لقاء على جسر الوداع
عبد العزيز حمد الجطيلي*
|
سيدتي..
لك أن ترحلي بعيداً من هنا
عن نزيف جرحي.. وعتمة ليلي... وحفيف رياح الحرمان حولي..
دعي الصمت لي وحدي... قلبي الوحيد يساجل زحمة المشاعر في خاطري.
أنا.... أنا في أدب الرثاء رواية تبدأ من نهايتها... مثل حروف الهجاء سيدتي...
في الرواية أحلامي (الياء)... سعادتي (الياء)، لكنها الرواية التي نزف فيها خاطري مع كل سهم أصابني...
أنا... أنا في فن الغناء... لحن من الحنين... وهديل حمامة تحت دفء جناحيها صقيع ألفة من الحرمان.
أنا في كل ليلة أحمل قيثارة الأيام وأتسكع في مدن الضياع ومع كل خطوة حائرة أنين وتر.
سيدتي...
لك أن ترحلي من هنا
في دفتر واجب النحو كتبتُ...
كان الحنين..
ليت الحنين..
الحنين مرفوع... أم منصوب لا يهم، سيظل الحنين إليك سيدتي ساكناً خالداً في عرين ذاكرتي وقلبي.
لك أن ترحلي من هنا.. بعيداً عن أقصوصة الحزن الكبير..
هل تذكرين.. أنا وأنت!!؟
أنا وأنت على جسر ليل الشتاء التقينا..
أضاءت شمعتنا شمس من نهار منتصف الليل ليكون الدفء بيننا.. والضوء لنا..
وعندما حاولت أن تقايضيني ذاكرة بذاكرة أبقيت ذاكرتي لي بعد أن أصبحت جزءاً في ذاكرتي..
أتذكرين... حين تقاسمنا الرغيف معاً!!؟
آه.. عندما كنت تأتين إليَّ عبر جسر الليل باكيةً كنت أنا أمسح دمعتك، وحين تهدئين أبتسم باكياً لأجلك فرحاً..
آه.. وعندما كنت ألقاك أنا متعباً يسكنني الضجر ويزيد الصمت من كبرياء جرحي..
كنت يا أعز النساء تهدهدين شيخوخة ألمي وتضيئين في سماء خاطري قمراً..
وفي أعماقي ترسمين غيمة تمطرني فتنطفي عتمة الجرح وعطش الجرح بضوئك ومطرك..
حتى خاطري يأتي إليك وكل براءة الأطفال فيه
طفل وديع يتمتم في مسمع قلبك بكل آهاته وشكواه..
وكنت أحمل معي أوراقاً كتبتها لك قبل اللقاء.. وأقرؤها عليك، ومن ثَمَّ كنت أسألك: ماذا قلت أنا لك حين كتبت!!؟
يا أعز النساء أنت!
لك أن ترحلي بعيداً من هنا الحبر كان بيننا.. الدمع كان بيننا
رسائلنا.. عتابنا.. حنيننا.. كان بيننا
لقد عشقت تفكيرك الصعب وأفكارك البسيطة
صور كل واحد منا مع قسوة أيامه كانت بيننا
وحين كنا نبصرها معاً.. نعيد قراءة مشاهدها معاً..
نصبح أنا وأنت داخل الإطار معاً
نبارز في سيف بوحنا صمت أحزاننا
سيدتي
لك أن ترحلي بعيداً من هنا
كم عبرنا أنا وأنت جسر الليل إلى خريطة واسعة
العالم فيه كان لنا.. بكل مدنه وبحاره وأنهاره لنا..
بكل عصافيره وبساتين الورد والزهر لنا
حتى الحب فيه.. يثير دهشتنا
لأننا كلما حاولنا أن نكتبه وجدناه يا عزيزتي يكتبنا
آه يا أعز النساء أنت!!
لك أن ترحلي من هنا!!
حتى وإن تألمت أنا.. وإن توحَّدت أنا.. وإن تهتُ أنا!!
إن كل حرف ومعنى فاض به نهر عطائك.. سيكون في ليل البعد الطويل صباحاً من لقاء.
أنت من أبكتني كثيراً حتى تعلمت فن البكاء.. فأعجب الآخرين بكائي
لذا أهديتك يا معزوفة الصمت أزيز خاطري
لذا أهديتك يا أشجان أيامي نزف خاطري
لذا أهديتك ارتعاشة قلبي حين يرسم لوحة الإنسان داخل الإنسان
لتكون أوراقي مع أساورك وعقد اللؤلؤ وأقراط الذهب.. وخواتيم يديك
ارحلي من هنا.. كي لا تعيشي معي ألم البقاء
ارحلي.. فأنت باقية في أعمق أعماقي
ولحظة الوداع سيدتي لا تشفقي على شقيق ذاتك
أنا معك ومنك تعلمت أن منحل الأيام يهبنا أزيزاً مفزعاً.. ووخزاً حاداً.. وعذوبة تذيب مرارة أيامنا
وأنا لا أريد أن تكون نحلة عمري.. تبدِّد سكون وهدوء ليلك بأزيزها.. ولا أن تدميك بوخز إبرتها الحادة
لكنني أبقي معك في أحشاء منحل الأيام عسلاً... لأجلك أنت وهو لك وحدك.
يا أعز النساء...
حروفنا... حرفي وحرفك عالمنا الصغير
كم أظلتنا الكلمات عن الشمس المحرقة وارفة الظلال كنخيل عنيزة.. وأهداب غضا عنيزة
ارحلي من هنا.. بعيداً عني!!!
ارحلي... فأنت باقية معي... نبض قلبي...
ارحلي... فأنت الفكرة في ذاتي وأنت خاطري وهاجسي الجميل
فأي رحيل هذا وأي سفر وأنت جزء من ذاتي!!؟
يا سيدة النساء أنت على جسر الوداع...!!!
أتخيلك.. في مطية الرحيل
حقيبة سفرك خالية!!
خالية من اسمي وجرحي وبعض طلاسم حرفي
لا أظن يا سيدة الوفاء أنت... أني في أعمق أعماقك
نحن هنا على جسر الوداع عندما نحاول الفراق نلتقي.. قلب يحضن قلباً...
وفي خيمة العفاف والطهر تتوسد الألفة الألفة..
عازف الصمت... ومعزوفة الصمت هنا
هنا.. على جسر الوداع أقصوصة اللقاء إلى الأبد
هنا.. على قلبي وشم حرفك في ليل بعد مضي (كلما أبعدتني الأيام زدت اقتراباً منك)
سيدتي..
قسماً بربي.. إني لا أريدك أن ترحلي
فابقي معي... حتى وإن تدلل الجرح على الجرح
فأنت لي وأنا لك.
قطرة الوداع:
يا سيدة قلبي أنت...
سهمك أصابني... فأوجعني كثيراً...
ولكن الخوف عليك أكبر من ألم منك!!
بت أخاف أن تتألمي لجرحي.. لذا كلما تذكرتِ
أهديك خيالي ليقول لك: يا قرة عيني، إني قد صفحت وقد نسيت!!!
* عنيزة
ayamcan@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
