الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th June,2003 العدد : 16

الأثنين 16 ,ربيع الثاني 1424

الصالونات الأدبية.. وبناء الوعي الوطني
ماذا أعدت وزارة الثقافة والإعلام لرعاية الصالونات الأدبية؟..
سهم الدعجاني (*)

لفترة طويلة، شكَّلت الصالونات الأدبية التي تشهدها بعض الدور في عدد من المدن السعودية، نوافذ يطل من خلالها الفكر والثقافة، موازياً للمنابر الرسمية مثل الأندية الأدبية وسواها من المؤسسات التي ترفع راية الفكر والثقافة.
وغرست هذه الصالونات الأدبية تقاليد ثابتة من خلال التواصل مع الأدباء والمثقفين وأهل الثقافة ولم يكن الأمر قصراً على دارة دون أخرى بل تكاد تلمس تشابهاً في الشكل مع تنوع في الطرح واختلافات يسيرة في الأسلوب.
انتشار المجالس الأدبية أو "الصالونات الثقافية" في بلادنا التي يحلو للبعض تصنيفها حسب أيام الأسبوع السبتية، الأحدية، الاثنينية، الثلوثية، الأربعائية، الخميسية وهكذا، أقول انتشارها في مجتمعنا السعودي في الآونة الأخيرة لايختلف أحد على اعتباره ظاهرة صحية في مشهدنا الثقافي المحلي، فخميسية حمد الجاسر الثقافية واثنينية عثمان الصالح، وندوة النخيل للدكتور محمد بن سعد بن حسين، وأحدية الدكتور راشد المبارك، وخميسية باجنيد، وأحدية أبي عبدالرحمن بن عقيل، وثلاثية محمد المشوح، وندوة سعود المريبض بمدينة الرياض، واثنينية عبدالمقصود خوجة، وثلوثية الطيب في مدينة جدة وأحدية أحمد المبارك واثنينية "النعيم" واثنينية العفالق وثلوثية المغلوث بالأحساء، واثنينية ابو ملحة في أبها واثنينية تنومة وغيرها على امتداد وطننا الغالي.
مقدمة تاريخية
يقول الدكتور راشد المبارك صاحب الأحدية الشهيرة في الرياض في معرض حديثه عن ندوته الأدبية:
يحضر الندوة فئات من الناس المختلفة في اهتمامها وتوجهها وفي أذواقها وأشواقها توجد فئة ترغب الخروج من هموم الأرض وغبارها واستبدال جذب فضتها وذهبها بالتوق إلى زاد المعرفة ومتعة الثقافة وفسحة العلم، هذه الفئة تجد متعة في توسيع مداركها بالمعرفة وتقويم نظرتها بالعمل والإطلالة إلى الآخرين في أفكارهم وتوجهاتهم من نوافذ الثقافة، ولقد عرف هذا الميل في طبيعة البشر منذ القدم، حيث مثل ذلك إقبال الناس على محاورات سقراط في أزقة أثينا إذ يلتف حوله المعجب والمحاور والمعارض، كما مثلت ذلك مدرسة أفلاطون في أروقته، وعرفت ذلك مساجد العواصم الإسلامية بما حوته من غنى في الاجتهادات والمذاهب والأفكار، كما عرفت ذلك المجالس الخاصة التي سجل أحدها أبو حيان التوحيدي في إمتاعه ومؤانسته، والعهد قريب بمنتدى مي زيادة وندوة العقاد.
وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد كان انتشار الصالونات الأدبية والفكرية من أبرز مظاهر الحياة الاجتماعية في كثير من البلاد الأوروبية، وأكثر تلك البلاد انشغالاً بذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي لم تتوحد آنذاك بعد وكان فريدريك الأكبر قيصر بروسيا آنذاك من أبرز الأمثلة في اصطفائه لأبرز أعلام الفكر والأدب في عصره ومنهم فولتير لصحبته ومجالسته وإيثاره لهم بمكانة عالية من التقدير.
ومنذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي ظللت المملكة ومنطقة الخليج سحابة من التزاحم والتسابق على نيل نصيب مما أفاض الله على تلك المنطقة من ينابيع الثروة، وانصرف إلى ذلك كل أو جل اهتمام كثير من الناس وطاقتهم وأشواقهم، إلا أن فئة أخرى من الناس لايسيطر عليها هذا الجانب، ومنهم من لايستطيع المنافسة فيه، ومنهم من لا يحالفه الحظ حتى لو أراد، هذا الصنف يجد متعته في مجالات أخرى من مجالات الحياة ونداءاتها، ومن هذه الجوانب المعرفة، ومع انتشار مراكز التعليم والثقافة في المملكة من مدارس ومعاهد وجامعات فإن اقتران هذه الدوائر بأوقات ملزمة ووجوب التفرغ لارتيادها جعل من تخطى مرحلة التعليم ومن منعته أعباء الحياة منه محروماً من الاستفادة من هذه المصادر، ومن ثم فإن هذا الفرد يبقى مسكوناً بالشعور بالحرمان مما يتطلع نحوه ويميل إليه.
وإلى جانب ما تقدم توجد فئة أخرى نالت قسطاً وافراً من التعليم ونصيباً من المعرفة جعلا أصحابها أساتذة ورواداً فيما حصلوه فهم يشعرون بالحاجة إلى لقاء أقران لهم لتفاعل فكر وتبادل معرفة وتوثيق رابطة، واكتساب جديد، لذلك جاءت فكرة إقامة هذه الندوة "ندوة الأحد" لتكون رافداً يقدم شيئاً من الزاد في هذا المجال.
ويقول الدكتور نجم عبدالكريم في مقال له نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها (8872):
والحديث يتشعب بنا، لو وقفنا على تفاصيل المجالس التي كانت تعقد في الشام ومصر، والعراق، إضافة إلى ما جئنا عليه في مجالس الخليج.. فمجلس مي زيادة في مصر كان منتدى علم وأدب، حيث تعقد فيه حلقات في كل يوم ثلاثاء ويتلهف على حضوره الكبار من الشخصيات، لدرجة ان الشاعر اسماعيل صبري قال فيه:
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقاً إلى الماء
إن لم امتع بمي ناظري غدا
لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء
ولم يحظ مجلس بشهرة مجلس مي زيادة، سوى مجلس العقاد الذي كان يعقد في كل يوم جمعة، وقد أتيح لي ان أحضره عدة مرات بصحبة وكيل وزارة الإعلام الكويتي صالح شهاب، وانتهزت في إحدى الزيارات فرصة لأسجل للعقاد لقاء إذاعياً لبرنامج أدبي كنت أقدمه.
وقد أفرد انيس منصور كتاباً ضخماً عنوانه: (كانت لنا أيام في صالون العقاد).. صحيح ان أنيس تحدث عن نفسه أكثر مما تحدث عن العقاد، لكن الكتاب يعد وثيقة تؤرخ لهذا الصالون، وما كان يدور فيه من مناقشات.
كما كتب الدكتور عبدالله ابراهيم العسكر مقالاً عن الصالونات الأدبية، نشرته صحيفة "الرياض" في عددها 11615، الأربعاء 7 محرم 1421هـ ومما ورد فيه قوله: كثرت الصالونات الأدبية أو الثقافية في حواضر العالم الإسلامي، في ضحى الإسلام وظهره، فكان بعض الأدباء والعلماء ووجهاء الناس يعقدون مجالس يجري فيها العلم بأنواعه، وكان أصحاب المجالس يتنافسون في ذلك، من ذلك مجلس الوزير المهلبي الذي كان من نتيجته كتاب الأغاني ومن المجالس المشهورة مجلس سيف الدولة الحمداني الذي تخرج منه المتنبي وأبو فراس والفارابي وابن خالويه وغيرهم كثير ومن مجالس العلماء مجلس ابي سليمان المنطقي وابن أبي عامر وكانت تلك المجالس تعقد للمتعة العقلية، ويجتمع فيها مسلمون ونصارى ويهود وأصحاب ديانات أُخر، ومن أشهر فرسان تلك المجالس ابن زرعة، وابن الخمار، وابن السمح، والقُمسي، ومسكويه، ويحيى بن عُدي، وعيسى بن عدي، وابو حيان التوحيدي الذي دوّن محاضر بعض هذه المجالس في كتابه (المقابسات).
ويروى ان الجهشياري قام بتأليف كتاب يحتوي على أربعمائة وثمانين سمرة من سمر العرب، وكان ينوي ان يجعلها على نسق ألف ليلة وليلة، ولكن المنية سبقته، ومثله فعل مسكويه وابن الداية وغيرهما، وكلها نتاج مما جمعوه في الصالونات الأدبية والثقافية، هذا ما كان، وأولئك هم نفر من نفركانوا رواد الأمسيات الثقافية، وقد ملأوا الدنيا علماً وأدباً وصلنا بعضه، وضاع مثله أو أكثر مع ما ضاع من تراث هذه الأمة.
أهداف الصالونات الأدبية
من خلال استقراء سريع لأهداف بعض الصالونات الأدبية في بلادنا نجد أنها تتفق في عدد من الأهداف والتي منها على سبيل المثال:
1 تقديم زاد من المعرفة في المجالات المختلفة، ووضع من لاتتيح له ظروفه فسحة من الوقت يفرغ فيها إلى القراءة والاطلاع في موضع الاتصال بما يجد في مجالات المعرفة من العلوم والآداب والاجتماع والسياسة والاقتصاد.
2 إتاحة الفرصة لذوي التبريز والمكانة في فروع المعرفة المختلفة لتبادل المعرفة والمشاركة في الخبرة واكتساب جديد.
3 تقريب وجهات النظر المتباعدة حول بعض الأفكار والمواقف وتعويد النفس حسن الاستماع إلى الآخر وحسن الظن به وتلمس موضع الصواب عنده والأخذ بما روي عن الإمام الشافعي الذي جاء في قوله: "ماناظرت أحداً فسرني أن أظهر عليه".
4 تكريم العلماء والمفكرين والشعراء والأدباء وغيرهم من المبدعين من داخل المملكة وخارجها، وتوثيق مسيرتهم من خلال إصدارات.
5 التعريف بالرموز الثقافية والعلمية والفكرية في بلادنا وجهودهم في النهضة التي تعيشها.
6 تفعيل العلاقة بين "المثقف" والشباب من خلال اللقاء المباشر المفتوح في جو تسوده روح المحبة والنقاش العلمي الرصين.
7 تبني "الحوار" كأسلوب علمي وسلوك حضاري يساهم في التقارب الفكري بين الأجيال.
8 التأكيد على الهوية الثقافية الأصلية لبلادنا المستمدة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
9 المشاركة في التعريف بما تعيشه المملكة من نهضة علمية وفكرية وثقافية وحضارية شاملة.
10 الحضور الفعال في المناسبات الوطنية والمشاركة فيها والعمل على تفعيلها والإفادة منها.
11 الاهتمام بالقضايا الاجتماعية المعاصرة وطرحها للحوار والمناقشة والسعي لايجاد الحلول المناسبة لها.
تنوع وتميُّز
المتابع للصالونات الأدبية في بلادنا، يجد ان هناك تميُّزاً وتنوعاً بينهما مما يقدم للمتلقي تنوعاً مقبولاً ومغرياً بالمتابعة، فهناك صالونات يغلب عليها الصيغة الأكاديمية طرحاً وحضوراً ونقاشاً، وهذا اللون له رواده ومحبوه كما ان هناك ندوات أخرى تأخذ شكل "الاحتفاء" بالناجحين وتكريمهم ميزة لها، وهذه أيضاً لها حضورها الإعلامي في مشهدنا المحلي.
1 خميسية حمد الجاسر الثقافية
أخذت من إرث الشيخ حمد الجاسر رحمه الله علامة تميز في الطرح، وفي الحضور، فهي تأتي دائماً "عفوية" في الطرح والتناول عندما لايكون هناك موضوع محدد، حيث يلتقي محبو الشيخ حمد الجاسر في مجلسه وفاء له، ويدور بينهم حديث
ثقافي جميل، كما تحرص إدارة الخميسية على اختيار بعض الموضوعات المهمة وطرحها على شكل محاضرات معلنة مسبقاً خلال الموسم.
2 اثنينية عثمان الصالح الثقافية
هذه الندوة حققت تميزاً واضحاً في حضورها من خلال تركيزها على جانبي "الاحتفاء" و"الحوار المفتوح" حيث نجحت في استضافة عدد كبير من الفاعلين في الساحة الداخلية ومكنت روادها من حوار مفتوح معهم:
معالي الشيخ محمد بن جبير رحمه الله رئيس مجلس الشورى السابق.
فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء.
صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل ابن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب.
صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز.
فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله .
الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مجلس إدارة مؤسسة عسير الصحفية.
صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب.
وآمل من ندوة الوالد عثمان الاستمرار على هذا النهج في تكريس الوعي الوطني، بفتح الحوار مع المعنيين بأمر الوطن، خاصة وان الاستاذ الصديق بندر بن عثمان الصالح يوظف علاقاته في خدمة هذه الندوة والتركيز على محور الحوار الوطني لمعالجة الكثير والكثير من قضايا المجتمع.
3 خميسية الوفاء بمنزل السيد أحمد باجنيد
تتميز في نظري، بأنها تحتفي ب"الشعر"، وتمنحه وقتاً محدداً في نهاية كل أمسية من أمسياتها، حتى انها عرفت بهذه الميزة، وعرف بعض الشعراء من خلالها، لذا نجد أن أصحاب المواهب الواعدة من الشعراء الشباب يحرصون على حضورها ويتنافسون في إلقاء قصائدهم في أماسيها الجميلة، خاصة وان خميسية الوفاء التي هي امتداد وفائي جميل لندوة الاستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله تحظى بحضور عدد من الأكاديميين والنقاد الذين يحرص هؤلاء الشباب على سماع آرائهم والأخذ بها لاكتمال موهبتهم الشعرية خاصة وان الاستاذ محمد أحمد باجنيد صاحب الخميسية يتميز بعلاقاته الطيبة في المشهد الثقافي المحلي.
4 أحدية الدكتور راشد المبارك
تتميز بأنها تطرح برنامجها الثقافي لكل فصل دراسي، بشكل مجدول مع بداية كل موسم، مما يسهل على روادها اختيار الموضوع المناسب ومن ثم حضوره، كما انها تتميز بان هناك تناوباً على إدارتها من قبل حضورها.
5 ثلوثية المشوح
صحيح انها بدأت متأخرة بعض الشيء في مدينة الرياض، لكنها استطاعت ان تأخذ مكاناً متميزاً بين تلك الصالونات من خلال نوعية الحضور وجودة الموضوعات المطروحة وحسن اختيار المشاركين ويبذل صاحبها الاستاذ الصديق محمد المشوح هذا الشاب المثقف ما في وسعه لامدادها بالمتميزين من الشباب لادارتها.
ولاشك ان بقية مدن بلادي مليئة بالصالونات الأدبية لكني اقتصرت على بعض الصالونات في مدينة الرياض من واقع حضوري لبعض فعالياتها، وإلا لاشك ان اثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة حققت نجاحاً كبيراً تجاوز حدود الوطن، في الاحتفاء بالمبدعين والناجحين في مختلف فضاءات الفكر وكذلك ثلوثية الطيب والتي تميزت بالطرح الجريء والمكاشفة للعديد من الموضوعات في مشهدنا الثقافي المحلي وغيرها.
كما لا ننسى ان تلك الصالونات الأدبية في الواقع قنوات شعبية تساهم بشكل جاد في خدمة الحركة الثقافية في بلادنا بردم الفجوة بين الشيوخ والشباب من خلال لقاءات حميمية في جو مفعم بالفعل الثقافي الممزوج بنكهة بيئتنا السعودية وطيبة نفوسنا قبل مجالسنا المفتوحة.
كما ان مثل هذه الصالونات فرصة لتسليط الضوء على من ابتعد عن الفعل الإعلامي، فهي تمنحه "نافذة" ليطل من خلالها على شريحة هذه الندوة التي تحرص على الحضور والتفاعل والمداخلة، ثم تمنحه فرصة أخرى عندما يكتب عنها في الصحف، فكم قدمت لنا تلك الصالونات من مثقف أو مبدع لم نعرفه من خلال قنوات الثقافة الرسمية بل تعرفنا عليه من خلال تلك المجالس الثقافية، كما ان تلك المجالس الأدبية فرصة حقيقية للواعدين في مجالات الابداع المختلفة الأدب والصحافة والحوار وغيرها فكم من شاعر واعد وجد فرصته الحقيقية في تلك "الصالونات" وكم ناشئ في رحاب الأدب وجد تربة صالحة لموهبته في ردهات تلك الصالونات، بل إن بعضها ساهم من خلال طباعة منجزها الثقافي في إعطاء أولئك الشباب فرصة للوصول إلى المتلقى، وكم من صحفي وجد في تلك الصالونات فرصة سانحة لإجراء الحوارات الثقافية وتوثيق الصلات الفكرية وقبل ذلك معرفة رموز الحركة الثقافية في بلادنا وغيرها من خلال حضور تلك "الصالونات"، فقد تسمع بأديب أو تقرأ لكاتب أو تطرب لشاعر أو.. أو.. فتجده بشحمه ولحمه أمامك في مجلس وقور وجلسة هادئة ليس بينك وبينه حجاب، فتجلس في حضرته وتنهل من معينه طيلة سويعات الندوة، بالله عليكم، أليس في ذلك ردم للفجوة بين المثقف والمتلقي في بلادنا من خلال تلك المجالس المفتوحة والقلوب المشرعة للجميع.
إن تلك الصالونات الأدبية بكل اقتدار وصدق نجحت في تجسير الفجوة بين الشباب والمثقف، لا أقول المثقف العربي فقط بل حتى المثقف السعودي خاصة ونحن نعيش قطيعة مع المثقف السعودي في ظل تقصير القنوات الرسمية عن أداء دورها الحقيقي في حياتنا الثقافية.
هناك سؤال ملح يطرح دائماً.. ما مدى الاستفادة و"الإفادة" من "الصالونات الأدبية"؟
وهل هي وسيلة للبناء الثقافي الايجابي في ظل الإقبال المتزايد عليها من فئة الشباب وغيرهم؟
لابد لنا ان نعترف ان أصحاب هذه "الصالونات" بذلوا الكثير والكثير من أوقاتهم وأموالهم، للباحثين عن الثقافة فيها، ولكن هناك من يطرح سؤالاً: لماذا بذلوا ذلك كله؟ هل هو للثقافة أم للوجاهة؟ ولكن من باب الجدل عندما تصبح "الثقافة" شكلا من أشكال الوجاهة الاجتماعية، هل تلك ظاهرة صحية أم مرضية في المجتمع؟ مما لاشك فيه أن تلك الصالونات قد اختصرت بتفوق المسافات الشاسعة بين "الكبار" و"الصغار" ان صح التعبير في منظورنا الاجتماعي، ومكنت الشباب المتطلع إلى تثقيف ذاته بمجالسة "الرموز" المثقفة بل والنهل من "معينها" مباشرة.
إن ثقافة المجالس لم تعد حلاً مؤقتاً وإجراء عاجلاً لانعاش جسد الثقافة المحلية الذي يعاني من "القصور" و"التقصير" تجاه القضايا الفكرية في ظل غياب مؤسساتنا الثقافية وتقاعسها عن الدور المناط بها، بل ان تلك "المجالس" التي بذل أصحابها مشكورين وقتهم ومالهم لاستقبال محبي الثقافة ومريدي المطارحات الفكرية وعاشقي "الحوار" إنهم بذلك يساهمون مشكورين في صياغة مشروعنا الثقافي الوطني على قدر استطاعتهم في ظل هذا الغياب.
ولمزيد من "التفاؤل" و"الإنجاز" مع هذه "الصالونات الأدبية" أطرح بعض "التساؤلات":
ماحظ تلك "الصالونات" من المتابعة والتشجيع من قبل الجهات المعنية بالشأن الثقافي في بلادنا لبلورة هذا المشروع الوطني التطوعي؟
ماحظ تلك المجالس الفكرية من المساهمة في صياغة المشهد الثقافي المحلي وإرساء قواعده التي تميزه عن بقية المشاهد الثقافية في الوطن العربي؟
لماذا تأخذ معظم تلك الصالونات منحى الاحتفاء والتكريم لضيوفها؟ أليس في ذلك إشارة إلى ما يعانيه الوسط الثقافي في بلادنا من قلة الجوائز الاحتفالية بالإبداع وأهله؟
الصالونات الثقافية النسائية
لقد أصبحت الصالونات الثقافية النسائية في بلادنا واقعاً ملموساً فها هي مجالس المرأة تزينها الثقافة والحوار العلمي الهادي خاصة عندما تصدى بعض سيدات المجتمع المثقفات وفتحن منازلهن لاستضافة مجالس الفكر والعلم، أمثال: الاستاذة سلطانة السديري الشاعرة والكاتبة المعروفة بالرياض، والاستاذة سارة الخثلان صاحبة الملتقى الثقافي "الأربعائيات" بالدمام، والسيدة مها أحمد فتيحي صاحبة أشهر صالون أدبي بمدينة جدة، وغيرهن الكثير من سيدات المجتمع السعودي اللائي جذبهن بريق الحرف وأغرتهن أصالة الفكر.
للتاريخ فقط
تحت وطأة الشعور بضرورة الوصول إلى شخصية مستقلة تولد الإحساس لدى الشباب للبحث عن مرجعية أخرى يتم من خلالها استلهام الابداع، جاءت هذه الصالونات طوق نجاة في ظل الغياب الكبير الذي تسجله المؤسسة الثقافية في بلادنا عن دورها تجاه الناشئة الطامحين إلى التواصل والمثقفين المتعطشين إلى المزيد..
ليس بوسع المراقب لهذه "الصالونات"، ان ينكر حضورها الثقافي في نفوس المثقفين، أو يتجاهل إسهامها الجاد في تناولها الوطني للعديد من القضايا المعاصرة مؤكدة دورها في صناعة منجز وطني جديد، غير انها رغم ذلك كله تظل محاولة تنقصها الروح المؤسسية ذات الصفة التأثيرية الفاعلة، فهي مجرد جهود فردية، تحاول الإسهام بما تستطيع في خدمة هذا الوطن المعطاء، فلأصحابها كل الشكر والامتنان والدعاء لهم بالتوفيق والنجاح.
أفكار لتطوير الصالونات الأدبية
إقامة ملتقى يجمع أصحاب الصالونات الثقافية على مستوى المملكة برعاية وزارة الثقافة والإعلام.
إصدار مطبوعة دورية تعنى بهذه الصالونات وأخبارها.
لماذا لا تتواصل هذه الصالونات الأدبية مع أصحاب المواهب الواعدة في المدارس الثانوية والكليات والجامعة القريبة منها للتعرف على الموهبة ورعايتها بشكل مبكر، ولربط هؤلاء الواعدين بالمجالس الثقافية لمزيد من تكريس ثقافة "الحوار" مع الآخر.
وفي الختام أطرح بعض التساؤلات، لمزيد من الإضاءة لزاوية "الصالونات الأدبية" في مشهدنا الثقافي المحلي:
متى يتم رصد هذه الصالونات من خلال عملية مسح شامل لكافة مناطق ومحافظات المملكة؟؟
ماذا أعدت "وزارة الثقافة والإعلام" وهي الجهة المعنية بالشأن الثقافي في بلادنا لدراسة أوضاع تلك الصالونات الأدبية والعمل على تطويرها ودعمها لمزيد من خدمة ثقافتنا المحلية.
وأخيراً هناك مجالس مفتوحة في أيام محددة يغلب عليها صفة "الثقافة" لمكانة أصحابها ولنوعية حضورها، لكنها لا تأخذ طابع الصالونات الأدبية المعروفة، وعلى سبيل المثال في مدينة الرياض، لدينا مجلس الدكتور ابراهيم العواجي، وكيل وزارة الداخلية السابق والمثقف المعروف كل يوم قبل المغرب، ومجلس الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير الدولة والمثقف المعروف يومي الخميس والجمعة بعد المغرب ومجلس الشيخ عبدالعزيز السالم الأمين العام لمجلس الوزراء والكاتب المعروف، يوم الجمعة بعد المغرب، ومجلس الدكتور أحمد الضبيب عضو مجلس الشورى ورئيس تحرير مجلة "العرب"، يوم الجمعة بعد الصلاة، ان مثل هذه المجالس المفتوحة تقدم خدمة جليلة للناشئة بربطهم بالشخصيات المثقفة والفاعلة في المجتمع، لفتح باب الحوار حول العديد من القضايا، كما ان هذه المجالس الخاصة تأتي مشاركة من هؤلاء المثقفين للتواصل الحضاري مع مختلف شرائح المجتمع خاصة شرائح الشباب الذين أحبوا هؤلاء وقدروا دورهم الثقافي، وحضورهم الفاعل لفتح نوافذ الحوار الوطني حول العديد من مستجدات العصر.
+++++++++++++++++++++++++++
(*) مدير مركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved