| بين الواقع والقول مسافات!
|
*عبد الفتاح أبو مدين:
يخون الإنسان التعبير في بعض المواقف، فينزلق لسانه ليقول غير الواقع وغير الحق، وقد يكون هو نفسه غير متأكد أو غير مقتنع لما يقول ويقطع به، وكذلك يقع في مأزق يكذبه الواقع المشهود، وهذا ما رأيته في كلمة الأخ حسين بافقيه في الصفحة الثقافية في (الوطن)، في العدد الصادر يوم الجمعة 7 ربيع الآخر 1427هـ، وحديثه كان عن دوريات نادي جدة رداً على مساءلة المحرر، فقال: إن الدوريات تحولت إلى مجلات مدرسية، وقال: إنه لا توجد خطة تحريرية، ولو ألهم الله المتحدث وكان شجاعاً لقال: ومرد ذلك أنه لا يوجد دعم مالي ينهض بهذه الدوريات. والأخ بافقيه لعله يدرك أن الثقافة - أيّ ثقافة - لا يمكن أن تكون وتنهض من خلال إفلاس مادي، وأن الإرادة بها وحدها والقدرات لا تكون ثقافة متطورة.. إن الكلام سهل ومحسوب على صاحبه إذا حاد عن الطريق.. والأستاذ حسين بافقيه من رموز الثقافة، غير أن الأحكام الجاهزة حين ترسل جزافاً تصبح لا قيمة لها.. ولو وضع أبو هلال نفسه في ظروف الدوريات التي وصفها بالمدرسية لما استطاع أن يحقق شيئاً مما تخيَّل أو ما يطمح أن يكون، وقالوا: الحكم على الشيء بعض من تصوُّره، وليس معنى التصور الادعاء بغير الواقع الكائن، ولو استرجع البافقيه طرفاً من تحاور الحكيم مع عصاه لأمسك عن ذلك الاتهام؛ لأنه يدرك الفتات الذي يُكال للثقافة في النادي، وهذه الدوريات الأربع التي كان يصدرها النادي وتصدر إلى الوطن العربي إذا قورنت (مثلاً) بمطبوعات (دولة الكويت) لبدا له أن نصيب مطبوعاتنا وأنديتنا يبلغ مستوى قرطاسية بكل تكاليفها المتدنية والعاملين فيها وكتَّابها، لو جال بتفكيره قياسياً بمجلة العربي يومئذ والكتاب الشهري وتلك المطبوعات الباذخة لما تجرأ على اتهامنا بتقصيرنا ورداءة - على حد تعبيره - ما قدمنا. وقد حضر أول لقاء لرؤساء الأندية الأدبية والثقافية معالي وزير الثقافة والإعلام في العام الماضي، وهو أول لقاء تحدث فيه الرؤساء بما جال في نفوسهم، وقلت يومها كلمات محددة ومحسوبة: (يا معالي الوزير، أعطنا صلاحيات ودعماً مالياً ثم حاسبنا).
وإذا عرف الأخ حسين، وهو عليم، أن ثلاثمائة وأربعمائة ريال وخمسمائة لا يمكن أن تحرك كاتباً ذا عطاء متميز ليكتب لأي مطبوعة فقيرة وهناك صحافة ثرية تدفع إليه إلى خمسمائة دولار على المقال، وأتذكر قولة أخي الدكتور حمادي صمود: لماذا كل شيء غلا في الحياة إلا الثقافة؟ يا أخ حسين، الاتهام سهل، لكن الصعب أو الغائب العدل في إطلاق الأحكام السريعة، وقالوا: إن الذي رجله في الماء غير الذي رجله في النار.. وقال الشاعر قديماً:
قدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها
فمن علا زلقاً عن غرة زلجا
ورب سائل سمع الأخ حسين بافقيه يشيد بنادي جدة الأدبي الثقافي وبدورياته، ولكن حين يُقرأ ما نشر بالأمس يشكك في مصداقية الإنسان نفسه.. وبعيداً عن لغة التحدي وأنت في وزارة ترأس الأندية الأدبية والثقافة أقول لك: تعال إذا استطعت أن أقنع معالي وزير الثقافة والإعلام بأن يعيرك للنادي لتسير هذه الدوريات بالجعل اليسير الذي يمكن فقط أن يسد مطبوعة واحدة ذات قيمة، لنرى ما يمكن أن تفعل وتحقق رقياً.. ولعلك تقول لي: كان بالإمكان الاكتفاء بإصدار دورية واحدة ك(علامات) تكون على مستوى متميز دون هذا الكم الذي يشبه المجلات المدرسية كما قلت، وأقول: الحق معك، غير أني كنت أطمع أن يزداد دعم النادي المادي، ولا سيما بعد إعلان الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز رحمه الله في ملتقى الأدباء الثاني الذي التأم في جامعة أم القرى في شهر شعبان 1419ه، حيث قال: إن الأمر قد صدر بمضاعفة الدعم المالي لهذه الأندية وبناء كيان لنادي مكة الثقافي الأدبي، لكن ذلك لم يكن.
أنا أعترف أن الأخ حسين بافقيه قارئ جيد أو جيد جداً، وعنده نصيب من المعرفة، غير أن إنتاج هذه المعرفة ومعاناتها والصبر عليها في ظروف الإفلاس يختلف كل الاختلاف عما عندك، وأن أي عمل ناجح في كل شيء تجد وراءه إدارة ناجحة.. والمنظِّر أو المتحدث غير الذي في معمعة العمل.. وما أكثر المتحدثين عن مجال العمل لكنهم لا يستطيعون أداء شيء، وذلك أشبه بالجبان الذي في يده سلاح، همُّه أن يتخلص منه.. وأسأل أو أنصح صديقك الدكتور بكر باقادر: لماذا يشرّق ويغرّب بدوريات النادي إذا كانت ليست بذات قيمة، ذلك أنها لا تعدو أن تكون (مجلات مدرسية) ليس فيها غنى.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
