الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

(محمد العلي)..
على خطِّ استواءِ القلق!
(محمد العلي)..
والاسم جبلٌ ينقصه الانحدار
مستقرٌ على خطِّ استواء القلق ونضوج الهمّ..
كلّما ذُكِرَ سَقَطَتْ على روحي ظلالُ الكمال.
في (الأحساء).. انعقدت أمشاجه الجغرافيَّة
وفي (العراق).. انعقدت أمشاجه العاطفيَّة
وبين تلك وهذه ثمَّة مسافةٌ موبوءةٌ بالقهر والصبر والحبر
هي ما أسمّيها حياته بامتياز!
حينما كان (الخليج) بأكمله طفلاً في حلقة (الكتاتيب)
يعيش مخاض صيرورته الأدبية
ولم يكن قد أكمل (جزء عمَّ) الفنيّ بعد..
كان (العلي) يقرأ (ألفية ابن مالك) بصوتٍ/ حرير!
ومن العبث أن نقول أنَّ الغربة كانت مصيرَه في العراق..
أقول من العبث أن نقول ذلك لأنَّ العراق كان حبَّهُ الأكبر
ولا يمكن للإنسان أن يكون غريبا حينما يعيش مع حبِّه!
رغم ذلك فقد صارع (العليُّ) مصيرَه باللغة وغربته بالشعر
فبلَّل عطشَ الحقيقة بغيمةٍ من المجازات
ونَصَبَ من الكتابة حاجزاً لصدِّ الزمن المتقدِّم نحو قلبه!
لكنَّه لم يستطع تحاشي أن يكون ساحةً مفتوحةً لرماية التُّهَمِ وتصويب الاحتمالات
لذلك لم يتعلَّقْ به إلاَّ الناس المتعلقون بالمعنى العميق للحياة.
على إيقاع اسمه أتحوَّل إلى عصفور يتجوَّل في حدائق (الفرات).. صديقه القديم الجديد! كان لقائي الأوَّل معه أوَّل لقاءاتي مع المستقبل رغم العقود الستَّة التي كانت تحدِّق إليَّ من شرفات وجهه..
ولو كان بوسع الوليد مقاومةُ الانفصال
لمَا انفصل آدمي الشعريّ عن آدمه!
صافحتُهُ عشرات المرَّات ومازلتُ أتساءل:
هل هو حقيقيٌّ كأيّ شيءٍ أمدّ إليه يديَّ وأمسك به؟!
علاقتي به عميقة إلى درجة انشغالي بتفاصيله:
صمتُه صالحٌ للغناء والاحتجاج أكثر من صوته!
ضحكته تحفر الضلوع بقدر ما تمطّ المكان!
صبره شحيحٌ فهو دائما ما يمتشق انفعاله ويحارب صفاته كي يتجدّد!
أليس انشغالي بتفاصيله دليلاً على افتتاني بالكلّ؟!
لقد علَّمني.. وما أكثرَ وأعظمَ ما علَّمني!
لقد علَّمني أنَّ ذَرَّةَ كرامةٍ أثقلُ من طنِّ قمحٍ!
وأنَّ الشرفَ هو الهبة التي يهبها الإنسانُ إلى ذاته!
وأنَّ الحقيقةَ تضيق وتتّسع بمقدار الثقافة!
وأنَّ الحجرَ في انضباطه رمزٌ للثبات على المبدأ!
أطلَّ على أناسٍ كثارٍ تحوَّلوا إلى جيَفٍ من كثرة نظرات الاحتقار إليهم
لذلك أصبح رجلا بحجم مبدئه!
حينما صرخ ذات آهة قديمة: (آآآآآآآآآآآهِ.. متى أتغزَّل)
لم يدر في خياله أنَّه يوما ما سيُعَلِّمُ الجيلَ كلَّهُ كيف يتغزَّل بالنار!
منذ قصيدته الأولى (طرقة):
(صَدَحَ البابُ فاشربي اللحنَ يا أذني ورَوِّي به طماءَ الأماني)
(هُوَ.. إنِّي أحسُّ هرولةَ السحرِ بقلبي، وعقدةً في لساني)
منذ هذه القصيدة وأنا أرى البحر يتجوَّل في قصائده
بكامل زرقته المراهِقة وقليلٍ من حرِّيَّة الموج..
ساعتَها فهمتُ لماذا أفرغَ (الخليجَ) كلَّه بصرخته الشاهقة:
(لا ماءَ في الماء)!
كلَّما أصغيتُ إلى ذاكرة مفرداته سمعتُ ضحكة صديقه (السيِّد مصطفى جمال الدين) في منتدى (حركة الأدب اليقظ)
ترنُّ ملء المفردات مثل قنطارٍ من ذَهَبٍ سقط سهواً على رخامة!
(أبا عادل).. ليتني أملك من الحبِّ ما يكفي لأنْ أحبَّكَ كما تستحقّ:
تزوَّجَتِ الأرضُ أنهارَها في دمي
يوم عانقَتْنَي فكرةً تحتفي بالجمال المؤجَّل في رحم الوعد..
فاهتزَّ في ساحة العرسِ خيَّالة العشبِ عن رقصة الاخضرارْ
وهبَّت رياحُك تكنسني نخلةً نخلةً بالحقيقة
من وحشة السعف المستعارْ
كأنَّك حين تمدُّ أصابعك المبهمات إلى شرفات الغموض..
كأنّك تستدرج الروح خارج قضبانِها
مفعماً بالعناقيد في غمرة الاختمارْ
وتسلم للهذيان الجميل غصون المواعيد في واحة الليلِ
مثقلةً بالنجوم الصغارْ
إليكَ تتيه المجرَّاتُ حين انحراف المدارْ
وتبدو يداك المدجَّجتان بحبر التوجّس
تشتعلان مغامرةً وابتكارْ
حنانيكَ سادنَ هذا الجحيم المقدّس
إنِّي ورثتُ الشتاء عن الغيب
فالدفءُ ذنبٌ يراودُني
كلّما لحتَ لي داخلاً في الكتابة ما بين نارٍ ونارْ
أراكَ تطهّرني بلهيب الحروف
وأسمع أوساخيَ الجاهليَّةَ تنهال شتماً عليكَ
وأنت اشتعالٌ إلى آخر الطهر حيث اكتمال المنارْ
توهَّجْ وكُنْ شعلةً في الأعالي
تطلُّ على جانب (الطور) عبر اتجاه (اليسارْ)


جاسم محمد الصحيح
الأحساء

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved