الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th February,2004 العدد : 46

الأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

عن (حكاية الحداثة).. مساءلات في الممكن
إذا كان ثمة رصد للحركة الثقافية.. بغية كشف أنساقها.. أو إعادة تحريك مفاعيلها.. لاستجلاء صورة (أصدق) وأوضح لصياغاتها النهائية.. ليس بحسب آنية تلك الصياغات.. المنطوية على تعبيرية ما.. لتلك الحركة.. أو ملمح من ملامح تبلورها.. ومنجزاتها وإن كنت بوصفي قارئاً.. أنتظم مع نسيج كبير من القارئين.. الذين للتو.. أبعدتهم مدة (السجال).. حول حركة الحداثة المظهر الأبرز في مشهد الثمانينيات الثقافي مثلما استرعاهم الوهج الحواري حولها.. وبكارة (المصطلحات) وجدتها.. و(نجومية) المتحاورين!
وكان جيل (القنطرة) ذلك.. يتلقف تلك الحداثات.. وإن تصورها بفعل الحوار ذاته نسيجاً شكلانياً من (الكلام) الكلام المضاد.
وكانت سني الدراسة الجامعية لذلك الجيل.. بعيدة كعادتها عن كل ما يستجد مع واقع الثقافة.. أو نماذجها المحفزة على التأمل والسؤال..!
مرتهنة في أرقى أطوارها.. إلى ما كتبه ابن بليهد.. وما حققه عنه محمد بن سعد بن حسين.. تدخر عقولنا الغضة.. لجاهزية القول.. ومسلماته.. محذرة إيانا.. من الولوج إلى عالم الثقافة (الأدب) المعاصر.. وما تعرضه الصحافة آنذاك من نماذجها.. ومثالاتها.. وحيويتها..
وإذا ما خاتل ذهن أحدنا.. المشاركة.. أو حتى السؤال.. فمعايير الأكاديمية الإدارية كفيلة بتأديبه.. وتصنيفه في زاوية (الخارجين) المنضوين تحت لواء (الحداثة) وعلمانيتها..
أسوق ذلك.. (مستبقاً) تأنيب الداعين إلى وقار الحدود.. والمنادين بالتزام الحياد.. الذين وإن انتحلوا.. أو انتعلوا.. تقريعي على التماس جدارة ما لا يدركه سواهم.. فلن يحرزوا.. منعي من التصور.. بوصفي قارئاً ومتابعاً..
(الغذامي).. هذا الحجم المتعالي شرعية بما حققه لذاته.. وللثقافة من منجزات.. وما كافح ببحث وتأمل لأن يعليه (ظاهرة).. لا تحجبها شمساً ثقوب النظر.. ونوايا الناظرين..! ولا تقصيها الرؤى المختلفة.. إن كان ثمة احتكام لمنهجية.. واعتبار لحوار.. وبصيرة في التأمل.. ومعاودة تقليب (القول) على أكثر من وجه.. وقراءة واقع الثقافة.. في أكثر من حال.. في روح تبعث حيوية الاختلاف..
ولا تأنس كثيراً (للمشاكلة) والتطابق..!
(الحداثة) تلك الظاهرة المقلقة.. والمصطلح الأكثر إغراءً للاقتراب والمخاتلة والسيرورة الأدعى للتناقض والحوار..
وهي مذ كانت (الصوتيم) المحرك لفاعلية التلقي .. والأشهى تمادياً في الرفض أو القبول..
فهي (المهمز) التاريخي الأجدى حيوية في مسيرتنا الثقافية.. والمرجل الذي احتوى نار العقول وحراراتها و(سخّن) حطب (الثمانينيات) من شرارة نفخ فيها العواد.. وشحاتة وعبدالجبار.. وما اهتبلوا سانحة تمنحهم (البطولة) أو تلبسهم فضيلة (النضال)..
قالوا.. كلمتهم ومضوا...!
ليسحب المتغير سننه التي لا ترد على زمن (تورَّد) وتوارد عفواً للآتين..!
أولئك (اترتون).. من نسيج مجتمعي.. تتوزعه المسافات.. وتتفرعه المباحات والمحرمات..!
يحتوي المتناقضات بلا فرز.. ويتشتت في مفازات الآراء.. لا الرؤى.. والنتائج.. لا المقدمات..!
ومن ذلك.. وبه.. وخلاله.. انبرى (الغذامي) لرصد حركة الحداثة في المملكة العربية السعودية.
بما اصطلح على تسميته ب(حكاية الحداثة) والتي نشر حلقاتها الأولى في ملحق ثقافة اليوم.. وتوقف في منتصف الحكاية.. ليخرج كتاباً بهذا الاسم..
وتبدأ.. ردود الفعل.. ونتائج القراءات.. حول الكتاب.. وما احتوى.. والغذامي وما وعى..!
و(وعي) لا أظن أستاذ (الأدب والنقد).. إلا قمين به.. مؤهل للكتابة من خلاله.. ومترجم له.. ومعبر عن مداميكه.. في ذاته الثقافية.. لا الخاصة..!
في بداية (الحلقات) ألفيت الغذامي بوصفي من قرائه يتلمس آفاق (الحداثة) كظاهرة مجتمعية حتمية.. وكمتغير عفوي.. تضرب أساساتها في صميم المجتمع.. وحراكه العام.. من تنمية وعمران.. وتعليم وعلاقات اجتماعية.. ومزاج شامل يصطبغ الإفراد به.. وتنقل الجماعات فحواه..
ذلك التناول.. أحسبه مفصلاً (ومشرحاً) استجابة المجتمع (اللاواعية) للحداثة.. بمفهوم (الجدة والتحديث).. والولوج إلى مفاهيم عصرية.. وانحناء تسليمي (مسالم) سلبي إلى حد ما.. إلى الطفرة.. ونتائجها..!
وإذا كان الراصد.. هو (صاحب) (ثقافة الأسئلة) و(الكتابة ضد الكتابة) و(الموقف من الحداثة) و(قضايا أخرى) و(تشريح النص) و(القصيدة) و(النص المضاد) و(الصوت القديم الجديد).
وقبلها (الخطيئة والتكفير)..
فإن اعتبارات (الأهلية).. وشروط الكفاءة.. تستجلي (نصها) من (الناقد الثقافي) لنخوض في (العمومية).. ونتنازل عن شرنقة النخبة.. إلى فضاء يتسع كثيراً لاحتواء.. كل الاجتهادات.. والإسهامات.. وفق (مسلمة) رضينا بها قبلاً.. تقربنا إلى جادة الصواب.. وإن كانت لا تمكننا منها يقيناً..!
(الغذامي) الظاهرة.. الأخرى.. والحكاية الأولى.. هكذا (أخاله).. مفتوناً بالحكايات منذ (السحارة).. و(تكاذيب الأعراب)..
مفتوناً بالذات (الغذامية).. التي تقول.. فتستدعي الردود.. والاختلافات.. والحوارات.. وتصمت فيكون لحمى الانتظار وهجاً.. تستلذه تلك الذات.. بماذا سأفاجؤهم..!
وعندما.. بدأ (الغذامي) الظاهرة.. (مبكراً) يقلق من هم.. خارج الحدود.. ويحظى بثقتهم.. فكراً وإنتاجاً.. في (مندوحة) ذلك القلق الثقافي.. وشواهده في النص والخطاب.. والرؤية.. التي أخلص لها.. واجتهد معها كثيراً.. بمثابرة تدلل عليها قائمة مؤلفاته.. أضحت الأصوات (المحلية) تصغي إلى ما تجزه ظاهرة الغذامي..
ملتبسة بحالة من الرضا التام.. أو الغبطة الخفية.. ويتجاوز.. (الصفة الأخيرة) تساميها.. لتجيره في خانة الخصم الألد.. (أحياناً)..؟!
و(الغذامي) غير آبه.. بالكل.. فذاته التي أخلص لها.. ومساره الذي اختطه.. كفيلان بتدفئته من برد المحاورين.. المتفقين والمختلفين..
و(كلهم) يرى فيه (الغذامي) حافزاً على علو صوته.. وغلواء (نبرته) الحادة أحياناً.. درجة القطيعة.. بالكل ومع الكل..؟!
(الغذامي) في (حكاية الحداثة).. وبعد أن استمرأ حميمية تفاصيلها.. يضم للكتاب.. ما لم يدركه في (الحلقات المنجمة).
ليأتي (كلاً).. رصد سردي.. يتتبع سيرورة تلك الظاهرة.
وما التبس بها.. أو اشترك في صنعها.. أو عبر عنها. أو مثّل مفصلاً من مفاصل تجليها إن كانت تجلت في مشهدنا الثقافي..؟!
و(الغذامي).. يرى في (حكايته) مع الحداثة.. رمزاً بطولياً.. متمنعاً على (الفهم).. من قبل المؤدين.. والرافضين..؟
و(الغذامي).. وبشجاعة (المغامر).. يعد نفسه (عراباً) لتلك الحركة.. ومؤسساتها.. في (وسط) من القاصرين على الفهم.. والناقصين عن بلوغ (تمامه)..
عندما يختار (الغذامي) آلية السرد الوصفي (لحكاية الحداثة) بديلاً للعرض المنهجي.. فإنما يتحرر من مغبة الجاهزية.. والانضواء تحت خيمة الكلام.. تلكم (مناخات) الحكايات.. اطمئنان لأريكة الذاكرة.. واستسلام لمزاجها الانتقائي.. وتسليم بمباهج إنجازها..؟!
ولكن ثمة.. أسئلة تنبت على شفاه (المتلقين).. وتنغرس دهشة فائرة في (وعي) مثقفين.. ليسوا في ذلك الهامش الأصغر مما يدور.. بل على مقربة من محط (الحكاية).. وبعضهم (أسن) ضالع في غرس ركائزها.. وصياغة علاماتها..!
ثمة (أصوات).. لا يزال صدى جروحها.. (يرن) في ذاكرة متلقٍ (يريد) الغذامي.. حقن الحكاية.. في ذهنه.. وفقاً لموقف الغذامي.. ورؤيته..
وفي (ممارسته) الغذامي استلال للخيوط من منظومتها.. وانتقاء (خاص) للمواقف من سياقاتها..؟!
و(القضية) الحكاية الحداثة.. ليست موقفاً آنياً.. يتخذ حيزه ودفعه وشخوصه في معزل عن الانكشاف على مشهد.. يحتوي.. ويستوعب.. ويلحظ.. ويراقب..! والأشخاص.. ليسوا كلهم (الغذامي) عيناً ورمزاً..
وليسوا (البازعي والسريحي).. تطوح بهما ذائقة (الغذامي).. لتؤسس (ذاته) مركزاً محورياً.. تدور السواقي حول نبعه المتدفق..!
ولست هنا.. في مرافعة دفاعية عنهم..!
ولا ثائراً على كيان الغذامي.. وحكايته..
حسبي مرة أخرى قارئ أتابع.. أتأمل.. وأحرر تصوري إيماناً بحقي به.. وبإبداء رأيي.. في كنف (متن) للحوار.. والتساؤل..!
هل.. تمتلك (الحكاية) مشروعيتها للتأريخ للحركة من .. سياقها العنواني الدال (حكاية) ومن تجديد صياغتها السردية.. لتعيد اختزال (البازعي) في جملة مقالات.. ودراسات.. في دوريات مشتتة..!
ألم يستأنف برأيي خط (تشريح النص).. برؤية استيعابية في (ثقافة الصحراء).. ويدلل وببرهان (معرفي).. على الأشجار مع (الحركة الحداثية) بوعي استلهمه في دليل الناقد الأدبي..!
هل سيتدخل (الغذامي) الذاتي بالموضوعي.. ليتماهى في مزجهما.. بلا فرز تستوجبه إرادته (الشجاعة) في كتابة (حكاية الحداثة)..
هل نتجاوز (فطنة) البحث.. وبيان الرؤية في تصور مثالات (النص الحداثي) في صنيعة السريحي في (الكتابة خارج الأقواس).. الذي انحصر وفقاً (لذائقة) الغذامي.. في (محادثة مع حارس بوابة وزارة الإعلام)..
وهل تسقط حسابات الذات.. قسمة (اللظى) التي اقتسمها السريحي في وقت ما.. مع الغذامي.. وضحى (الأول) بمستقبله (الأكاديمي) قرباناً لعقول.. كانت ولا زالت في دركها الظلامي.. وفكرها الإقصائي العتيد..!
هل (المعتبر) بصيرة (النهج) مجمل الناجز الثقافي للكاتب والباحث والناقد.. أم مجتزءات.. توفد قبلاً وجاهة النتائج القصدية..؟!..
أين علي الدميني و(مربده).. وكفاحه الثقافي.. وأين محمد العلي.. ووجوده.. ورؤاه المبثوثة.. التي استوعبتها ذاكرة الأجيال.. وآمنت بها وعبرت عنها..؟
أين (أبويته) الحقيقية لحركة القصيدة الجديدة.. وتأسيس ذائقتها..؟
أين محمد الشنطي.. المهموم.. والمنشغل إخلاصاً.. لحركتنا الأدبية رصداً وتأريخاً وتأليفاً منذ بداية (السبعينيات)..؟
أين عابد خزندار.. وبسالته الدؤوبة في (حديث الحداثة) الصادر عام 1990م. وسكه (للمصطلح) على نحو بمثل استيعاب المصدر.. وتتبع النماذج.. واستخلاص الدلالات من بنى النصوص.. وتقليب (المعنى) حسب معطياته.. لينجز فهماً راقياً للمناقضة الواعية..؟ هؤلاء الذين وإن استوعبتهم حكاية الغذامي.. أو قصرت عنهم.. فإنها.. تتموضع فاعلية رئيسة لكل ما قدموه..!
لا أحسب (الغذامي) في حكايته (مع الحداثة) يستوجب قصداً..
تحريك ركود الساحة.. فيما كان سبباً لحراكها (الثمانيني).
وفقا لهكذا.. (طرح)..؟
والذي.. وإن أعاد.. مطارحة هموم (الأسبقية) ومبادأة المغامرة.. وبطولة الإقدام.. في مشهد.. لا يوجد ما يميزه.. ولا يستوحي ما يمكن أن يلم شتاته.. ويرسم رؤية.. تكون مبعثه من مرقده الوثير..؟!..
ولا أحسب كلاماً هكذا.. يعيد للحقائق المبثوثة في النص.. والضمير وهج الإيمان..
إلا أن قالة للسريحي.. أوقن أنها تنجز وتوجز حقيقة غائبة.. أو مغيبة.. لا أجد فكاكاً من أن أختم بها هذا (الكلام)..
(أغبط للغذامي هذه القدرة على المغامرة.. فهو يخلق الأنساق على نحو يذكرني بأولئك الذين كانوا يخلقون الاتجاهات ثم يضعون النماذج داخلها فيريحون أنفسهم عندئذ من قراءة ماعنة للنموذج.. وبذلك نقع مرة أخرى في دائرة التصنيف التي كنا ننعاها من قبل على الدراسات التقليدية.


محرر

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved