الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th May,2005 العدد : 106

الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1426

العجيلي.. المبدع
منصور قاسم نصر
لم يتخل عبد السلام العجيلي، وهو المقيم على تخوم البادية، عن بداوته الأصيلة وهو يواجه زحام المدينة وزحام أفكارها وتياراتها وحكاياتها، وهو لذلك صار وليد تجربتين شديدتي الثراء.
ومن هذا التلاقي الجغرافي بين المكان المنفلت من حدود الجغرافيا، والمكان المأسور بواحد من أقدم الأسوار التاريخية ? سور دمشق ولدت مناخات إبداعية فنية متنوعة وشديدة الثراء.
وبسبب من هذه التجربة الغنية بالذات قلما يخرج العجيلي بعيداً عن مشاهداته الشخصية، ففي النظر إلى مجمل موضوعاته نجده ملتصقاً أشدّ الالتصاق بأطياف شخصياته وأمكنتها، فلا يكاد يمر عمل دون سطوة حضوره الشخصي وتجربته الإنسانية والذاتية.
في الوقوف قليلاً عند مذكراته التي أطلقها قبل أعوام قليلة، متطرقاً إلى المراحل السياسية بكل أطيافها، فقد كان شاهداً على مرحلة مهمة من تاريخ سوريا، تبدأ بفترة الاستقلال وصولاً إلى استلام حزب البعث السلطة في سوريا.
وبين هاتين الدفّتين عاش العجيلي فترة انقلابات وتقلبات سياسية عاتية، قبل أن يغادر اتون السياسة ليركن إلى عالمه الأثير، مهنة الطب التي أبى أن يتخلى عنها، كأنما هي هواه وشاغله، أو ربما نوع من استراحة محارب راح يرنو بصمت إلى عالم الطب والأدب، ويرى إلى السياسة وتقلباتها من بعيد، بنظرة شاهد متأمل.
يبدأ العجيلي ذكرياته في السياسة منذ ما بعد الاستقلال، وتعتبر هذه المرحلة متنوعة وغنية في تاريخ سوريا، التي شهدت بعد الاستقلال عهوداً من الديمقراطية السياسية، والحكم العسكري، والانقلابات العسكرية إلى الوحدة ثم الانفصال.
وبعد الاستقلال تنقل العجيلي في عوالم عدة عضواً في البرلمان، فمقاتلاً في فلسطين مع جيش الإنقاذ فطبيباً ثم عاد ليمارس السياسة كوزير للثقافة فالخارجية فالإعلام.
من هذه المتنوعات السياسية والثقافية والمعرفية تشكل عالم العجيلي الأدبي وتفجرت في ينبوع الأعمال الأدبية فكان صدى هذه المراحل عميقاً في أعماله الأدبية معبّراً عن حضور ذاتي قوي، ولو أردنا الوقوف عند الذاكرة السردية للعجيلي التي اتخذت سبيلاً إلى القارئ عبر أسلوب سردي سلس مشوق، اطلعتنا على مراحل مهمة من تاريخ سوريا، في هذا الكشف والبوح عن عوالم ذكرياته تتبدى التجربة الذاتية حيث يتحدث العجيلي عن علاقته بالشخصيات التي التقاها السياسية منها والأدبية والفنية، معبّراً في كل هذا السرد عن رؤية موضوعية وعقلانية أسهمت في بلورتها بيئته البدوية حيث ساهمت بوضوح رؤيته، فكان العجيلي غالباً ما يقدم الرأي السديد. إلا أن العجيلي لم يركن إلى عالم السياسة فهو الطبيب والأديب، الأمر الذي أثّر على خبرته في عالم السياسة والإدارة.
بعيداً عن عالم الذكريات القادم من الأثر والمحيط بعوالم العجيلي تبدى الخيال الأدبي بشكل أساس في أعماله القصصية الروائية، فنجد أن العجيلي لم يخرج من معطفه مقتحماً أجواء قصصه من خلال شخصية الراوي الطبيب..... يسرد لنا قصص وحكايا متنوعة الموضوعات والأهداف ومتعددة الشخوص ولكن الراوي واحد (طبيب وقعت معه له تلك الحادثة فيرويها لأصدقائه، وآخر جرت معه هذه الحكاية فيرويها لنا مباشرة... إلخ.
لم يخرج العجيلي من قالبه الذي وضع نفسه فيه وانخرط في عالم الشخصيات المختلفة المشارب بل ظل في موقعه المرسوم بإتقان فناني عصر النهضة الذين يصورون لنا شخوصاً مخملية بعقلية أفلاطونية وكيف لا وهو الطبيب المتعلم، المثقف، المدني الواعي، البدوي الأخلاقي السوري المسيس.
عبد السلام العجيلي كاتب أبدع في القصة والرواية والشعر والسيرة الذاتية، قدم لنا ثروة ثقافية تزيد على الأربعين كتاباً والكثير من المقالات المنشورة في الصحف المحلية والعربية.
وهو واحدٌ من الذين وضعوا حجر الأساس للقصة السورية التي تميز فيها إلى جانبه المبدع زكريا تامر وآخرون.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved