الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

العبودي .. الباحث الاديب
د. أحمد بن محمد الضبيب
عرفته أول مرة دون لقاء عندما أصدر القسم الأول من كتابه: (الأمثال العامية في نجد)، كان ذلك في أواخر الخمسينيات الميلادية، وعلى وجه ا لتحديد سنة 1959م. كنت حينذاك في مصر على وشك التخرج من جامعة القاهرة، وقد اشتريت الكتاب وضممته إلى مكتبتي في 11/2/1960م، على ما سطرته آنذاك في صفحة العنوان، وزدت على ذلك بأن قمت بتجليده وذلك شأني مع الكتب التي تهمني.
كان الشيخ آنذاك مديراً للمعهد العلمي في بريدة، ولم أكن أعرف عنه شيئاً لكن كتابه الرائد كان بالنسبة لي فتحا جديداً فلأول مرة تجمع أمثال هذه المنطقة، وتفسر ويوازن بينها وبين ما ورد في التراث القديم من جهة وما يدور من أمثال في البلاد العربية الشقيقة من جهة أخرى، وكان أسلوب الكتاب رصيناً ينحو إلى إثبات الوشائج بين لهجة أهل نجد وفصيح العربية، كما كان المؤلف حريصاً على إيراد الشواهد الشعرية والأقوال المأثورة التي تستمد منها تلك الأمثال أو تدخل ضمن إطارها الثقافي. وباختصار كان عملاً مميزا بين كتب الأمثال العربية المعاصرة، ولذلك فقد قرأته آنذاك باستمتاع، وعلقت على بعض صفحاته، ومن تعليقاتي أنني لم أوافق المؤلف الكريم عندما انتصر لرأي الأصمعي ففضله على رأي أبي عبيد البكري في تفسير المثل «سمنكم في أديمكم» فقد فسر الأصمعي الأديم بأنه: الجلد، بينما رأى البكري أن الأديم: هو الطعام المأدوم قلت ويؤيد ما ذكره أبو عبيد أن المثل في الحجاز: «سمننا في دقيقنا» وبهذا يكون للمثل معنى ومضربا واضحين.
لم يكتف الشيخ بهذا الجزء الذي أصدره من عمله المتميز الذي ضم 1000 مثل مرتباً حسب حروف الهجاء، وإنما رأيناه فيما بعد يتابع نشر «الأمثال العامية في نجد» في مجلة «العرب» ابتداء من المجلد الثاني، ثم أعاد الشيخ إصدار هذا العمل كاملاً فجاء في خمسة أجزاء بلغ عدد أمثالها 3000.
هذا العمل الذي أحسبه الأول للشيخ العبودي كان خير تقدمة له في عالم الكتابة والتأليف، فقد عرفناه فيه باحثا مدققا رصينا، وهو أمر قلما نجده في الأعمال الأولى للمؤلفين، كما عرفناه ظريفا واسع الاطلاع يتمتع بروح أدبية عالية.
وتصدى الشيخ العبودي مرة أخرى لقضية ريادية كبرى، هي تأليف المعجم الجغرافي لمنطقة القصيم، في إطار المشروع الضخم الذي نادى به العلامة حمد الجاسر لكتابة المعجم الجغرافي للمملكة. فأصدر ستة أجزاء في هذا العمل الضخم بنى مادته فيها على الخبرة الميدانية فجعله معجماً حيا يعتني بالموجود المذكور من المواضع في هذا العصر، أما المعلومات التراثية حول الموضع فتأتي في سياق المادة لكنها ليست الأساس في بناء هذه المادة. وبذلك يخالف العبودي خطة العلامة حمد الجاسر في التركيز على المعلومات التراثية ورد الموضع إلى اسمه القديم المذكور في كتب التراث.
ويبدو العبودي أديبا نابها دقيق الملاحظة، جميل الأسلوب من خلال ما كتبه في أدب الرحلات فقد أصبح بحق ابن بطوطة هذا الزمان بما أصدره من عشرات الكتب التي وصف فيها البلدان ما زاره من بلاد العالم في مهمات رسمية، فكتب عنها بعيداً عن الأمور الرسمية بعقل متفتح ونظر فاحص، ناقلاً إلى قارئه كل طريف وغريب من عادات الأمم التي زارها ذاكراً ممارساتها الدينية والاجتماعية، وملامح الحياة الأخرى، إلى جانب الوصف الطبيعي والجغرافي لتلك البلدان.
تلك في تصوري هي الأعمال الريادية الكبرى التي جعلت من الشيخ العبودي علما بارزا في دنيا الثقافة لدينا وللشيخ أعمال أخرى كثيرة بين تأليف وتحقيق، بعضها اطلعنا عليه، وكثير منها لم نطلع عليه، وإنما سمعنا عنه ولم نره، ولا شك أن جميع أعماله جديرة بالتنويه والدراسة.
مد الله في عمر رائدنا الشيخ محمد بن ناصر العبودي، ووفقه إلى العمل المثمر في خدمة العلم والثقافة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved