الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

الشيخ محمد العبودي وفكره التربوي
د. عبدالحليم العبد اللطيف

إن دراسة وإظهار سير أولئك الرجال ذلك الأنموذج الرفيع من أبناء هذا البلد العزيز يلقي ظلالاً رفافة «حية» بهية «وندية» عبقة وعميقة، وفي كل صفة من صفاتهم تتحقق سمة ذات قيمة ومعنى في حياة الأمة وخاصة الشباب الذين يفترض فيهم أن ينهجوا منهج الكبار ويتمثلوا طريقهم، وأنا هنا عندما أكتب عن فكر الشيخ محمد العبودي التربوي أجزم أن الجوانب الأخرى من سيرته العطرة ستغطى من قبل أصحاب الشأن وفرسان الميدان من الأدباء والكتاب وأصحاب القلم السيال، فالشيخ محمد بحكم مواهبه الكثيرة وعلمه الغزير والبصير أيضاً قد كتب وأطنب وأطرب في فنون عدة منها على سبيل المثال والتميز (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية بلاد القصيم وهو فذ في بابه، تحقق به الربط بين الماضي والحاضر، وقد تميز بشموله وسعة مباحثه كذلك كتابه النفيس معجم أسر القصيم الذي أصبح مرجعاً مهماً في بابه، ينهل منه الكبار، أما الأدب بفنونه المختلفة فقد لمع فيه وتميز خاصة أدب الرحلات حيث زار العديد من دول العالم موفداً من قبل هذه الدولة الرشيدة يحمل الخير والنور والعطاء الثر سواء منها ما كان وقت مسئولياته في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، أو في رابطة العالم الإسلامي، إن شيخنا الكريم قد نهل من معين علماء بريدة وارتوى خاصة وشيخه وأستاذه الأول سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد العالم النحرير الفطن اللبيب الذي لمع كثيراً في مجالات عدة وخاصة القضاء والتدريس، فكان الشيخ محمد من أميز طلابه وأكثرهم التصاقاً به هو وأستاذنا الكبير سعادة الأستاذ علي الحصين طيب الله ثراه، راجياً أن تتاح لي الفرصة بحول الله لإطلاع القارئ الكريم على فكر هذا الرجل أعني الحصين ووطنيته وحبه للعلم والتعليم وبذله والسعي الحثيث لتحقيقه، أما موضوع حديثنا اليوم فهو الشيخ الأستاذ محمد بن ناصر العبودي متعه الله بالصحة والعافية الذي كان بحق وصدق أنموذجاً حياً وفريداً في القيادة التربوية الصحيحة، وهي ما سأتعرض له الآن بحسب المقام فهو حفظه الله لم يتول القيادة التربوية بدون تربية علمية وخلقية وتزكية نفس بل مكث طويلاً تحت سمع وبصر وإشراف دقيق من قبل علماء أجلاء أمثال شيخه الأول عبدالله بن حميد رحمه الله ثم لما تولى القيادة التربوية في معهد بريدة العلمي أصبح أنموذجاً حياً، للإداري الناجح والقائد التربوي المسدد. كان مربيا قديراً أحبه طلابه وإخوانه وزملاؤه، غرس أثناء تلك الفترة غراساً كريماً نفع الله بعلمه ومواهبه القيادية الفذة ونصحه وتوجهه وتوجيهه شباب وطلاب معهد بريدة العلمي الذين هم الآن في أماكن مختلفة من أجهزة الدولة هذا، ولقد اقترن اسمه كثيراً بهذا المعهد بصفته أول مدير له وهو المؤسس بحق لهذا المعهد الذي نفع الله به البلاد والعباد وكان خيراً كثيراً وعطاءً متجدداً لا لمنطقة القصيم وحدها ولكن لأماكن عدة داخل البلاد وخارجها، هذا ولقد عرف عن شيخنا أمد الله في عمره الحزم والعزم والأمانة والإخلاص والمتابعة الجادة والمفيدة، كما عرف وبحق بالتفوق العلمي والتأصيل التربوي والتميز المعرفي وحسن التوجيه وسلامة القصد، وبعد النظر وسعة الصدر وبعد الأفق، كما أنه عديم المشاكل مفتاح للخير مغلاق للشر ينزع إلى الهدوء والسكينة واللطف والعطف والملاينة والملاحظة في عمله يكره العنف والشدة والاثارة والتسلط، وهو من الرعيل الأول الذين أثروا العملية التعليمية في المنطقة، وغيرها ورسموا الخطوط العريضة لمن بعدهم، كما كان مد الله في عمره فكها لطيف المعشر يألف ويؤلف مجلسه كله أنس ومؤانسة لا تمل الحديث معه، لديه معرفة تامة وإحاطة شاملة بالكثير من الأمور، يتذوق العديد من الفنون المفيدة تستفيد كثيراً من الجلوس معه، فمعلوماته غزيرة وتجاربه كثيرة وفريدة وخبرته واسعة، لكنه كحال الكبار يؤثر السمت في وقته ولا يتحدث بدون مناسبة أو حاجة داعية يحبه الكثير والجم الغفير ويأنسون بقربه ومحادثته هذه حاله وبعض خصاله الطيبة كما عرفناها نحن طلابه في منطقة القصيم، أما بعد أن انتقل إلى المدينة النبوية ليساهم في تأسيس الجامعة الإسلامية فيها وقد اختاره من يعرف الرجال حقاً سماحة مفتي المملكة ورئيس قضاتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم طيب الله ثراه فكان شيخنا محمد على مستوى المسئولية وأهلاً للأمانة التي أنيطت به، فأرسى هو وخيرة من أبناء هذه البلاد وعلى رأسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وبدعم ومؤازرة من هذه الدولة، دولة التوحيد والتجريد أقول أرسوا قواعد هذه الجامعة على أساس مثير وأمين توالت خيراتها وكثرت عطاءاتها ونفع الله بها وبخريجيها بلاداً عديدة، أمدوا هذه البلاد بالعلم الصحيح وبالعقيدة الصافية وسهلت لطالب العلم أن ينهل من معينه في طيبة الطيبة ذات الأصالة والتميز فكان شيخنا، الكريم يذهب لهم في ديارهم شارحاً وموضحاً وداعماً، فأتى الشباب والطلاب من كل مكان إلى هذه الدوحة الظليلة، هذه البلاد الطيبة، وكان لأسلوبه المميز وقدراته التربوية والقيادية أعظم الأثر في ذلك حتى أصبحت هذه الجامعة بفضل الله ثم بفضل هذه الدولة المعطاءة، ثم بفضل هؤلاء الرجال أقول أصبحت هذه الجامعة بحمد الله مضرب المثل، ومعقد الأمل، ومحط الرحال لطلاب العلم والمعرفة، ثم بعد ذلك انتقل شيخنا إلى رابطة العالم الإسلامي مساعداً للأمين العام فواصل جهده وعطاءه المميز، وفي الرابطة مجال رحب وخصب لأمثاله من القادة التربويين الذين ما فتئوا ينشرون فكرهم وعلمهم للناس، وتلك إحدى نعم الله عليه كما انها إحدى المواهب التي كرمه الله بها، وهذه السمة الفريدة هي التي تعطي للحياة وللإنسان الخير والصلاح والإصلاح وان الدارس لفكر شيخنا حفظه الله وأعني الفكر التربوي يجد فيه شخصية إيجابية فاعلة بسيطة منتجة مستمتعة راضية، وهو بحق يمثل جيل الكبار من علمائنا الأخيار في سمته ووقاره، وهدوء نفسه وحبه للعلم والشغف في تحصيله، والبعد عن الاهتمام بالدنيا حاله في ذلك حال العلماء العاملين النابهين، وهذا جزء مما تعلمه وحصل عليه من مجالسته للعلماء العاملين الذين أتيت على بعض منهم في صدر هذه الكلمة، إنني وبهذه المناسبة الطيبة مناسبة الحديث الشيق عن شيخنا العبودي حفظه الله أدعو الشباب والطلاب للاقتداء والاهتداء بهؤلاء الرجال الذين أعطوا لأوطانهم وأمتهم ودينهم الشيء الكثير. إن التشبه بهم فلاح ونجاح وصلاح:
فتشبوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاحُ
حيث تتسامى في شخصية المسلم القدوة الحسنة، وهذه القدوة الطيبة تكشف لهم طريق الحق والخير وتنير لهم مسالك الحياة فيمضون على هدى مترسمين معالم الرشد والإصلاح فتتميز شخصياتهم عن غيرهم وترتقي بالقدوة الصالحة شخصياتهم وتسمو منزلتهم حيث للقدوة الطيبة أثر بين في تهذيب النفس وصقلها وتربيتها تربية جادة فاعلة وإذا كان للعلم أثره الأصيل والنبيل في بناء الشخصية فلمن يحملونه مكانتهم المرموقة وأثرهم الذي يثري الحياة بالنور والأمل ثم العمل.. هذا والله الهادي والمعين.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved