الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

الأول عندما يترك للآخر أشياء كثيرة
تشابهات وتطابقات بين كتابي (شعراء قتلهم شعرهم) لفراج و(قصائد قتلت أصحابها ) لعائض القرني
* عبد الله السمطي:
1 لا نستطيع ونحن نتصفح كتاب عائض القرني: (قصائد قتلت أصحابها) إلا ان نتذكر مقولة الجاحظ بتصرف بسيط: الأفكار مطروحة في الطريق، يعرفها القاصي والداني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نستدعي ايضا مقولة للشاعر الفرزدق: خير السرقة ما لا تقطع فيه اليد، وكان يعني أول ما يعني: سرقة الشعر، ونحن هنا بإزاء قضية أدبية بطلها الموضوع نفسه لا المؤلف ولا الكتاب فحسب.
فمسألة قتل الشعراء ظاهرة بارزة في تراثنا العربي، منذ مقتل طرفة بن العبد، حتى مقتل الشاعر العراقي محمود البريكان في منزله بقصد السرقة. مرورا بعشرات الشعراء مثل: امرىء القيس، بشار، المتنبي، ابن المعتز، دعبل، وهاشم الرفاعي.
هذا سوى قتل النفس كما نرى في حالة: عبدالباسط الصوفي، أو خليل حاوي، وسوى القتل المعنوي وهذ حدث ويحدث لآلاف الشعراء العرب قديما وحديثاً. من هنا فإن الفكرة نفسها مطروحة في الطريق، لكن من يجوهرها أولا؟ هذا هو السؤال.
كتاب الشيخ عائض القرني: (قصائد قتلت أصحابها) كتاب يجري في هذا السياق، سياق قتل الشعراء بسبب شعرهم، ربما كان الكتاب مثيراً من وجهة قرائية حتى إنه طبع ثلاث طبعات في عام واحد حيث صدرت طبعته الأولى عن مكتبة العبيكان 1423هـ وصدرت طبعته الثالثة في 1424هـ 2003م ووجه الإثارة يرجع إلى أن مسألة القتل تطال أرباب الكلمة من المبدعين الشعراء، الذين هم من أبدعوا فناً تعتز به الأمة العربية وتعتبره فنها الاول وهو فن الشعر الذي وصف بأنه (ديوان العرب) لكن الأكثر إثارة في الأمر أن كتاباً سبق كتاب القرني بسنوات أصدره الشاعر سمير فراج بعنوان: (شعراء قتلهم شعرهم) صدر عن مكتبة مدبولي الصغير بالقاهرة في طبعة وحيدة في العام 1417هـ 1997م أي قبل كتاب الشيخ القرني بست سنوات.
هنا نحن لا نختبىء في مقولة الفرزدق قدر ما نطل بمقولة الجاحظ، فالموضوع مطروح في الطريق، لكن ثمة علامات أو تشابهات بين الكتابين تستثير أول ما تستثير السؤال العلمي الذي لا يختلف اثنان على أهميته: ما مصدر هذه التشابهات، هل بسبب الموضوع نفسه؟ هل لأن عائض القرني اعتمد على كتاب سمير فراج في تأليف كتابه ولم يشر إليه؟ أم أن التشابه مجرد توارد خواطر بين المؤلفين؟ مع الأخذ في الاعتبار الفارق الزمني الذي ربما لا يمنع هذا التوارد!
2 سأعرض هنا للموضوع وبشكل منهجي صرف، فكتاب سمير فراج يتناول 15 شاعراً ممن قتلهم شعرهم وهم حسب ترتيب الكتاب: هدبة بن خشرم، كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، أبو العبر، السليك بن السلكة، الكميت، المتنبي، ابو نخيلة، مزاحم بن عمرو، طرفة بن العبد، أعشى همدان، وضاح اليمن، بشار بن برد، حماد عجرد، وامرؤ القيس.
أما كتاب عائض القرني فيتحدث عن شعراء قتلتهم قصائدهم وهم: المتنبي، طرفة بن العبد، الأعشى الهمداني، صالح بن عبد القدوس، حماد عجرد، دعبل الخزاعي، بشار بن برد، وضاح اليمن، السليك بن السلكة، هدبة بن خشرم، زيادة بن زيد.
ومن استعراض أسماء هؤلاء الشعراء تتجلى هذه النقاط البديهية:
أولاً: اتفق المؤلفان على ذكر الشعراء: هدبة بن خشرم والمتنبي، وطرفة بن العبد، وحماد عجرد، وبشار بن برد، ووضاح اليمن، والسليك بن السلكة، والأعشى الهمداني.
ثانياً: تحدث سمير فراج عن شعراء لم يتناولهم القرني، مثل: كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، الكميت، ابو نخيلة، امرؤ القيس.
ثالثاً: وبالعكس تناول القرني شعراء لم يكتب عنهم فراج مثل: دعبل الخزاعي وصالح بن عبد القدوس.
رابعاً: هذا الاتفاق والاختلاف البسيط لا يعني ان اللاحق لم يطلع على عمل السابق، ولم يتأثر به، بل يؤكد هذا الاطلاع عبر الشعراء المذكورين، عبر المراجع والمصادر والنماذج الشعرية، المختارة، ومن قبل ومن بعد عبر تنفيذ فكرة مطروحة في طريق البحث ولكن نفذت على شكل : (وقوع الحافر على الحافر).
لقد حاول القرني كثيراً (التعفية على الأثر) والطريف أن أول شاعر عند سمير فراج وهو : (هدبة بن خشرم) يرد في كتاب القرني كآخر شاعر مكتوب عن قصة مقتله.. بحيث يتضح للقارىء أن هذا الكتاب غير ذاك الكتاب، وإن كان العنوان يوحي تماما بهذه المشابهة: (قصائد قتلت أصحابها) مع كتاب سمير فراج: ( شعراء قتلهم شعرهم)!!
3 أمثلة ونماذج عدة للتشابه بين الكتابين يمكن ملاحظتها لأول وهلة عند تصفح الكتابين، أبرزها: النماذج الشعرية المختارة، وتتالى سرد الحكاية التي تتعلق بسيرة الشاعر مع تعديلات طفيفة، وتشابه التعليقات على كل نموذج شعري مساق، فضلاً عن تلك الاقتبسات من المصادر والمراجع المختلفة هي نفسها تقريبا في الكتابين، وسوف نتخذ نموذجاً واحداً هنا من بين نماذج عدة يتبين فيه هذا التشابه.
ففي فصل عن هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد يسرد سمير فراج حكاية مقتلهما كالتالي:
أولاً: يبدأ بتعريف نسب هدبة ولقائه مع زيادة بن زيد، ثم ينتقل مباشرة لنموذج شعري لزيادة بن زيد يتغزل فيه بفاطمة أخت هدبة مطلعه:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
ما دون أن يرى البعير قائما
ألا ترين الدمع مني ساجما
حذار دار منك لن تلائما
ثانياً: يرد هدبة بأن يتغزل في أخت زيادة وكانت تسمى (أم خازم) بنموذج أوله:
لقد أراني والغلام الخازما
نزجي المطي ضمرا سواهما
متى تظن القلص الرواسما
والجلة الناجية العياهما
يبلغن أم خازم وخازما
إذا هبطن مستحيرا قاتما
ثالثاً: يسرد فراج لحكاية الغضب المتبادل بين هدبة وزيادة، وتغزلهما كل منهما في أخت الآخر، حتى صارت عداوة كاملة بينهما ظهرت بوادرها في المعارضات الشعرية. ويأتي المؤلف بجملة من النماذج الشعرية التي تبين ذلك من كلا الشاعرين حتى قتل زيادة، ثم اقتص من هدبة وتم قتله بعد عدة سنوات.
تسلسل الاحداث نفسه، والنماذج الشعرية نفسها هو ما يأتي به عائض القرني، حيث يبدأ أولا بترجمة موجزة لهدبة وزيادة، ثم يعرض للنموذجين الشعريين اللذين عرض لهما فراج في بداية موضوعه:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
ما دون أن يرى البعير قائما
و: لقد أراني والغلام الخازما
نزجي المطي ضمرا سوهما
ويقول سمير فراج ساردا جانبا من الحكاية: (فسبه زيادة، ورد عليه هدبة، وطال بينهما ذلك حتى صاح بهم القوم: اركبا لا حملكما الله فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر فظلوا يعظونهما حتى سكت كل منهما على ما نفسه، لكن هدبة كان أشد حنقاً على زيادة ورأى أنه غلبه وضامه، فقد تغزل في أخته فاطمة وهي حاضرة سامعة، بينما تغزل هدبة في أم خازم أخت زيادة وهي غائبة لا تسمع غزله فيها، فمضيا ولم يكلم أحدهما الآخر حتى قضيا حجهما وعادا إلى مضارب قوميهما.
ويسرد عائض القرني الحكاية نفسها بقوله: (فلما سمع زيادة هذا الرجز شتم هدبة وسبه، فرد عليه هدبة السبب، فصاح بهما القوم: اركبا لاحملكما الله! فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر، ووعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه. وهدبة اشدهما حنقا، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه لأنه رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخت زيادة وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجهما ورجعا إلى عشائرهما).
إن التشابه واضح تماماً في الفقرتين، ولكن ربما يُعزَى ذلك غلى طريقة نقل الحكاية من كتب التراث، لكن السؤال: أتنقل الحكاية بالتعبيرات والألفاظ نفسها، وعدد السطور تقريبا دون تبديل لمعنى أو لكلمة؟
ويستمر التشابه التام في نقل حكاية الشاعرين، حتى النهاية حيث ينقل المؤلفان مشهد مقتل هدبة شعرا ونثرا ولننقل هنا المشهد الأخير من الحكاية بصياغة المؤلفين: سمير فراج: أراد سعيد بن العاص ان يبذل محاولة أخيرة، فقال لعبد الرحمن أخي زيادة: اقبل الدية، وأنا أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقة حمراء، ليس فيها جداء ولا ذات داء، فقال عبد الرحمن: والله لو نقبت لي قبتك هذه ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله ويزيد في عرضه فيأبى، ثم قال عبد الرحمن: إنه قال بيتاً لو لم يقله لقبلت الدية، أو صفحت بغير دية، والله لو أردت شيئاً من ذلك لمنعني قوله:
لنجدعن بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعوا بهدبة ليقتل فبدت في عينيه حسرة، وما ندم بشر على قول كما ندم هدبة على قوله هذا البيت، واستأذن في أن يصلي ركعتين،فأذن له،فصلاهما وخفف، ثم التفت إلى الناس حوله وقال: لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجا إلى إطالتهما، ثم التفت إلى قوم زيادة قائلاً:
فإن تقتلوني في الحديد فإنني
قتلت أخاكم مطلقا لم يقيد
فقال عبد الرحمن: والله لا نقتله إلا مطلقا من وثاقه، ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه
لأقتلن اليوم من لا ارحمه
ثم دفع السيف إلى المسور بن زيادة وقال له: قم فاقتل قاتل ابيك، فقام المسور فضربه ضربتين قتله فيهما.
عائض القرني: فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدية عنه، وقال له: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، اعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جداء ولا ذات داء فقال له: والله لو نقبت لي قبتك هذه، ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الاجدع، فلم يزل سعيد يسأله ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: والله لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
لتجدعن بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعه حينئذ ليقتله بأخيه.
فلما قرب ليقتل استأذن ان يصلي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفف، ثم التفت على من حضر وقال: لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجاً لإطالتهما، ثم أنشأ يقول:
فإن تقتلوني في الحديد فإنني
قتلت أخاكم مطلقاً لم يقيد
فقال عبد الرحمن أخو زيادة: والله لا أقتله إلا مطلقاً من وثاقه، فأطلق، فقام إليه وهز السيف ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه
لأقتلن اليوم من لا أرحمه
ثم قتله، غفر الله للجميع.
إن التشابه واضح إلى درجة التطابق، وكان على المؤلف اللاحق أن يغير كثيراً في صياغة الحكاية، لكن ربما لاعتماده على كتاب جاهز، آثر أن يعود إليه كثيراً في نقل جمل وعبارات وفي اختيار النماذج الشعرية نفسها وبالتسلسل السردي نفسه.
بالطبع الحكاية تنقلها مصادر التراث العربي المختلفة، لكن أن يتشابه المؤلفان في سرد الحكاية فهذا أمر يثير التساؤل.
في هذا نموذج واحد للتشابه بين الكتابين، وهناك نماذج أخرى تبدي ما فعل اللاحق بكتاب السابق، لكن المساحة ربما لا تكفي لبيان كل هذه النماذج.
من الطريف أن المؤلفين السابق واللاحق كلاهما يقرض الشعر وكلاهما له مؤلفات نقدية وأدبية، بيد أن كتاب سمير فراج طبع مرة واحدة في سبع سنوات لقاء مكافأة زهيدة من لدن الناشر، كما يقول فراج نفسه، فيما طبع كتاب عائض القرني، صاحب مؤلفات: بيت أسس على التقوى، والإسلام وقضايا العصر، وفاعلم أنه لا إله إلا الله، وتاج المدائح، ثلاث مرات في عام واحد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved