تكفي وحدها لمخاطبة العقل الغربي، وهو ما يكسب عملية دراسة المفاهيم الثقافية الأساسية كالدين والثقافة والحضارة كما فهمها الفكر الغربي ذاته أهمية كبرى في تعاملنا الصحيح مع أزمة تحول الحوار الحضاري إلى صراع ضار كانت مجتمعاتنا العربية والإسلامية وما زالت أكبر الخاسرين فيه.

فمسار الأزمات الثقافية والحضارية والدينية المتكررة بيننا وبين الغرب خلال السنوات الأخيرة يشير إلى حالة من سوء الفهم المتبادل بين الحضارتين، وتواجه دراسة مفاهيم (الثقافة) و(الحضارة) و(الدين)، إضافة إلى شبكة المفاهيم المرتبطة بها في الفكر الغربي صعوبات علمية كبيرة نتيجة تعدد المداخل وطرق الاقتراب من مثل هذه المفاهيم التي تتسم بطبيعتها بالعمومية وعدم التحديد العلمي الدقيق في كثير من الأحيان، فمجال هذه المفاهيم لا ينحصر في واحد من العلوم الاجتماعية أو الدراسات الإنسانية، ولكن مجالها يتشعب بين العديد من هذه العلوم وتلك الدراسات الغربية؛ كالفلسفة فلسفة الحضارة، فلسفة الثقافة، فلسفة التاريخ، فلسفة الدين، فلسفة تصورات العالم ...، والتاريخ تاريخ الحضارة، تاريخ الثقافة، تاريخ الأديان، تاريخ الأفكار، تاريخ العقليات...، وعلم الاجتماع خاصة الاجتماع الثقافي والديني والأنثروبولوجيا أي علم الإنسان خاصة الأنثروبولوجيا الثقافية وأنثروبولوجيا الدين، والأثنولوجيا أو علم دراسة الشعوب خاصة ما يركز منها على التمييز بين ثقافات الشعوب ورؤاها الكلية للعالم، وأخيراً هناك علما السياسة والاستراتيجية، خاصة ما يتعلق بالثقافة السياسية والمجال المستحدث الخاص بالدراسات الحضارية وعلاقتها بعلم الاستراتيجية خاصة على المستوى الدولي.

ولكل علم أو فرع من هذه الدراسات اقترابه الخاص من شبكة مفاهيم الثقافة والحضارة والدين، كما يركز كل منها على أحد مستويات هذه المفاهيم - الظواهر المعقدة، ففيما يتعلق بمفهوم (الدين) - على سبيل المثال - قد يهتم أحد الفروع بدراسة ديانات الجماعات البدائية، بينما يهتم آخر بدراسة الديانات الكبرى الرئيسة التي شهدها تاريخ الشعوب، وقد يهتم تيار ما بدراسة الديانات السماوية المنزّلة وآخر بما يسمى بالديانات الوضعية (غير المنزّلة)... إلخ

كما تركز بعض هذه الدراسات على أنماط العلاقات بين أصحاب الديانات والثقافات والحضارات المختلفة في محاولة للاجابة عن السؤال: متى يسود الوئام والتفاهم هذه العلاقات ومتى تنزلق إلى حالة الصراع والصدام.

وأخيراً يلاحظ أن مفهومى (الثقافة) و(الحضارة) يتقاربان ويتباعدان ويتداخلان من حيث تعريفات كل منهما، ومدى احتواء أحدهما للآخر، إذ يرى البعض أن المفهومين يعبران عن الشيء نفسه، بينما يرى علماء ومنظرون آخرون أن الحضارة هي أحد أشكال الثقافة، خاصة عندما تتطور إلى درجة أكبر من التعقيد والتمدين، أو أن الحضارة تشمل داخلها الثقافة كجزء منها، وأخيراً يعتقد البعض أن الدين يمثل جوهر الرؤية الاعتقادية التي تقوم عليها الثقافة والحضارة كليهما... إلخ.

وللدلالة على كثرة التعريفات وتعددها وتضاربها نشير إلى أن كرويبر وكلاكهون قد حصرا ما يزيد على 160 تعريفاً لمصطلح (الثقافة) وحده في اللغة الإنجليزية في زمنهما وذلك في مجالي الاجتماع والأنثروبولوجيا فقط.

نخلص من هذا إلى أن كل من تصدوا لمحاولة الاقتراب من هذه المفاهيم وكيفية تناولها في العلوم والدراسات الاجتماعية الغربية قد انتهوا إلى استحالة، بل وعدم جدوى محاولة التوصل إلى خلاصة يمكن الاتفاق العلمي حولها

بين العلماء بخصوص هذه المفاهيم الأساسية الكبرى، بل إن مثل هذا المسعى ربما كان من شأنه إفقار التعدد الثري للمداخل والاقترابات من الظاهرة.

وبما أن الحصر الشامل لمثل هذه التعريفات هو عملية مستحيلة، فإن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الفكر العربي والإسلامي المعاصر هو محاولة الاجابة عن بعض التساؤلات التي عبرت عن القلق الذي ساور قطاع واسع من المتابعين والباحثين وصناع القرار على حد سواء من عمليات التوظيف السياسي المتزايد لمفاهيم الدين والثقافة والحضارة في الصراعات الدولية المعاصرة وبروز الأفكار التي تؤسس لنظريتي (نهاية التاريخ) و(صراع الحضارات) كمفسر ومبرر لما أصبح يعرف (بالحروب الثقافية) الكبرى بين الحضارات خاصة الحضارتين الإسلامية والغربية وكذلك النزاعات بين الجماعات الثقافية والدينية والعرقية والقبلية داخل الوطن الواحد أو على الحدود بين هذه الأوطان، بما يؤدي إلى إعادة رسم وتفتيت الكيانات الوطنية في عالم الجنوب بما فيه عالمنا العربي والإسلامي... وهي القضايا التي أصبحت على قمة أولويات الفكر العربي والإسلامي وتستدعي المزيد من الدراسة والتأمل من أجل فهم أعمق للرؤية الغربية لمفاهيم الثقافة والحضارة والدين في محاولة للاجابة عن السؤال العكسي: لماذا يسيئون فهمنا؟ أو بالأحرى لماذا يتعمد قطاع مطلع من النخبة السياسية والأكاديمية الغربية، الأمريكية خصوصا، اشاعة فهم خاطئ وتعميمات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي؟

* خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - القاهرة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة