الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 15th May,2006 العدد : 153

الأثنين 17 ,ربيع الثاني 1427

الأقلام الأنثوية متهمة بخطيئة الكتابة حتى إشعار الاستعلاء الذكوري

*ميرغني معتصم:
(..حتى إذا تيقنت من خصبها وتحصّنت بذرة العلوم والحكمة والفن بحصنها.. قامت الأميرة فخرجت للناس.. وأعدَّت للقياهم دائرة الصرح المُمرَّد بأن دعت من عزائمها وأساطين الهندسة والحساب والفلك، فاختارت للصرح تاريخاً للوجود، ومساراً بين الأفلاك والكواكب فلا يصطدم إلا بكواكب سعده مُجتنباً مهابط النحس. وسكن في الغيب القديم من تجليات الشعر واللون والرقش..)
(1)
لست أمام تقويضية معرفية، أو اقتحام تابوهات محظورة بقدر الانشطار الحميم بين ذوات مبدعة تقف طويلاً أمام حواجز ال (Gender)،.. أوأنهن العيب يسعى على قدمين....
ولست بتلك المباشرة عن ذكورية ونسوية الأدب،.. أوالركون إلى النهايات المفتوحة،.. بل حين تلفظ الثقافة الذكورية أي افتراض لزمن يعلق دوافع وآليات منجز الآخر،.. وتراه بمنظور طبقي،.. رجل- امرأة،.. وأنه ضرب من الكتابة الرأسية التي لا تتجاوز وعاء الجسد، أوالبديل الناجع عن الإصابة بالجنون... ولست بمستطرق أواني مشهدية القيادة والانقياد،.. بقدر تقريرية التوازي الأدبي، وإنسانية الخط العام دون شرائع المجتمع الأبوي الذي يكتب بسيكولوجية الماضي المنتج للنص الفردي.
ولست بصدد تكريس جدلية ريادة زينب فواز وشراك روايتها (غادة الزاهرة)*1 ، وأنها أول جنين للرواية العربية كجنس أدبي له خصوصيته،.. أوخطاب أنثوي مبكر،.. بل إن القلم النسوي يسير ويرحل بالمخزون في غبنه وهضمه بعيداً عن المعنى المتأصل للتجربة الذاتية،.. مفسراً لمن تكتب أوتقول (نكتب .. نبعث بما يشبه تلك الرسائل التي تودع زجاجة وتلقى في مياه البحر،ولوكان المرسِل مستتباً في يأسه الكامل لما أرسلها،إنه على الحافة،على السبيل الذي يجعله بين صورة القعر.. وصورة عينين تقرآن)..
(2)
نلمس قروح الكاتبة الجزائرية جميلة زنير وهي تصف انتحار الشاعرة صفية كتو: الموت المأساوي رسالة احتجاج قاسية اللهجة من ذات كاتبة أنثوية عانت القهر والقمع الاجتماعي،.. لا لشيء إلا لأنها متهمة بخطيئة الكتابة.
قد نذهب إلى أن كتاباً كثيرين انتحروا من أجل قضايا وطنية أوسياسية- فلماذا يجب اعتبار انتحار (كتّو) رسالة احتجاج على أنوثتها المهدرة ذلك أن المختلف بالنسبة للمرأة الكاتبة هوأنها تحارب من أجل قضيتها التي هي قضية نصف الاستعلاء الذكوري،.. فزنير كانت تكتب بمواربة وداخل منفاها الذاتي،.. وحين يحاصرها القمع من الأسرة إلى المجتمع القبلي الذي يمارس عليها قمعاً آخر أشد وأقسى: عدم الاهتمام بما تكتب،فهو لا يشجعك،لأنه يرى هذه الأشياء ضرباً من العبث وتدخل في خانة ال ( لا يجوز).
ولعل هناك ضياعاً عمدياً متناهياً في السر، فألف ليلة وليلة،.. وكتاب يوحي بأنه حكايات نسائية في أصلها، وعند التوثيقية والتدوين طالها الذي يتواصى ويحرِّف،.. يد الرجل أوالرجال المدونين،وتحولت القصص من خطاب نسوي شفهي إلى مدونة مشوهة اختلط فيها صوت الأنثى بصوت الرجل،فاختلطت الأساليب والحبكات حتى صار العمل كتاباً عن المرأة وضد المرأة في آن *2 وإذا كانت المسافة الزمنية بين شهرزاد الأصل وشهرزاد التي ظلت معيارية، مسافة طويلة غاب خلالها التدوين الأمين لحكاياتها فرُشقت بالحواشي،فإن ما تكتبه المرأة اليوم يخضع لنوع جديد من التشويه،ألا وهو التأويل أوالقراءة الخاطئة للنص،فمعظمنا قراء ومتورطو النقد نفكر من خلال تلك الفروق بين الجنسين،فنتعاطى النصوص الأنثوية على أساس هذا الوصف،ومنذ البداية نقتفي آثار الأنثى في النص،فتتحول القراءة إلى تشريح جسدي لا إبداعي،ثم تأتي الوقفة المجابهة لكل فكرة تعبر عن وجع المرأة في مجتمعنا إذ يدخل القارئ (الرجل) نص المرأة من موقع الهجوم،مدججاً بمفهوم مسبق: أن هذه المرأة التي كتبت قد أخذت حقا ليس لها بممارستها الكتابة، ومن وراء هذا الرتاج تتكون مجموعة من التهم-التي يعرفها في سلوكه- ويجدها في النص فيقرأ كرافض لما كتب،لا كمرحب لإبداع المرأة.
(3)
إن لم يستو لدينا الظن أن المرأة لم تنسلخ بعد من رومانسيتها، وهي قدرها، فلن نصبح أمام حاجز أن قلمها بلغ نضجاً تكوينياً، بلغ بها حد الالتصاق بالنهايات المقصودة. وإن تواطأت الباحثة م. سعيد مع المصطلح، يظل سؤال الهوية في الادب الأنثوي محوراً إجرئياً، بافتراش جوهر الأدب العام ، صاغه رجل أوامراة، لا يختلف في وصفه عملاً إبداعياً يتعدد ولا يحتمل معنى واحداً نقف عنده، وكل الأعمال الروائية تحتمل رصد رؤية جمالية ، بيد أن حذافير المعنى تمتد إلى ما وراء النص لتحتوي سجال إلغاء وإقصاء الآخر، كما أن سلطة المعنى المحتفظة بجدليتها تقع خارج هذة العل اقة إذا وقعت على محك اختبار خصوصية المعنى وسمة التأويل الاجتماعي وفق رؤى ويليام رايز، وهنا تبرز اشكالية الهوية في الأدب الأنثوي.
إن ما يشير إلى هوية هذا الأدب فضفاض جداً، ويشرع التأويلات أمام مسارات متعددة ولا نهائية للتفكير، فضلاً عن تعدد المرجعيات. والأقلام النسوية العربية تواجه، بوصفها أنثوية، سؤال الهوية على مستويات عدة في الشخصيات الذكورية وأزماتها، وفي تحديد لونيتها داخل مجتمعات تتقاطع فيها أزمات الهوية وتحديدها. في البدء كانت الجنسوية لدى الحركات النسائية تدور حول طبيعة المرأة، وكان الإملاء حاداً على عقلانية المرأة. وتطور الفكر النسوي في القرن العشرين، حيث استحدثت سيمون دوبوفوار مفهوم الجنسوية، لتحفر خندقاً أكثر ظلاماً وتعقيداً،فهناك مفارقة لافتة،.. فرائدات الفكر النسوي استندن وانطلقن فكرياً عطفاً على طروحات مفكرين رجال.
فإن ظلت السلطة دائماً تتمركز داخل جماعة تصر على الآحادية والتهميش، فالبنية التحتية للمجتمع الأبوي المتحدث عن مركزية الكلمة الذكورية والمنطق الذكوري الذي لا يستوعب إلا الخطاب واللغة المماثلة ويكتسب إيجابيته من إضفاء السلبية على الآخر المغاير. *3 هنا تعمد هذه الثقافة الفوقية في جوهرها، بوأد كل بذور تنبئ باختلاف ولويسير. وبما أن الثقافة في مضمونها لا تسمح بالاختلاف والغيرية، فيقيناً سوف تقاوم أي إمكانية تفرد خطاب معرفي نسوي يتجلى في النقد والإبداع. فقيام خطاب أنثوي من شأنه في البداية تحطيم الخطاب السائد وهذا ما تخشاه السلطة الأبوية التى استقر لها الحال في تهميش صوت الآخرين وممارسة قوانينها السلطوية عليهم.
***
هوامش
من رواية مسرى يارقيب لرجاء عالم.
*1 زينب فواز، مصرية (1860- 1914) يحتدم الجدل أن روايتها (غادة الزاهرة) هي بداية تاريخية لظهور الرواية العربية.
*2 الكاتبة فضيلة الفاروق.
*3 الباحثة م. سعيد
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved