الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th December,2003 العدد : 39

الأثنين 21 ,شوال 1424

واقع الفن التشكيلي المحلي
افتقار لجان التحكيم للمعايير الثابتة يضعها في دوامة الاختيار سوء التحكيم سبب في تراجع مستوى التشكيل

بعد إطلالتنا في الحلقة السابقة على نماذج من المعارض التشكيلية التي يمكن أن نطلق عليها مسمى المعارض الشعبية وتلميحنا لى ما آلت إليه النتائج ووثق في مؤلفات تشكيلية عربية بأقلام نقاد وكتاب معروفين نعرج اليوم على مجال آخر وجانب هام في مسيرة الفن التشكيلي المحلي وهي لجان اختيار الأعمال ولجان التحكيم. وقبل الحديث يجب الإشارة إلى أننا لم نغير موقفنا تجاه ما قدم لهذا الفن من دعم وان ما نقوم بالتطرق لها أمور تحتمل الخطأ والصواب من قبل المعنيين بها وهم أعضاء لجان التحكيم وممن كلفوا بتقييم الأعمال للمشاركة في مختلف المعارض وهي لجان غير ثابتة يتم إعدادها في وقتها.
فتحكيم تلك المسابقات أو كيفية انتقاء وتقييم الأعمال بأطر وقيود أطلق عليها صفة أو بمبدأ التشجيع هي من زاد الطين ابتلالا، إضافة إلى أن كثيراً من اللجان التي تقوم على تحكيم تلك المعارض مع تكرار أسماء أعضائها من معرض لآخر لم يكن لدى غالبيتهم إلا القليل من المعرفة بالساحة وبما يدور فيها وبالكيفية التي تمكنهم من تحكيم الأعمال لعدم وجود أسس ومعايير يعتمد عليها المحكمون وإنما يأتي الحكم بناء على القدرات الشخصية لدى كل محكم على حدة (لنا مع هذا الواقع تجربة شخصية) وهنا تختلف المعايير بين محكم عارف بمجريات الساحة وممارس سابق للعمل له موقعه وتجاربه أو ناقد متمكن من أدواته النقدية باحث في تاريخ مسيرة الفن المحلي ومتتبع لكل ما يطرأ عليه ومع هذا فقد مر بالساحة التشكيلية مراحل متعددة في مجال ومستوى التقييم والتحكيم ومنها مرحلة التبعية أو انقياد الكثير من الفنانين خلف الأعمال الفائزة ومحاولة تكرار ما ظهرت به من مواصفات ومواضيع وأسلوب أداء لتقديم ما يحاكيها سعيا لكسب الفوز في المعارض الجديدة نتيجة انحياز تلك اللجان لتوجه معين أو نهج يرى المحكمون انه الغالب أو أن في ما قدم فيه من أعمال مستحق للجوائز فأظهرت لنا المعارض في مراحلها الأولى أعمالا أغلبها أقرب للتسجيل والنقل الفوتوغرافي أو بمعالجة ساذجة لعناصر التراث تبعتها مراحل أخرى غير واضحة المعالم لم يكن بعض المحكمون منصفون فيها ومنحت المراكز المتقدمة فيها لمن لا يستحقها وتكررت الأسماء التي تحصد الجوائز حتى وصل الأمر إلى معرفة الفنانين الفائزين من قبل بقية المشاركين والمتابعين قبل إعلان النتائج مما دفع بالكثير من الفنانين للابتعاد عن مثل هذه المسابقات والاكتفاء بالمشاركة عبر الأسلوب المستحدث فيها تحت مسمى المشاركة خارج التحكيم وهو الحل الذي وجده المنظمون لها للامساك بالعصا من المنتصف لتمرير الأسماء الجديدة مع الاحتفاظ بالأسماء المعروفة في معرض واحد مع أن التجربة لم تحقق الكثير من النتائج المرجوة منها ، واستمرت الحال مع حرص المعنيين على التنويع في لجان التحكيم دون النظر في مستوى إلمامهم بالهدف أو معرفتهم بأبعاد نتائج التحكيم ومدى تأثيره على مستقبل الحركة التشكيلية في حال الإخفاق فيه مع تقديرنا للدرجات العلمية التي يحملها البعض منهم والتي تلامس عن بعد ما يبتغيه هذا الفن وفنانوه عند قيامهم بمهمة التحكيم.
أما جانب التقييم فالأدلة كثيرة تمتلئ بها المعارض الرسمية والعامة التي تقام هنا وهناك من قبل مؤسسات وقطاعات غير معنية بهذا الفن، فما يقدم فيها من الأعمال الجيدة لا يشكل الا نسبة خمسة وعشرين بالمئة وهذا ناتج عن تدني قدرة وإمكانية القائمين على اختيار وتقييم الأعمال اذ أن الأهم في قيامهم بالإعداد والتنظيم هو الكم الكبير من الأسماء منها ما هو جديد على الساحة وله سابق مشاركات في حدود ضيقة ومنها أسماء جديدة لم يشاهد لها أي مشاركات سابقة لتنتهي تلك المعارض كما بدأت ويعود المشاركون فيها بخفي حنين دون تحقيق مكاسب مادية أو فرص للتعريف بأنفسهم عبر وسائل الإعلام التي احتواها من كلف بالإعداد وأصبح المسئول الأول والأخير عنها.
إلا أننا نعود مرة أخرى لنقول أن مثل هذه المعارض لا يمكن إغفالها أو تجاهلها على أن لا تحسب ضمن مسيرة الفن التشكيلي الحقيقية التي تحتاج إلى إعادة نظر في كيفية إقامة المسابقات واحتواء ما يتم القيام به خارج السياق الرسمي ووضع آلية مشروطة للقيام بتلك المعارض أو المسابقات من قبل الجهة التي ستعنى بالفن التشكيلي مستقبلا وهي وزارة الثقافة والإعلام. من أهم ما يجب القيام به معرفة لجان التحكيم التي يجب أن تكون مقرة ومختارة وثابتة على مدى فترة زمنية تستبدل أو يتغير بعض أعضائها بشكل دوري على أن ينطبق عليهم الشروط المتبعة عالميا عند اختيار اللجان. كما لا ننسى أيضا وجوب وضع آلية أخرى للمعارض التي تقام باسم الفن التشكيلي يكون فيها ضوابط وشروط تحدد الهدف ومستوى الأعمال ومستوى المشاركين ومستوى المعنيين بإعدادها ومدى معرفتهم بالحركة التشكيلية إضافة إلى المناسبة أو المكان لا أن يتكرر ما حدث سابقا من ابتذال لهذا الفن ووضعه ضمن وسائل الدعاية والإعلان للأسواق التجارية وخلافها كما يجب وضع معايير مدروسة من قبل لجنة متخصصة من فنانين لهم خبراتهم الطويلة وموقعهم الريادي في الساحة وأكاديميين لهم القدرة على صياغة الأفكار والآراء فكيف للمحكم و من كلف بتقييم مرض أو مسابقة ما أن يقوم المهمة دون معايير متفق عليها مسبقا مع ما يجب مراعاته من أن الفن والإبداع بشكل عام غير مستقر ويتبدل بناء على قدرات المبدع وهنا تبرز إشكالية الفوارق والاختلافات بين فنان وآخر إلا أن الثوابت لا يمكن الاختلاف عليها وهي الأسس العامة في بناء العمل الفني أو ما يجب ان يظهر عليه ومنها على سبيل المثال:
* تميز العمل فكرا وتقنية.
* بناء العمل في إطار الأسس والثوابت المتعارف عليها في توزيع العناصر ومعالجة الفراغ وتوزيع اللون والكتل الى آخر المنظومة.
* إكساب العمل الجاذبية والقبول بأي شكل من أشكال التعبير أو الأساليب الفنية.
* عدم مشابهة العمل المقدم لأي عمل سابق من أعمال فنانين آخرين من حيث استعارة العناصر بشكل مباشر.
* تمكن الفنان من لغته التشكيلية، وتسخير معطيات شخصيته الفنية لبيئته وتراثه.
* تمكن الفنان من البحث وتحقيق الصورة الجديدة النابعة من مختزله الوجداني والارتباط بإيقاع العصر مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية.
* اختيار الخامة ومدى موافقتها لخدمة الفكرة.
* إضافة إلى جانب أرى انه مهم جدا في حال التحكيم وهو إرفاق سيرة ذاتية وصور لتجارب سابقة للمشاركين عامة والمشاركين الجدد بشكل خاص على أن تكون تلك الصور لأعمال تم إنجازها خلال الأعوام الثلاث الأخيرة قبل المشاركة في المسابقة المراد تحكيمها أو تقييم الأعمال المشاركة في المعرض خارج التحكيم.
ومع أننا نطمح في أن يتحقق لهذا الفن في قادم الأيام ما يضعه في موقعه الصحيح وعلى نهج مدروس في ما تطرقنا له سابقا حول المعارض والتحكيم إلا إننا أيضا لسنا في معزل عن الواقع الآخر وعن التجارب التي سبقتنا ولهذا علينا أن نستفيد منها لننطلق من حيث وجدوا سبل النجاح مؤكدين أن الساحة بما فيها من أسماء رائدة وبما لحق بهم من أسماء جديدة وما طرأ عليها من تطور في معرفة المنتسبين إليها بأهمية هذا الفن وماذا يراد منهم وكيف يمكن لنا المنافسة به ما يدفعنا للاستمرار والمشاركة بكل السبل وهذا هو دور الفنان الصادق يقابله الثقة من المسئول المباشر عنه فالفن التشكيلي لم يعد في مرحلة الحضانة بقدر ما تعداها إلى مرحلة التقييم والتصنيف فالأعداد كبيرة والأعمال المتميزة تفوق حجم التوقع ويكفي ما تمتلئ به مستودعات الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومستودعات جمعية الثقافة والفنون من كنوز إبداعية يعتز بها كل منتمٍ لهذا الفن ويفخر بها كل مسئول عنه نتيجة ما تلقاه من إعجاب النقاد والمتابعين في كل موقع عالمي يعرض فيه الفن التشكيلي نتاج منسوبيه مع ما حققه الفنانون من مراكز متقدمة على المستوى العالمي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved