الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th June,2003 العدد : 16

الأثنين 16 ,ربيع الثاني 1424

صدى الإبداع
سلطة الراوي (5 - 5)
د. سلطان بن سعد القحطاني

الراوي، ذلك الانسان القادر على حفظ الأحداث وتسويقها في الوقت المناسب.
فمن الناحية اللغوية المعجمية، نجد الراوي وقد اشتق من الفعل العربي "روى" يقول صاحب لسان العرب في مادة "روى" حمل ونقل، وهي مأخوذة من الري، أي السقي، والرواية "المزادة" تروي الناس، ورجل راوية يحمل الماء إلى أهله، ورجل راوية يحمل الديات عن القوم.
فإذن مصدرها "السقي" والنقل من مكان إلى آخر. أما صاحب مختار الصحاح، فيذكر "روى" الحديث والشعر يروي بالكسر "رواية" فهو "راوٍ" في الشعر والماء، والحديث من قوم "رواة".. و"روَّى" في الأمر "تروية" نظر فيه وفكَّر. وتقول: أنشد القصيدة يا هذا ولا تقل أروها. إلا أن تأمره بروايتها، أي استظهارها. ومن هذه الدلالات اللغوية المعجمية للكلمة، يتضح نقل الخبر قياساً على نقل الماء، ثم السقي، ثم التروي والتفكير في الأمر، وهو ما تعنيه الرواية وتحمله من فكر، والراوي يحمل الفكرة جاهزة وفي ذهنه ما يشبه المخطط الهيكلي لرواية يكتبها راوٍ أعد عناصرها في ذهنه مسبقاً، قصة حدثت بالفعل نقلاً بالمعنى لأحداث القصة. هذا النمط الكتابي من الرواية لا يختلف عن القصة الطويلة، التي لا تحتوي على أهم عناصر الرواية، تلك هي "العقدة" ومن حيث الدلالة العربية في الرواية التي تعني النقل، وعلى هذه الحالة يكون الراوي ناقلاً وليس مبدعاً، فهو لم يخلق شيئاً من عنده، فما هو إلا مسير للفكرة الجاهزة، وهو المتسلط على الفكرة، فهو صانع يصنع السرد الشفوي على الورق، ومنها السيرة الذاتية والسيرة الغيرية وأحداث التاريخ وقصص الأنساب والحوادث، وأحياناً تكون فيها عقدة روائية، لكنها عقدة جاهزة وربما تكون مفتعلة. وللنقد الحديث رؤية دقيقة حول سلطة الراوي على السرد.
1 الرؤية من الخلف:
وتتلخص هذه الرؤية في اعتبار الراوي، أو القاص، الصوت العالم بأحوال أبطاله وتفاصيلها، بل القادر على استنطاق خفايا النفوس،وفضح سلوكها، أو يبرر مواقفها، فهو ذات مهمينة، توجه الأحداث نحو القناعة التي يريد أن يحضرها في ذهن المتلقي، ويتوسل لذلك بضمير الغائب في عملية الحكي، لما لهذا الضمير من رحابة حكائية، قادرة على الامساك بكل العناصر، التي تتحرك داخل الاطار القصصي، فهو صوت سلطوي، يتحسس القارئ اليقظ وجوده في كل وحدة سردية، وهو صوت ذكي يجنب نفسه نفور المتلقي، فيتحايل على الأخير بكل فنون الكتابة والايحاء ليخضعه لما يريد قوله..بلغة قادرة، ووعي بوظائفها، واستدرار لعواطف المتلقي، وقد برع في هذا الأسلوب كثير من كتًّاب العربية في العصر الحديث، مثل سيد قطب والمنفلوطي والرافعي ونجيب الكيلاني ومحمد عبده يماني، لكن قصصهم تخضع للأفكار المسبقة الصنع، ولا تحمل رؤية روائية.
وينتشر هذا الملمح في السيرة الذاتية، والذكريات، والمذكرات اليومية، وأول سيرة عربية بدأت في العالم العربي، سيرة عبدالرحمن شكري، وسيرة أحمد أمين، ثم سيرة طه حسين، واستعمال ضمير الغائب، عبارة عن درع بشري، أو رؤية ضبابية تقي الكاتب مأزق الاحراج مع الآخرين.. فهو كالذي يمرر الأشياء باسم غيره، وفي الوقت نفسه يصبح الحديث له في النهاية.. ويعتبر هذا الأسلوب من الأساليب القديمة، ذات الرقيب الداخلي، والتعامل مع الشخصيات بسلطة مطلقة، وكأن الشخصيات التي يتعامل معها عمال يشتغلون تحت امرته، فهو أي الراوي يتعامل مع الأحداث الجاهزة، والشخصيات التي تحرك الأحداث، بسلطة تخول له تقريب هذا وابعاد ذاك. لذا فهو غير مبدع، لأنه يتعامل مع كل الفئات بوعي كامل وخطة مرسومة سلفاً قبل الشروع في الكتابة، وهذا ما نلاحظه في الكثير من الروايات التي كتبت في البلاد العربية، بلا نسيج روائي يربط الأحداث في سياق روائي توجهه فكرة رئيسة، وليس راوٍ ينقل الأحداث التاريخية من منظور ما ضوي غير موظف للمستقبل، ونود أن نضرب أمثلة من واقع الرواية المحلية، وقد جاء هذا اللون من ألوان الكتابة من مصدرين:
الأول: مصدر ثقافي، والثاني: مخزون الذاكرة.
الأول: ظهر في نهاية القرن العشرين في كتابات الروائيين الناقلين. مثل:
عبدالله الجفري، الذي لم ينفصل عن محاكاة "مي زيادة" وهي مصدر ثقافي تأثر به الكاتب في كل كتاباته الروائية والمقالات الصحفية.
سيف الدين عاشور "لا تقل وداعاً" مقلداً وناقلاً فكرة شكسبير في روايته "روميو وجولييت" التي أخذ فكرتها من الأسطورة البابلية "الحب الخالد".
محمد زارع عقيل وطاهر عوض سلاَّم، مقلدان لجرجي زيدان لنقل التأريخ بلا توظيف.
الثاني: مخزون الذاكرة، أو الذاكرة الشعبية.
عمر طاهر زيلع: استخدم الذاكرة الشعبية كناقل لها، بلا توظيف.
عصام خوقير، يحمل فكراً مسرحياً لم يستطع توظيفه، أو التخلص من ماضوية الفعل.
توثيق التاريخ الاجتماعي. عند عبدالكريم الخطيب، سعد العفنان، سليمان الحمَّاد، حمد الرشيدي، ناصر بن جريد.
وسيكون لنا حديث حول هذه الظاهرة في حلقات قادمة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved