الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th August,2004 العدد : 72

الأثنين 30 ,جمادى الآخر 1425

أعراف
العناد
محمد جبر الحربي

هل كان لزاما علينا أن نكون هكذا، وأن نعيش هكذا ساعين ما بين سفوح الخديعة والسراب، وقمم الحزن والضياع والجنون!
هل كان لزاما علينا أن نختار تلك الطرق الوعرة، وهذه الممرات العالية التي تحبس الأنفاس، هذه القيم والمثل التي نتعالى بها، ويجرِّمنا الآخرون من الباعة على التشبث بها؟!
هل كان لزاما علينا أن ننحاز لقضايانا، ونحترق من أجلها، وتقصف أعمارنا في سبيلها، تنفطر قلوبنا، وتتسع جراحنا باتساع الأوطان، ولا أوطان في الأوطان؟!
من المغرب للمشرق كان حبُّنا وهمُّنا وشِعْرُنا ونزف أقلامنا.. ومن المشرق إلى المغرب كانت أحلامنا تذوي، وآلامنا تدوي بصرخات الأسى واستغاثات الموتى.
وها قد كبرنا وما ظل فينا متسع لانكسار آخر، وخيبة أخرى، وصرخة أخرى.
ولا ظل في مدافن القلب مكان لشهيد آخر، لطفلة صريعة أخرى. ما ظل في العين مكان لانتكاسة علم آخر، ولا في القلب وجيب لسقوط عاصمة اخرى، ولا في الروح روح لاحتمال انهيار آخر.
ها قد كبرنا واكتسحنا الشيب فيما الدبابات تكتسح حقول معرفتنا وآمالنا، حقول فتوتنا وعزتنا، وحقول كرامتنا.
ماذا أخذنا من العمر إذاً غير أزيز الطائرات، وهدير المدافع واحتراق الجثث والأوطان؟!
منذ نعومة أظافرنا ونحن نسعى من حرب إلى حرب، ومن دمار إلى دمار ومن خيبة إلى ارتكاس، ومن خديعة إلى انتكاس.
أوكلما جمعنا أشلاءنا، وعقدنا آمالنا، وجمعنا طاقة الجسد والذهن انهد جدارنا بفعلنا قبل فعل غيرنا؟!
يا لهذا الدمار الهائل، ويا لهؤلاء البشر المدمرين؟!
واليوم، وقد كبرنا، اصبحنا نخاف حتى من الحلم، نخاف أن نحلم حتى لا يتهدم جدارنا، ولا تسقط مدننا، ولا يموت أهلنا، ولا تباع أوطاننا، ولا تشترى ذممنا وعيوننا.
أصبحنا نخاف حتى من أن نسمي مدننا، وأحبابنا ومثلنا حتى لا تنقض عليها يد الأذى من إنسان هذا العصر وآلته، اقتصاده، وخرابه.. من يد ساسة ما خلف البحار المظلمة الذين يحيكون خطط دمار البشر، والبيئة، والمجتمعات، إلا سنوات انتخابهم القصيرة التي يحرسونها بالمدمِّرات والطائرات والجيوش المجيشة.
يا لهذا الدمار الهائل، ويا لهؤلاء البشر المدمرين!!
هؤلاء الذين استخلفهم الله في الأرض، فعاثوا فيها فساداً، وسعوا بكل ما امتلكوا لتدمير بيئتها: ترابها، مائها، وهوائها.
وتخريب مجتمعاتها، ودك كل حضارة لا تتواءم مع مقاييس الخراب الذي ابتدعوه ورعوه من مكاتبهم الخلفية المحصنة.
وعندما لم تعد عقولهم وآلاتهم الجهنمية تكتفي بدماء المئات أو الآلاف من بني الإنسان، ولا بنوكهم تكتفي من عوائد الاقتصاد الحر.
أشعلوا الحروب الطاحنة، وبرّروا الإبادات الجماعية، والسجون الجماعية للقرى والمدن، والحصار إثر الحصار، والمقاطعات للدول بحيث لا يمر العام إلا على جثث مئات الألوف من البشر.
أو لم تقل مادلين أولبرايت: إن مقتل مليون طفل أمر عادي في سبيل تحقيق أهداف أنبل..!! أو هكذا؟!
إذاً مقتل مليون إنسان مسألة لابد منها لكي يرضى السياسي، والتاجر، وصانع السلاح.. الغربي الأبيض المتحضر.
لقد كبرنا إذاً وغطى الحزن مراحل من عمرنا، وهرم العالم معنا، وتكشفت للناس، وإن متأخراً، خديعة الديمقراطية الغربية الكاذبة، وزيف بريقها.
وتعرّى الوجه البشع لحضارة القتل والدماء.
هل كان لزاماً علينا إذاً أن نكون مع الإيمان ضد الكفر؟!
ومع الخير ضد الشر؟!
ومع العدالة ضد الظلم؟!
ومع النور ضد الظلمة؟!
ومع الهوية ضد التمييع والانحلال والاحتلال؟!
ومع اللغة ضد التلاشي؟!
الجواب وببساطة.. نعم
لأننا وما أجملنا، نحن أصحاب الحق، والهوية المعاندة، كلما سقط لنا شهيد أو قاوم مقاوم، أمحى ضعفنا، والتأم جرحنا، واستوى عودنا، وازداد عنادنا.
ولو أعطينا من العمر مثله لأعدنا عنادنا، في سبيل الحق والخير والجمال، ولوقفنا وقفة واحدة ضد شياطين الحروب ولو أضعنا أعمارنا.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved