الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 16th June,2003 العدد : 16

الأثنين 16 ,ربيع الثاني 1424

أصالة بدوي أمام مغريات الحضارة
ماذا تريدين لن أهديك راياتي
ولن أمد على كفيك واحاتي
أغرك الحلم في عيني مشتعل
لن تعبريه فهذا بعض آياتي
إنه رفض تجلله العزة بالذات، وامتناع متوج بالكرامة إنه شموخ، بل كبرياء أمام الحضارة المادية الممقوتة التي سادت العباد، وتسيدت المكان فسحرت العقول، وخالجت النفوس، وسكنت سويداء القلوب، وسيرت أتباعها في صراع للظفر بها، وكسب ودها فأفضت بهم تلك الحال إلى انعدام القيم، والمبادئ حتى أصبحوا قوالب شكلية منعدمة من أدنى سمات الإنسانية الرفيعة. إنها نبرة أنفة انبعثت من بدوي يقطن صحراءه ليسد كل مسالك الأمل في قلب تلك الحضارة المادية التي وقفت أمام خيمته محاولة إغراءه بمفاتنها وتملك من غنج، ودلال آسر للجنان هدفها من وراء ذلك ان تجعل هذا البدوي ينسلخ من أرومته وبداوته لينخرط في لجي الحضارة القاتلة للمبادئ فلا يلبث إلا ان يكون صخرة تنكسر عليها مطامع تلك الحضارة وذلك من خلال ابتهاجه، وأنسه بحايته البدائية التي يمارسها في اليوم، والليلة على الرغم من يتكبد فيها من شظف، ومشاق في العيش فالحضارة قدمت له السيارة الفاخرة والقاطرة لكنه استبدلها ببعيره الذي يمتطي صهوته ويحدوه بأجمل الأهازيج في سفره حيث يقول:
هذا بعير على الأبواب منتصب
لم تعش عينيه أضواء المطارات
وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
تهدهد العشق في مرعى شويهاتي
فالبداوة مع تمسكه بأصالته، وخصاله الحميدة هي أحب إليه من الحضارة الماكرة المجردة للإنسانية من معانيها ثم يبين الوشائج الوثيقة التي تربطه بتاريخ البيئة الصحراوية بأنه تاريخ تليد ضارب في جذور القدم وراسخ في أعماق ذاكرته فكل ذرة رمل فوق أديم هذه البيداء تسطر له امشاجاً من البطولات الحافلة بالعطاء فكيف يمكن ان ينسلخ عن جزء من دنياه بعد محور حياته حيث يفخر بذلك كاملاً.
أنا حصان قديم فوق غرته
توزع الشمس أنوار الصباحات
أنا حصان عصي لا يطوعه
بوح العناقيد أو عطر الهنيهات
هذي الشقوق التي تحتال في قدمي
قصائد صاغها نبض المسافات
وهذه البسمة العطشى على شفتي
نهر من الريح عذري الحكاياتي
ماذا ترين بكفي؟.. هل قرأت به
تاريخ عمر مليء بالجراحات
إنها روح جامحة بين جنبي ذلك البدوي لا تحد بحدود، ولا تقاد مكروهة دون إرادة صاحبها فهي غالية لا تبيع مكارم الأخلاق مهما قدم لها أبهض الصفقات ومن أراد التجارة في هذا المدار فلن تربح تجارتهم. فمهما قدمت له تلك الحضارة من اختراعات، وتقنيات، وابتكارات حديثة ليسير في مواكبها ويشدو بمحاسنها، ويلهج بخيرها فإن ذلك يرتد عكساً في نفسه ليزيده إصراراً على موقفه، وثباتاًَ على رأيه الثاقب، وحبا لأعرافه، وتقاليده التي لاينفك عنها البتة فلسان حاله يقول أيتها الحضارة التي زرعت الحقد، والجفاء، والتنافر بين قلوب الخلائق وولدت الايغال في حب الذات لن تستطيعي ان تقتحمي حياتي وتغيري نخوتي فهي متغلغلة في قلبي حتى الخلجات مهما ادعيتي أنك ستغيريني في حياتي وستنقليني إلى عالم المثل فلن أنصاع إليك ولن أنقاد لأهوائك فلن أترك بعيري مقابل المركوبات العصرية، ولا خيمتي الصغيرة بالمنازل المشيدة، ولا ريح الخزامى بالعطور المستوردة، ولا هدوء صحرائي المسكون بالأمن بجلبة، وضوضاء المدينة الصاحب، ولا ضوء القمر في هزيع الليل الساحر بأنوار المدينة المعتي للعين، ولن أتنازل عن رمل صحرائي ولو بدلت بجنات خضر معروشات. فترجم ذلك في شعره قائلاً:
يا أنت لو تسكني البدر في كبدي
تشعليني دماء البحر في ذاتي
فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي
ولا عبير الخزامى من عباءاتي
فلا تملك تلك الحضارة إلا ان تنكص على عقبيها تجر أذيال الخيبة بعد ان عجزت وفشلت في إغواء ذلك البدوي في أن يكون أحد اتباعها.
+++++++++++++++++++++++++++
فيصل بن عبدالله السويدي
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved