الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th August,2005 العدد : 118

الأثنين 10 ,رجب 1426

قصة قصيرة
مواجهة
عبدالله سليمان الطليان
شبحه منتصب وسط الغرفة كتمثال منسي كساه الغبار والتراب، ترك العالم الخارجي وانقطع عنه محصوراً بين قطع من الأثاث البالي المتناثر هنا وهناك في فوضى تشبه ساحة توقفت فيها معركة يعود إليها مجبراً للبحث عن حماية من عوامل الطبيعة والنظرات القاسية التي ما ان يغادره إلا وتهجم عليه تلاحقه بشدة يغلب عليها الفضول ترسم بدقة هيئته ومظهره تولد في داخله شعلة من صراع لا تخمد إلا في التواري والانزواء فيلوذ أحيانا وبافتعال منه بركن أو زاوية حتى يشعر بأنه أصبح وحيداً ليعود في رحلة طلبه في خطوات بطيئة ومتوجسة وبصمت اختاره لكي تظل لغة الكلام مقيدة ومكبوتة لأنها تفصح عن خلل في نطقها فتزيد في غرس سهم الألم أكثر فكان الهروب من المواجهة وإخفاء جزء من الحقيقة كي لا تتحد مع شكله الخارجي فتأسره إلى الأبد وتعيق قيامه بنفسه وتنزع منه المقاومة المتبقية لديه في هذه الحياة فكانت العزيمة والإصرار تمسك بجذورها في داخله بشدة لتقول له تماسك وتجلد لكي تعيش، تغلب على حالتك.. يسري ذلك الصوت في كيانه فيعطيه طاقة تجعله يحمل سيف الدفاع عن نفسه في نزال يحاول كل مرة ان يخرج منه منتصراً.
جاءه الموقف مصادفة ودون قصد منه وهو يشق طريقه بخطواته المعتادة في رحلة العودة إلى مأواه ان مر بجانبه رجل يحمل متاعا سقط بعض منه فالتفت وأخذ يصيح للرجل بشكل متقطع الذي قفل عائدا إلى حيث سقط جزء من متاعه فاقترب منه الرجل والحذر باد عليه.. فأشار بيده اليسرى التي برزت من كم ثوبه المتسخ، نسي عن حالها فبدأت يده مشوهة لا تحوي إلا إصبعين فقط.. وقد سارع إلى إخفائها.. تقدم الرجل وأخذ يلتقط متاعه ونظراته مسددة إليه يتمعن في خلقته.. خرجت منه كلمة الشكر وهو في تفحص وتدقيق لذلك الوجه الذي علاه التشويه فبدا بعين واحدة مع أنف كبير إلى شفاه مشقوقة من الجنب تبرز إلى الأمام بشعر منفوش وأغبر.. أحس ومن خلال نظراته انه لايتحمل الاشفاق والعطف التي تبددت وانقشعت عندما ترك الرجل متاعه ومد يده إليه مصافحا فكانت بمثابة مطر نزل في صحراء طال جدبها لتنتعش من جديد وتكتسي بأزهار الأمل.
هل تعيش هنا؟ سأله الرجل.
فأجاب بتلعثم: نعم.
هل تعمل؟
خرجت الإجابة بشكل متقطع ممزوجة بمرارة غائرة: كيف تريدني ان اعمل وأنت ترى حالي.
دلني على أحد يتقبلني وأنا في هذا الوضع.
لا تدع اليأس يتسرب إليك فيرميك نحو هاوية التشرد الذي ينقض عليك ويكبلك فتبقى تحت رحمته مطاردا بأعين الشفقة وأحيانا السخرية أينما ذهبت تعيش في عوز وحاجة ومساعدة.. لا تستسلم انك لست الوحيد في هذا العالم الذي نزل إليه القدر فهناك الكثير الذين أعلنوا التحدي وهم في أسوأ من حالتك.
راحت كلمات الرجل تسري في جسده مثل النار التي تشتعل في الهشيم وأصبحت تزيد في طاقته، أزالت قشور الأسى والإحباط التي كانت تغلفه.. أوجدت منه إنسانا آخر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved