الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 15th March,2004 العدد : 50

الأثنين 24 ,محرم 1425

هذا هو الإسلام.. فأين المسلمون؟

تأليف: إبراهيم حقي
دمشق: دارالفكر 2003
الدين الإسلامي آخر الديانات السماوية، والقرآن الكريم كتاب الله المعجز الذي من إعجازه حِفْظُه كما نزل دون تحريف ولا تبديل وعداً من الله سبحانه وتعالى القائل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 15/9)، ولذلك يعد القرآن المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي.
ولما كان الله تعالى قد اصطفى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لتبليغ رسالته وقيادة أمته وتعليمها هذا الدين، فقد كان عليه السلام في كل أعماله وأقواله القدوة العملية لتطبيق ما في القرآن من تعاليم وأوامر ونواهٍ، لذلك كانت هذه الأعمال والأقوال المسماة (السنة النبوية) المصدر الثاني للتشريع الإسلامي. وإلى هذين المصدرين استند كل العلماء والفقهاء في التفسير وإعطاء الأحكام وإصدار الفتاوى، وعلى هذين المصدرين فحسب سيكون اعتمادي إن شاء الله للتعريف بدين الله الحنيف وما يستنبط منهما لكل ما فيه من أبحاث.
خلق الله آدم وحواء فتكاثرا وما زالت ذريتهما تتكاثر، يولد الإنسان فرداً، ذكراً أو أنثى، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادَى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الأنعام: 6/94) ثم تتألف الأسر الصغيرة بالتزاوج (يا أَيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء: 4/1)، ومن الأسر الصغيرة تتألف المجتمعات الأكبر فالأكبر.
الأحياء فالقرى فالمدن فالأقوام (يا أَيُّها النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 49/13).
ومن البديهي أن تنشأ بين كل هؤلاء الناس علاقات مختلفة، ولا بد لذلك من تنظيم هذه العلاقات مهما كانت أشكالها وأنواعها في جميع المجتمعات الصغيرة والكبيرة. وقد عني الدين الإسلامي بكل ذلك من البداية حتى النهاية، عني بالإنسان الفرد فقوّمه وبالأسرة فدعَّمها وبالمجتمعات فنظم علاقاتها. وهذا ما يتناوله الكتاب، توضيحاً لتلك العلاقات والأدوار.
من الكتاب:
تعدد الزوجات
من جملة ما يأخذ أعداء الإسلام عليه موضوع تعدد الزوجات.
ويجب أن نشير قبل كل شيء إلى أن الإسلام لم يفرض تعدد الزوجات ولا حرَّض عليه ولا شجعه ولا استحسنه وإنما أباحه وبشرط يكاد يكون تحقيقه مستحيلاً وهو العدل بين الزوجات، وإن لم يتحقق هذا الشرط فيجب أن يقتصر الزواج على واحدة: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامَى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (النساء: 4/3) والقصد بالعدل المساواة في كل الأمور المادية من طعام ولباس وسكن وحلي ومعاملة وملاطفة... إلخ يقول رسول الله: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) (أصحاب السنن) ويبقى مع ذلك ما لا يُستطاع العدل فيه وهو هوى القلب، ومن المعلوم أن رسول الله كان مع عدله بين نسائه أكثر هوى بالسيدة عائشة التي قالت: كان النبي يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) (أصحاب السنن) ولذلك قال الله تعالى: ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (النساء: 4/129).
والأصل في الزواج في الإسلام أن يكون بواحدة ولمدى الحياة (يا أَيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) (النساء: 4/1).
ولذلك أمر الإسلام كما رأينا بالانتباه حين الزواج لحسن اختيار الشريك ثم أمر بحسن المعاشرة بين الزوجين اللذين وضع فيهما المودة والرحمة، كل ذلك لاستمرار الحياة الزوجية القائمة على قواعد سليمة.
ولكن الله الذي خلق البشر أعلم بطباعهم وأدرى باحتياجاتهم وأخبر بما قد يعترض حياتهم من ظروف فأباح التعدد وترك الأمر مطلقاً فلم يحدد حالات الإباحة لأنها ترجع لتقدير شخصي أو اجتماعي.
قد يكون الزواج المتعدد نتيجة أمر يجده الزوج في امرأة غير زوجته، وقد يكون نتيجة إغراء طامعةٍ له في ماله أو مركزه، أو يكون نتيجة نزوة عابرة ليس لها من مسوغ معقول، والزوج الحكيم يدرك أن الكمال غير موجود في أحد (لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر...) (مسلم)، ويعلم أن الإغراء جُلُّه خداع، ويعرف أن النساء كلهن متشابهات وأن وراء النزوة العابرة مشاكل قد لا يكون لها حصر،والزوجة الحكيمة تستطيع النفوذ إلى أعماق زوجها فتعرف طباعه وتدرك ما يحب وما يبغض وتقدر ظروفه المادية وطبيعة عمله، وتتصرف إزاء هذا كله بروية وتدبير حسن فلا تترك لزوجها عليها حجة لأنه يجد فيها الشريك الصالح الناصح، إلا إذا سفه رأيه، ولذا نرى ندرة الزواج المتعدد في المثقفين الذين يحسبون لكل أمر حسابه ويدركون ما ينجم عنه من مشاكل قد تؤدي لتفكك الأسرة وضياع الأولاد.
ومع هذا كله تبقى هناك حالات لابد فيها من اللجوء إلى أهون الشرِّين ولمثل هذه الحالات أبيح التعدد، من هذه الحالات عدم الإنجاب بعد التأكد من أن السبب في الزوجة حصراً، ومنها إصابة الزوجة بداء مُقعِد يمنعها من القيام بأعمالها وواجباتها، فالزواج المتعدد في هذه الحالات أحفظ للأسرة وأفضل من الطلاق ولاسيما إذا لم يكن للزوجة معيل يحفظها عدا ما في الطلاق من قلة المروءة وانعدام الوفاء.
وهناك حالة خاصة قد يكون تعدد الزوجات فيها واجباً اجتماعياً وحلاً أخلاقياً كما في عواقب الحروب التي تفقد فيها أعداد كبيرة جداً من الرجال وتبقى النساء، كما حدث في معظم البلدان الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى ذلك إلى تفشي الفاحشة بشكل كبير، فالزواج المتعدد المشروع هنا أفضل من الزواج غير الشرعي (إذا سميناه زواجاً) وأحفظ للصحة وللأخلاق ولمستقبل الأجيال، وقد أقر كثير من الباحثين الاجتماعيين الغربيين بهذه الحقيقة وبعظمة الدين الإسلامي الذي أباح تعدد الزوجات.
لقد ثبت من الإحصاءات التي قام بها الغربيون أنفسهم أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين لهم علاقات جنسية مع نساء غير زوجاتهم قد يكن عازبات أو زوجات رجال آخرين، ويختلف عددهن من واحدة فأكثر حتى العشرة وقد يكون نادراً مع عدد غير محدد!! وأصبح من المؤكد علمياً أن هذه العلاقات هي السبب في تفشي العديد من الأمراض أقلها خطراً السرطان وأكثرها خطراً داء فقد المناعة المكتسب (الإيدز) فأي الأمرين أفضل: ترك الحبل على الغارب كما في هذه الحالات أم إباحة تعدد الزوجات المحدود والمشروط ؟؟.
وأي الحضارتين أصح؟ تقدمية هذه الأيام أم رجعية غابر الزمان ؟؟.ويقع الكتاب في (192) صفحة من القطع العادي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved