الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

الفتى مفتاح

في كل مناسبة تهمني، ثم لا أجد الوقت والجهد الكافيين لمؤازرتها أتذكر قول الشاعر: (يا ليتني فيها جذع) وماذا عساني أقول بحق علم من أعلام الصحافة والأدب، عاش الخضرمة، فهو كما الشعراء الذين عاشوا مرحلتين منفصلتين، فكانوا من المخضرمين.
و(الفتى مفتاح) له ريادات كثيرة، وإشكاليتي مع الرواد دفعت فضوليين إلى النيل مني ووصفي بالعقوق، ذلك أنني أفصل بين الريادة والتأسيس والانطلاق. فالرائد له فضل السبق وفرشُ الأرضية وشق الطريق ومغالبة الظروف، ولمن لحق به فضل التأصيل والتأسيس والانطلاق، وما مَقتُّ شيئاً مقتي للتصنيم والتعالي فوق النقد والمساءلة.
وما كنت يوماً من الأيام عقوقاً لمن أسدى إليَّ معروفاً و(الفتى مفتاح) من أوائل من أخذ بيدي وفتح صحيفته لمحاولاتي الغضة، فلقد تواصلت بالعلامة عبدالقدوس الأنصاري ورحب بي في بداياتي، حتى إذا لم يرحُبْ صدرهُ باندفاع الشباب تحفّظ على مقالاتي فتلقفها (أبو مدين) وفسح لها الطريق، كان ذلك قبل أربعين سنة في زمن صحافة الأفراد عليها وعلى كل عمل جاد الرضى والرحمة،
كان أبو مدين رائداً من رواد الصحافة وكان ناقداً حاد المزاج قرأت له (أمواج وأتْباج) ثم صرفتني عنه صوارف الدراسات العليا، وخرجت من النقد الانطباعي الذوقي إلى النقد العلمي المعرفي، ولما أزل أحُنُّ إلى تلك الديار وأعشق ذلك اللون من النقد فلقد ذقنا حلاوته عند (المازني) و(العقاد) و(طه حسين) و(مارون عبود) ثم تلقَّف الراية من بعدهم رواد الحركة الأدبية في المملكة، ومن بينهم أبو مدين والفلالي وابن ادريس وابن خميس وآخرون، وجئنا على آثارهم نُصِيخ إلى النبرات الحادة والأحكام القطعية والعنف في الآراء، ولما أن جاء التعليم الجامعي، وفتحت الأقسام الأدبية، وبدأ التنظير للنقد والأدب، وتقحمت سوحنا المترجمات، وتعلق شبابنا العائدون من الشرق والغرب بمن بهرهم من ذوي المبادئ والمذاهب والتيارات، طويت صفحة النقد الذوقي، وذبلت أعواده، ولم يجد ذووه سوقاً رائجة لما يقولون، فانطووا على أنفسهم، وما أصدق الحكمة (لكل زمان دولة ورجال) ولكن أبا مدين تحرف لقتال آخر وانحاز إلى فئات أخرى فكان أن عاش حضوراً فاعلاً في الأولي والثانية.
لقد تولى رئاسة (نادي جدة الثقافي) واتخذ سبيله إلى النشر والدوريات فكان أمة وحده لا نتفق معه ولكننا نحترمه ونُجِله ونتسابق إلى إصداراته التي قد لا تستجيب إلا للقلة القليلة من متابعي المستجدات وأنا منهم، كان أبو مدين إذاً حاضراً في زمن الريادة وهو اليوم أكثر حضوراً في زمن الانطلاق.
والإخوة الذين استكتبوني لن يجدوا فيما أقول مزيد إضافة، ولكنني أشارك بمشاعري مشاعر التلميذ والزميل والصديق والمخالف في بعض الأحيان والعاتب في بعضها، ومهما اختلقنا مع أبي مدين فإنه الأرحب صدراً والأقدر على إثبات حضوره الإيجابي في كافة المشاهد، وما أحببت حكمة كحبي لمقولة (جئنا لهذه الحياة لنختلف) عرفت أبا مدين وأنا شابٌ يتوقد حماساً على قلة في البضاعة والتجربة فكان أن فتح لي قلبه وأخذ بيدي ولم أشأ أن أكون كمن وصفه الشاعر:
أعلِّمه الرماية كل يومٍ
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علَّمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
قد نختلف في وجهات النظر أو في المواقف ولكنه اختلاف معتبر يثري المشهد ويتيح الفرصة لأكثر من صوت ولقد حمدت لأبي مدين هذا الأفق الواسع وهذا القبول اللامحدود للمستجدات.
وكما قلت وأقول: يا ليت عندي مزيداً من الوقت والجهد لأمنح هذه المناسبة الغالية ما تستحق فأبو مدين ترك وراء ظهره أعمالاً أدبية ونقدية ورؤى وتصورات تستحق العناية وحين كتبت مدخلاً للحركة النقدية عرضت لكل آرائه ومواقفه من الشعر والنثر ورؤيته المتوازنة أحياناً والمائلة كل الميل إلى التراث في بعض الأحيان ولمسته لمسات خفيفة حين لم أتفق معه ومع كل ذلك كان ولما يزل الرجل الوفي الذي يذكر أصحابه ويتلطف معهم. وكم أتمنى لو استكتبتم خصومه فالفتى مفتاح لم يكن إلاَّ مرحلةً من مراحل الأدب وهو اليوم بكل ما قدَّم ملك للتاريخ ومن حق كل أديب وناقد ومؤرخ أن يتناوله وفق رؤيته لا يداهن ولا يداجي ولا يجامل فما قتل الحياة الأدبية عندنا إلا المجاملات،
وإن كنت أعتب فإن عتبي على أقسام الدراسات العليا التي ترقب وفيات الأعيان ليتسابق طلابُها لتقديمهم موضوعات لرسائل الماجستير والدكتوراه. وياليتهم يفعلون ذلك في حياتهم ليسعدوا وليعرفوا أنَّهم ملء السمع والبصر، ولعلَّهم بهذه المماطلة أخذوا بمبدأ (الحيُّ لا تؤمن عليه الفتنة).
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved