الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 15th May,2006 العدد : 153

الأثنين 17 ,ربيع الثاني 1427

الحوار مع الغرب مشروع قومي حضاري

*أ.د. سهام الفريح:
يجب علينا - كعرب - أن نسعى جاهدين إلى العمل على إجراء حوار عربي/ غربي فنحن في أمس الحاجة لإجراء مثل هذا الحوار وخاصة بعد أن انطلقت هذه الحملة لنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في مجتمعاتنا، وقد انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، الدولة التي تحمل شعار الحرية والداعية إلى نشر الديمقراطية في دول العالم كافة مع التركيز الشديد على الدول العربية.
لأننا من وجهة نظر الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية: مجتمعات يسودها التخلف وانتهاكات حقوق الإنسان والدعوة إلى الجهاد بوسيلة الإرهاب.
هذه هي الحقيقة التي علينا استيعابها على ما فيها من مرارة، لذا علينا أن نعمل على إبراز صورة الإسلام الحقيقي لدى الغرب ونزيل هذه العتمة عن عيونهم حول ما يتميز به الإسلام من تسامح، وليتنا قبل ذلك أن نزيلها عن عيون الكثيرين في مجتمعاتنا.
ولنقف قليلا أمام ما يكتبه البعض من المفكرين والأكاديميين الغربيين بقصد وبدون قصد ومن أبرزها المقالة المشهورة التي نشرها صموئيل هنتجتون الأستاذ بجامعة هارفرد في مجلة الشؤون الخارجية في عام 1993 وعنوانها (صدام الحضارات) والتي صنف فيها الحضارة الإسلامية (بأنها في مقدمة الحضارات التي تمثل قيمها قيم الآخر الخطر الذي مواجهته ليس بالحوار بل بالصدام) وكذلك أقواله في كتابه (WHO ARE WE) وعنوانه الفرعي (التحديات أمام هوية أمريكا القومية): (إن إساءة أسامة بن لادن عندما هاجم أمريكا وقتل عدة آلاف من الناس، فعل أمرين آخرين: ملء الفراغ الذي خافه غورباشوف بعدو جديد خطير لا ريب، وهو قد سلط الضوء على هوية أمريكا كأمة مسيحية)ص359 مضيفا أيضا (إن الجماعات الإسلامية -كما الشيوعية في السابق - لها شبكة من الخلايا في العالم، وإنها كالشيوعيين تنظم المظاهرات السلمية).
لكنه يضيف بذكاء شديد قائلا: (على ان هناك فارقين بين الشيوعية والإسلام المسلح). فقد حدد هنتجتون بأن العدو الجديد هو القادم من بلاد الإسلام ولعله يعني به بكل تأكيد القادم من البلاد العربية وانه عندما بدأت حربها على الإرهاب كان معظم من اعتقلوا في أفغانستان من المسلمين العرب، فقد تحول الصراع من الأيدلوجي خلال الحرب الباردة إلى صراع ديني.
أما الفارقان اللذان عناهما هنتجتون:
1- أولهما: هو أن دولة عظمى دعمت الحركات الشيوعية, أما الحركات الإسلامية فتدعمها مجموعة من الدول الإسلامية المتنافسة والمنظمات الدينية والشخصيات الإسلامية.
2- ثانيهما: إن الشيوعيين سعوا في الماضي إلى تحريك العمال والفلاحين والطبقة الوسطى لتغيير النظام الرأسمالي وتحويله إلى نظام شيوعي.
أما الجماعات الإسلامية المسلحة فهي لا ترجو تحويل أوربا وأمريكا إلى مجتمعات إسلامية, وهدفها الأساسي هو إلحاق الأذى البالغ بهذه المجتمعات) (ص359).
ولم يكن هينتجتون وحده في هذا الرأي، بل سبقه ولحقه آخرون فمن سبقه منهم (برنارد لويس) الأستاذ السابق في دراسات الشرق في جامعة برنستون، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أخذ في إلقاء المحاضرات حول الإسلام حتى غدا المنظر المتميز لدى اليمين المحافظ الجديد في إدارة الرئيس جورج بوش في رسم السياسات تجاه الدول العربية/ الإسلامية بعد تلك الأحداث، وقد ساعده على هذا التميز تاريخه الأكاديمي العريق واطلاعه الدقيق على التاريخ العربي/ الإسلامي إضافة إلى إجادته لعدد من اللغات بجانب الإنجليزية والفرنسية، وهي العربية والعبرية والفارسية والتركية، ولعل كتابه الشهير (الإسلام وأزمة العصر) يكشف عن هذه الجوانب وقد أثار انتقادات واسعة من كثير من الكتاب العرب، وإن كان في بعض مواقفه يظهر قدرا من الموضوعية والحيادية تجاه الحضارة العربية/ الإسلامية في مثل وصفه للحضارتين الإسلامية والمسيحية بأنهما شقيقتان تعتمد كل واحدة منهما على التراث المشترك للوحي والنبوة الموسوية وعلى الفلسفة والعلوم اليونانية فبينهما من الملامح المشتركة التي تفصل بينهما الحضارات الأخرى في آسيا وإن كان في النهاية يجعل الحضارة الإسلامية اعتمدت على الحضارة اليونانية.
وعندما تحدث (برنارد لويس) عن فصل الدين عن الدولة في أوربا مقارنا بما هو حاصل في الدولة الإسلامية تحدث عن شخصية محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: (بأنه أقام العدل، وجمع الضرائب، وقاد الجيوش، وأعلن الحرب، وصنع السلام، وكان تأييد الله لقضية المسلمين واضحا خلال انتصاراتهم وإقامتهم إمبراطورية في هذا العالم).
فمن هذه المنطلقات يأتي دور النخب العربية من المفكرين والاكاديميين والمثقفين في نقل صورة الإسلام الحقيقي وليست التي ظللتها ظلال الأعراف الدخيلة فانحرفت بهذا الدين عن تعاليمه السمحاء وخرجت به دعوته الصريحة إلى التسامح والسلام إلى التخلف والإرهاب.
أما ما ذهب إليه أحد المفكرين العرب وهو الدكتور محمد الذوادي في مقالة له في مجلة حوار العرب (بأن الحوار مع الغرب مفقود بسبب عامل اللغة حيث ان معرفة لغة بعضهم البعض يأتي في المقام الأول لتحقيق هذا الحوار، وهذا ماهو مفقود لدى الطرف الغربي نخبويا وشعبيا، وعلى العكس من ذلك فإن النخب في العالم العربي/ الإسلامي لديها معرفة واسعة ومتمكنة بلغات المجتمعات الغربية وفي طليعتها اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية) (ص8).
فإن إتقان النخب العربية للغات الغربية التي أكد عليها الدكتور الذوادي فيها ما يحقق هذا الهدف لأن هذه المعرفة هي الأداة الأساسية التي تمكن العرب من توصيل ما لديهم إلى الطرف الغربي وعلى الجانب الآخر هناك بعض المستعربين الذين كتبوا ولا يزال بعضهم يكتب عن الحضارة العربية وعن الدين الإسلامي بموضوعية وبتجرد من الواجب أن تقوم مؤسساتنا الثقافية والفكرية بالتواصل مع هذه الشخصيات التي تملك المصداقية للحديث عن حضارتنا وعن ديننا الإسلامي في مجتمعاتها.
ففي هذه الحالة لا يكون فقدان اللغة لدى الجانب الغربي عاملا معوقا ما دام الطرف العربي يتقن لغاتهم، إنما المهم هو أن ينعم هؤلاء المثقفون والمفكرون والأكاديميون العرب بقدر واف من الحرية، وأن يزداد إدراكهم بأهميتها حتى تمكنهم من إجراء دراساتهم وتحليلاتهم فيما يتصل بالدين وما يتصل بالسياسة دون أن تضيق صدور أصحاب السلطة ومن بيدهم القرار، بل العكس أن يقدموا الدعم اللازم للقيام بهذه المهام الجليلة، وأن لا يوكلوا بها إلى المدعين والمتطفلين على العلم وعلى الفكر والثقافة في مجتمعاتنا العربية، ممن أدخلوا في قناعات أصحاب السلطة بأنه لا يوجد من المفكرين والمثقفين والأكاديميين إلا هذه البضاعة الفاسدة بسبب تزلفهم ونفاقهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved