الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th September,2003 العدد : 28

الأثنين 18 ,رجب 1424

الطريق المستقيم للإصلاح الحكومي
علي محمد العمير

أعتقد يقينا أن صاحب السمو الملكي الأمير (نايف بن عبدالعزيز) من خيرة المتفهمين جيداً، وبعمق متوغل لحقائق الأوضاع في بلادنا، ومجتمعنا، وبخاصة من الناحية الدينية، والفكرية، والثقافية، ومدى التضارب، أو التنافر بين اتجاهات الرأي.
وفوق ذلك يعتمد سموه دائماً نهج المصارحة، والمكاشفة في شتى تصريحاته، وأحاديثه الإعلامية، وغير الإعلامية رغم كون موقعه المتقدم في المسؤولية، أو الحكم.. يلزمه بالضرورة أن تكون صراحته متحفظة إلى حد ما حيث ليس كل ما يعلم يقال.. فضلا عن كون السياسة لها مطالبها في هذه الناحية بالذات!!
***
ولكن سموه الكريم يعلم أن السياسة الحكيمة ذات المبادئ النزيهة لا تضيق صدراً بنهج المصارحة، والمكاشفة.. بل تتطلب ذلك في أهم الحالات، وهو ما يفعله سموه تماما حيث لاشك أنه قد أدرك جيداً أن ما كان سائداً من تكتم حكومي على بعض المسائل ذات الأهمية لسبب، أو لآخر.. لم يعد صالحاً، أو منسجماً مع المتغيرات الجديدة التي أدت إلى انتشار الشائعات، والأراجيف.. بل الأكاذيب الخ.
وليس لكل ذلك كما أدرك سموه من علاج غير طرح، ونشر الحقائق المهمة، وإعلانها لقطع دابر الشائعات، والتأويلات، والبلبلة!!
ولا مراء في كون ذلك هو الأسلوب الصحيح الذي ينبغي أن يكون من بين أهم المرتكزات الإعلامية، والسياسية أيضاً وفقاً لما تتطلبه المتغيرات.
***
وحيث أحتفظ بجذاذات لبعض والنصوص التي تهمني، وفي مقدمتها عدة نصوص مهمة جداً، سبق أن انتزعتها من مقابلات، وتصريحات لسموه.. أكتفي منها هنا بثلاث فقرات صغيرة جداً، ولكنها تثبت، أو تؤكد ما قلته آنفا عن اعتماد سموه نهج المصارحة، والمكاشفة!!
«أستطيع أن أقول: أنه للأسف إلى الآن لم يكن هنالك استراتيجية فكرية، أو أمنية فكرية تواجه هذا الخطر» يقصد خطر التشدد، أو التزمّت باسم الإسلام، وليس منه في شيء.. أو كما قال عنه سموه بالنص: «الفكر المتزمت المتحلي بالعنف، وإشاعة الكره بين الناس، وخلق العداء بين شرائح المجتمع، وتكفير الناس، والتحريم، والتحليل دون دليل».
ثم يضيف بالنص أيضا:
«فطالما أن هذا الفكر موجود .. فالخطر موجود»!!
***
تلك فقرات موجزة، مركزة للغاية، ولكنها على جانب كبيرجداً من الأهمية، والدقة، والصواب، والسداد.. حيث الحقيقة أنه قد حصل، ومازال يحصل الكثير من التساهل الحكومي مع هؤلاء، وأمثالهم!!
والسبب دون شك هو ما يمكن تسميته «الحساسية الدينية» وما تبعثه من حرج سواء لدى الحكومة، أو لدى السياسة الإعلامية، أو لدى أهل الرأي، والفكر، والثقافة.. أو حتى لدى الكتاب في مختلف الوسائل!!
بل كذلك (كبار العلماء) يجدون الكثير من الحرج مع أناس يتحدثون باسم الدين، ويرددون: قال الله.. قال رسوله.. رغم ما هم عليه من خطأ فاحش في الاستدلال، والتأويل، واعتساف النصوص، ولكنهم غالباً لا يجاهرون بذلك أمام العلماء.. بل ينشرونه، وغيره بين عامة الناس، وجهالهم باسم ما يزعمونه من «الدين الصحيح» رغم كونهم أكثر جهلاً بالدين الصحيح، وإنما يهدفون إلى بث «الفتنة» بالكيد، والدس، والانتهاز للنزعات الدينية الجاهلة، الساذجة!!
***
والأدهى، والأطم أن هناك غير قليل من العاملين في جهات حكومية دينية رسمية على جانب كبير من الجهل، وبالتالي «التشدد» و «التزمت» ومجافاة الناس، واستخدام «الجفاء» غير الواعي الذي يبعث على نفور الناس، واستيائهم!!
ولكن هؤلاء، وأمثالهم مصيبتهم، أو مصيبتنا معهم هو في جهلهم فحسب، ومن ثم سوء فهمهم الشديد لمهام وظائفهم الدينية، دون أن يكون لديهم توجه معين، أو أي إدراك لما تؤدي إليه ممارستهم الجاهلة، وتحليلهم، وتحريمهم، وشدة إنكارهم لما ربما لا يستحق الإنكار أصلا.
لا يدركون بسبب جهلهم ما يؤدي إليه ذلك من نشر للبغضاء، والفرقة، والتنازع حتى في الدين نفسه.. فضلا عن غيره!!
وهكذا يقوم هؤلاء دون وعي أو قصد بأشد مما يقوم به أصحاب الأغراض، والأهواء، والفتن!!
ومعالجة أمر هذا النوع من المنغمسين في أعماق «الجهل» و «الانغلاق» و«التزمت» أصعب بكثير جداً من معالجة ذوي الخطر الصريح، أو المبطن، أو المدسوس!!
***
ولذلك وغيره أشعر دائماً كما قلت في مطلع مقالي هذا بإجلال كبير علم الله لشخص الأمير نايف، وفكره، واستنارته، وعلمه الدقيق بحقائق الأمور لدى مختلف مستويات شعبه.. وأشعر أيضاً أن شدة صراحته في هذه الناحية بالذات، رغم حساسيتها إنما تعبر في الحقيقة عن هول معاناته كمسؤول كبير جداً من هذه الأمور وأمثالها.. ولذلك يؤكد سموه بكل حزم، وحسم على ضرورة «مواجهة هذا الفكر المتشدد، والتعامل معه بحزم، وبذل الجهود لتصحيح مفاهيم الناس عنه، وعن حقوق الوطن، وعن الصواب أين يكون».
ثم يعترف سموه بوضوح كامل، وصراحة شديدة حيث يقول بالنص:
«لا أستطيع أن أقول أنه للأسف لم تكن هناك استراتيجية فكرية، أوأمنية فكرية تواجه هذا الخطر»..
تلك هي والله غاية الصدق مع الذات، وغاية ما يمكن من مصارحة للشعب بمختلف فئاته، واتجاهاته، وبخاصة الاتجاهات المستنيرة الواعية. وفي هذا وغيره من تصريحاته، ما يدل دلالة واضحة على أن الحكومة قد شرعت.. بل توغلت في مراجعة متوسعة مع الذات، واكتشفت بالتالي غير قليل من الأخطاء، أو التقصير في الأداء الحكومي السابق، وخاصة من ناحية تساهلها، أو بعض تسامحها في أمور كثيرة، وبالذات في مجال بعض التوجهات الدينية، أو المتوشحة بالدين، وما تمارسه من تشدد، وتنفير، وانغلاق الخ.
***
ولاشك أن بعض المؤسسات الدينية بما فيها بعض المؤسسات الحكومية قد وقعت، ولا تزال تقع في أخطاء كثيرة بالنسبة لبعض ممارساتها، وما تمنحه لنفسها من صلاحيات واسعة، وسعة نفوذ بصفة مباشرة، أو غير مباشرة على وسائل الإعلام والثقافة، والفكر.. بل المصادرة الكاملة أحياناً لحرية التعبير، وهي المكفولة شرعا، ونظاما إلى غير ذلك حتى فيما لا علم لها به.. أو أيضاً لا شأن لها به.. بل هو شأن، واختصاص جهات حكومية أخرى ذات مستويات عالية.. بل حتى مستويات وزارية.. كما هو المعروف عند الجميع!!
والغريب المؤلم أن كبارالمسؤولين في الجهات الحكومية الدينية، وأيضاً كبار العلماء يعرفون حق المعرفة.. كل ذلك وغيره من أمثال جهل كثير من خطباء المساجد، ورجال الإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. او غيرهم، وغيرهم!!
ولكن كبار المسؤولين والعلماء، يواجهون مشكلة كبرى من ناحية قلة المؤهلين حقا للوظائف الدينية ذات المجالات المتعددة، والمهمة جداً.. وهذه هي غاية الصعوبة التي ندركها جميعا، وندرك معاناة كبار المسؤولين من ناحيتها!!
***
ولكن هناك خاصة في السابق بعض الظروف التي أدّت إلى هذا الاستشراء غير المقبول، لعل أهمها كون الكثير من الجهات الدينية الرسمية، أو غيرها تفتقر في كوادرها إلى المؤهلين حقا لمهامها، وأسباب ذلك معروفة منها مثلا، تدني الرواتب.. حيث راتب (عضو هيئة الأمر بالمعروف) على سبيل المثال لا يمكنه جذب أعضاء على جانب مناسب من التعليم أو التأهيل المناسب!!
***
ولذلك نجد الكثير جداً من «الجهلة» أو من ذوي العلم القليل جداً بين صفوف «الهيئة» أو غيرها من نحوها.. بينما مهامهم الوظيفية تحتاج إلى علم، ونباهة، وإدراك مميز، ومعرفة ولو إلى حد ما بمقاصد «الإرشاد» أو أساليب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبخاصة جوانب «الحسنى» أو«اللين» في مخاطبة الناس.. أو غير ذلك من رقة، أو حسن توجيه، كما يفعل رسولنا صلى الله عليه وسلم نفسه، أو كما فعل كبار صحابته مما هو معروف.
أما من يجهل كل ذلك، أو حتى بعضه.. فلابد حتما أن تصدر عنه الكثير جداً من الأخطاء الفادحة.. بل «التشدد» أو «التزمت» أو على أقل تقدير مجانبة الصواب في أكثر تصرفاته المتعلقة بطريقة ممارسته لعمله!!
***
وقد أدّى ذلك كله.. بل أيسره إلى ضيق الناس، وتأففهم، وانزعاجهم.. بل واستنكارهم للكثير من التصرفات السقيمة، العقيمة، الناشئة عن الجهل، وضيق الأفق!!
وقد أسلفت القول، أو أشرت في ثنايا مقالي هذا إلى مدى جدية الحكومة.. بل شروعها في غير قليل من الإصلاحات، سواء في المجال الديني، وهو الأهم، أو غيره من شؤون السياسة الشرعية، أو سياسة الحكم الداخلي، أو الخارجي.
ومما لا شك فيه أن مسائل «الإصلاح» لابد منها بالضرورة بين كل حين وآخر.. ليس بسبب أحداث، أو ظروف بذاتها فحسب.. بل إن الإصلاح المستمر «ضرورة حتمية» في كل زمان، ومكان!!
وللإصلاح كما لغيره أولويات، وتدرجات دقيقة، تكون عادة وفقا لبرامج زمنية، وإمكانيات مادية الخ.
***
ولذلك أعتقد جازما أن «الإصلاح» المتعلق بوضع الشأن الديني في بلادنا، وتقويمه، وجعل كل ناحية منه في موقعها الصحيح.. بالأساليب الصحيحة، يحظى.. بل يستوجب أولوية سريعة دقيقة لكي نتفادى سريعا ما حصل من أخطاء سابقة أدت إلى غير قليل من المشاكل المزعجة، سواء بالنسبة للحكومة، أو المجتمع!!
ومن المعروف أن الأساس في أي إصلاح هو «الاعتراف» أو «المعرفة الكاملة لما حدث من أخطاء» .. ومن ثم العمل على تفاديها، ووضع الوسائل الكفيلة بعدم تكرارها.. أو حدوث غيرها في المستقبل!!
***
ومن هنا كان ما أشرت إليه من إكبار، وإجلال لسمو الأمير نايف وهو رجل حكم على مستوى عال ، وما يردّده على شعبه من تصريحات، ومكاشفات، لا تنقصها جرأة الاعتراف بحقائق القصور في بعض نواحي الأداء الحكومي.. ثم تأكيداته الصارمة على العزم الفعّال على إجراء إصلاحات حكومية، واسعة النطاق، على أعلى مستويات مسؤوليةالحكم.
ولا شك أن طريقة سموه في كل ذلك وغيره هي «الطريق المستقيم تماما» لكل عملية، أو عمليات إصلاح من أي نوع!!


ص.ب 8952 جدة 21492 فاكس 6208571
alomaeer@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved