الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

السيرة الذاتية
في الرواية السعودية
د. صالح معيض الغامدي

لعل من أهم الإشكالات التي تثيرها الرواية السعودية لدى كثير من قرائها ونقادها إشكالية علاقتها بالسيرة الذاتية.
وكنت قد تناولت هذه القضية بتوسع في بحث بعنوان «سيرذاتية الرواية العربية السعودية»، ألقيته في ندوة الرواية التي صاحبت المؤتمر السابع لرؤساء الأندية المنعقد في القصيم في 30/12/1423هـ، وسأوجز في هذا المقال أهم ما توصلت إليه في بحثي، ليطلع عليه قراء المجلة الثقافية أو المهتمون منهم بهذا الموضوع.
إن المتتبع للدراسات والقراءات التي أنجزت عن الرواية العربية السعودية، سيلاحظ دون شك استشراء توجه أو منهج نقدي مثير ولافت للانتباه، وربما شكل في بعض جوانبه خطرا عليها من وجهة نظرنا. ويمكننا تسمية هذا المنهج المنهج السيرذاتي في دراسة الرواية السعودية، قياسا على المنهج السيري في دراسة الأدب عموما. وهذا المنهج ينطلق صراحة أو ضمنا من افتراض مفاده أن كثيراً من الروايات السعودية ليست في حقيقة الأمر إلا سير ذاتية كلية أو جزئية لكتّابها، اتخذت من مسمى الرواية قناعا لها.
ولكن، ما موقف كتاب الرواية أنفسهم من النقد السيرذاتي الذي يمارس على رواياتهم؟ على الرغم من أننا ندرك أن الناقد الأدبي ليس معنيا بالضرورة بما يقوله الكتاب عن أعمالهم، فإن الوقوف على بعض شهاداتهم أو إجاباتهم على التساؤلات التي تطرح عليهم بإلحاح حول امكانية أن يكونوا هم أنفسهم أبطال رواياتهم قد يكون مفيدا لنا هنا. ولعل النتيجة التي نخرج بها من خلال الشهادات والمقابلات التي اطلعنا عليها هي أنهم ربما كانوا جميعا يرفضون الإقرار بأن يكونوا أبطال رواياتهم ويحتجون بأساليب متعددة على مثل العلاقة التي يجدها أو يوجدها النقاد أو القراء بينهم وبين أبطال رواياتهم.
وبعد أن وقفنا على هذا الموقف الرافض من كتاب الرواية للنقد السيرذاتي لرواياتهم، لعلنا نتساءل هنا عن السبب الذي جعل كثيرا من نقاد الرواية السعودية وقرائها يربطون بين أبطالها وكتابها.
نعتقد أن ثمة بعض المؤشرات أو الدلائل السيرذاتية الداخلية أو الخارجية التي عملت فرادى أو مجتمعة على تسويغ هذا الربط لدى كثير من النقاد الذين اطلعنا على كتاباتهم. وسنشير هنا فقط إلى أهم هذه الدلائل من وجهة نظرنا ونناقشها باختصار:
1 ضمير المتكلم «أنا». فمعلوم أن أهم ما يميز السيرة الذاتية هو التطابق بين شخصية الكاتب والراوي/ البطل. فأغلب السير الذاتية تكتب بضمير المتكلم، وهذا الضمير هو أسهل وأوضح الأساليب التي تحقق هذا التطابق.
2 المكان والزمان: يعد الحضور القوي للمكان والاحتفاء الشديد به وكذلك التحديد الزماني في بعض الروايات السعودية سببا من الأسباب التي جعلت بعض النقاد يربط بين بطل الرواية وكاتبها، ويقرأها قراءة سيرذاتية إلى حد كبير.
3 التاريخ الشخصي للكاتب: إن البحث في التاريخ الشخصي للكاتب والتحري عنه وربطه بأحداث روايته من أهم الأساليب التي أتكأ عليها بعض النقاد للتدليل على العلاقة التي تربط شخصية الكاتب بشخصية بطل روايته.
4 الوعي الكتابي للمبدع في الرواية: تتضمن بعض الروايات السعودية مقاطع يتحدث فيها الراوي/ البطل عن تجربته في الكتابة الإبداعية عموما والروائية خصوصا وإشكالاتها.
إن الخلط بين جنس السيرة الذاتية والرواية ربما كان من أهم الأسباب التي أدت إلى استشراء المنهج السيرذاتي في نقد الرواية السعودية. وهو خلط لا يمكن قبوله وتبريره وإن كنا نتفهم حدوثه نظرا لتداخل هذين الجنسين السرديين أحيانا.
إن المبالغة في ممارسة النقد السيرذاتي للرواية السعودية له في اعتقادنا آثار سلبية كثيرة على النص الروائي ومبدعه، وربما كانت هذه الآثار السلبية معيقة لهما أحيانا. فالنقد السيرذاتي يسطح العمل الروائي ويفقره، وذلك من خلال تركيزه على جانب واحد ضيق من جوانب النص، هو الجانب الفكري المضموني، وإهماله لتحليل التقنيات السردية والأبعاد التخيلية للنص. فمعلوم أن جماليات السيرة الذاتية وأسرار وجودها مرتبطة ومرتهنة إلى حد كبير بما تحويه «أو يعتقد أنها تحويه» من بوح واعتراف وسرد صادق للحقائق التي تخص حياة كاتبها. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن القراءة السيرذاتية للعمل الأدبي هي في أغلب الأحيان من أسهل القراءات كتابة، ومن أقلها عمقا وثراء.
أما فيما يتعلق بالأثر السلبي الذي يلحقه هذا المنهج النقدي السيرذاتي بالروائي أو المبدع، فإنه يكمن في الربط الحرفي بينه وبين أبطال رواياته، وهو ربط كثيراً ما يوقع الكاتب في حرج شديد مع نفسه ومجتمعه، ويحد من إبداعاته في رسم شخوص روايته واختلاق أحداثها وبنياتها، خاصة عندما يتحول هذا النقد السيرذاتي إلى محاكمة اجتماعية أو أخلاقية له. إن الأدباء عموما والروائيين خصوصا يعالجون في نصوصهم الإبداعية غالباً موضوعات شائكة ومثيرة ومسكوتا عنها، ويجسدونها في أحداث تقوم بها شخصيات مختلقة تظهر في بعض الأحيان أكثر واقعية من الشخصيات الحقيقية، فلا يعقل أن نربط هذه الشخصيات بكتابها، وأن نطرح في كل مرة نقرأ فيها نصا روائياً سؤالاً مثل: هل هذه الأحداث أو بعضها وقعت للكاتب الروائي نفسه؟، ثم نجري عملية بحث وتحر نقارن فيها بين شخصية بطل الرواية وحياة الكاتب.
وأخيراً ينبغي علينا أن نتذكر دائما أن الروائيين مثل الشعراء قد يقولون ما لا يفعلون.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved