الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 16th August,2004 العدد : 72

الأثنين 30 ,جمادى الآخر 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
رجُل الأدب الإسلامي ((12))
بقلم/علوي طه الصافي

قبل أن أتعرّض لصاحبنا محور هذا الموضوع أجد لزاماً عليَّ، وبإملاء الموضوعية أن أتحدث عن (ظاهرة)، أو على الأصح (تجربة) وماهية (الأدب الإسلامي)، مع التعريج على موقف مناوئي المصطلح، ومناهضيه، وموقف مؤيديه، ومناصريه.
وهذا يدعونا إلى (تفكيك) المصطلح، وكيف، وأين نشأ أول ما نشأ؟ وهل حقق الانتشار والذيوع في صفوف القراء المتلقين بالشكل الذي حققته الظواهر، والتجارب الأدبية الإنسانية على الأقل في مشرقنا العربي والإسلامي؟
حين نطلق (مدلول الأدب) على إطلاقه فإنه يتبادر إلى الذهن أنه النصوص الكتابية التي تتناول فنون الأدب وأجناسه، من أدب مقالة، أو قصة قصيرة، أو شعر، أو مسرحية سواء أكانت شعرية أم نثرية.. وهذه أبرز نصوص، أو فنون، أو أجناس الأدب الكتابية.
وإذا أخذنا الأدب بصفته أداة تعبير إنسانية فنية بعامة، فإننا نضيف إلى تلك الفنون والأجناس (الفن التشكيلي)، بخطوطه وألوانه التي يوظفها الفنان المبدع بريشته، وهذا الفن متعدد الدلالات، فقد يرسم قصة أو رواية، أو مسرحية تاريخية أو إنسانية كما رسم (بيكاسو) لوحة (الجورنيكا) عن الحرب الأهلية التي شهدها في وطنه (إسبانيا)، أو بعض لوحات (مايكل أنجلو)، و(ليوناردو دافنشي)، إذا استبعدنا لوحاتهما عن سيدنا المسيح عليه السلام، ومريم العذراء، وتجسيد صورهما كما شاهدناها داخل مبنى (الفاتيكان) في روما بإيطاليا، ومنها لوحة (العشاء الأخير)!!.
ونقف أمام أداة تعبير فنية أخرى موقفاً محايداً لاختلاف الفقهاء فيها، مع انتشارها في أغلب البلدان الإسلامية على مرأى الفقهاء دون أن يكون لهم موقف مناهض، ومناوئ لها، بل تقام من أجله (المعارض) الفنية العامة المفتوحة التي يشاهدها جمهرة من الناس.. هذه الأداة التعبيرية الفنية تتمثل في (فن النحت) التجسيمية للمخلوقات ومنها الإنسان وتكاد (المملكة العربية السعودية) تتفرد عن الدول الإسلامية بعدم وجود ظاهرة (فن النحت) التجسيدية للمخلوقات الإنسانية، وحين نقول إننا نقف من (فن النحت) موقفاً محايداً فليس لأننا معه، أو ضدّه، وإنما لارتباط هذا الموضوع بفتوى شرعية تستند إلى الكتاب، أو السنة، وليس بين أيدينا مثل هذه الفتوى كي نستند إليها، وإن كنا نجد في عموم ما قرأناه حُرمة ما له ظل، وفيه تشبيه بمخلوقات الله سبحانه وتعالى.
وحين نأتي إلى المدلول الثاني للمصطلح، وهو مدلول (الإسلامي) نسبة إلى (الدين الإسلامي) بكل ما يدعو إليه من قيم ومبادئ ومكارم الأخلاق والسلوكيات النبيلة، والتوجهات التي تدعم كلّ ما يدعو إلى الخير والفضيلة، والعدل الإنساني، والحرية المسؤولة لا المنفلتة دون ضوابط, وحقوق الإنسان وهذه القيم والمبادئ الفاضلة التي تنمي في الإنسان حبّ الخير والعدل، والعمل بوسائل مشروعة، خالية من النصب، والاحتيال، وأن ينأى بنفسه عن الفاحشة، وارتكاب المحرمات، والترفع عن الوقوع في حبائل الشيطان، وبرك الرذائل الآسنة، ومستنقعات الفضائح، والغيبة، والنميمة، والبهت، وأن يكون في مجتمعه إنساناً يحترم غيره، كما يحترم نفسه، وأن يحب الخير لغيره، كما يحبّه لأهله، ولأولاده، ولنفسه.
والإسلام من خلال هذه الصور والمعاني المشرقة لا يفترض أن يعيش الناس سواسية كأن يعيشوا كالملائكة، أو كسكان (المدينة الفاضلة) التي صوَّرها بعض الفلاسفة مثل (الفارابي)، ولأنه دين فطرة واقعي فإنه يقرّ بوجود (أضداد) هذه الصور والمعاني المشرقة، وقسَّم (النفس البشرية) إلى أقسام مثل (النفس الأمارة بالسوء)، و(النفس اللوَّامة) وأرقاها وأعلاها النفس المطمئنة حيث قال فيها سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
ومنذ خلق الله البشر والأرض جعل الدين عنده الإسلام، وكان الله قادراً على أن يجعل البشر كلهم يؤمنون بدينه الأزلي الذي اختاره، ولما احتاج إلى إرسال الرسل والأنبياء، وإنزال كتبه السماوية، لكن ذلك لم يحدث لحكمة يراها سبحانه، لأنه يعلم جل وعلا أن الإنسان كما قالت عنه الملائكة يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، وقد عانى الأنبياء والرسل، وأوذوا، وحوربوا خلال تأديتهم رسالاتهم.
وما كان سيدنا وحبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام مسك ختام الأنبياء والمرسلين، ما كان ليسلم من أذى وإيذاء ليس أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين فحسب، بل من بعض أهله، وأقرب المقربين إليه إذ أخرجوه وأصحابه من قريته بعد كلّ ما قدروا على فعله، إلى حد أنه كان يشهد في حُزْنِ المؤمن قتل أحبابه وأقرب الناس إليه مع التشنيع بهم، وأكل كبودهم كما حدث لسيد الشهداء عمّه (حمزة بن عبد المطلب) رضي الله عنه.
وهذا الاستطراد نختصره بأن الرذيلة والفضيلة تتنازعان حياة الناس كما يتناطح الخير والشر كل المجتمعات الإنسانية، إسلامية كانت أم غير إسلامية.
ولأن الأدب أداة تعبير كتابية فنية تتميز بالخلق والإبداع فإن القاصّ، والروائي، والمسرحيّ يختار من المجتمع الزوايا المثيرة لعملية الخلق والإبداع درامياً، وبشكل مؤثر على قارئه، والعبرة بالنهاية والنتيجة، فإذا جاءت لانتصار الشرّ على الخير، أو لنشر الرذيلة بتحسينها للقارئ، فإن عمله لا يصنف في قائمة (الأدب الإسلامي)؛ والمبدع لا يستلهم شخوص قصته، أو روايته، أو مسرحيته من العدم، أو من (الميتافيزيقيا) أو من أحد الكواكب الأخرى، كما نشاهد في الأفلام العلمية (الهوليودية) الأمريكية.
ولنا في قصة ابن الإمام (أحمد بن حنبل) مندوحة، حين جاء لأبيه طالباً حفظ الحديث الشريف فزوده (أبوه ابن حنبل) بمجموعة من الأحاديث، وبعد أن حفظها عاد لأبيه لإعلامه بأنه حفظها فردّ عليه أبوه (ما عداها صحيح)!! أي أنه أعطاه في البداية (غير الصحيح) من الأحاديث لينطلق منها إلى الأحاديث الصحيحة!
ونأتي إلى نقطة مهمة في مفهومنا للأدب الإسلامي بعد ذلك الحديث الطويل الذي نرى أنه كاف، إن لم يكن مملاً، وهي نقطة يثيرها سؤال طرحه من يرى أن في مصطلح (الأدب الإسلامي) ضبابية وتماهياً!! والسؤال هو: هل يشترط في كاتب (الأدب الإسلامي) أن يكون مسلماً؟ ومن خلال معرفتي الذاتية لماهية (الأدب الإسلامي) أجيب بالنفي؛ لأن الأدب الإسلامي يركز أكثر ما يركز على (مضمون) العمل الإبداعي قبل أسلوبه، وديانة الكاتب.
ودليلنا على ذلك رواية (العجوز والبحر) لأرنست همنغواي، التي أحسبها من (الأدب الإسلامي) رغم أن مؤلفها غير مسلم، وكذلك مجموعته القصصية (رجال بلا نساء)، وكذلك (تاجر البندقية) لشكسبير ورواية (دكتور زيفاجو) لبولس باسترناك الروسي، مع أنني أعد رواية (أولاد حارتنا) التي أحسبها من أفضل وأروع ما كتبه نجيب محفوظ فنياً، إلا أنني لا أعدها تحسب على (الأدب الإسلامي) لما فيه من خروج على الثوابت المقدسة، رغم أن نجيب محفوظ مسلم كما نعرف جميعاً.. وقد قرأت له لقاء قبل عام لم أحتفظ بالعدد أعلن فيه تراجعه عن الرواية مطالباً بعدم إعادة طباعتها، واعترف بأنه أعلن توبته بهذا النص عما جاء فيها على يد الشيخ (محمد الغزالي) عند زيارته له في منزله، قبل أن ينتقل (الغزالي) إلى رحمة الله.
وهذان مجرد أمثلة قليلة من غيرها الكثير في هذه العجالة، تاركاً أمر إجراء دراسات حول هذا الموضوع من قبل أعضاء (رابطة الأدب الإسلامي) في المملكة، ومنهم صديقنا الدكتور (حسن بن فهد الهويمل) بصفته عضواً في الرابطة وهو محور هذا الموضوع الذي جرنا فيه الحديث عن (الأدب الإسلامي) قبل الحديث عنه.. كما أرشح صديقنا الدكتور (محمد أبو بكر حميد) بصفته متخصصاً في الأدب والمسرح الإنجليزي.
وتبقى قضية حساسة عن (الأدب الإسلامي) تتمثل في كيفية توظيف (الجنس) الذي نطرق رؤوسنا إلى أسفلها عند ذكره خجلاً أو انكفاء كمن يرتكب جريمة من الجرائم الكبيرة، أو المحرمات الشرعية، مع أن حياة كل منا تقوم عليه، ولا يستطيع الاستغناء عنه إلا رجل (خصي) أو مصاب (بالعنة)، وكلاهما لا يشعر بالسعادة في حياته، كما يمارسه بعضنا حلالاً في منزله، كما يمارسه البعض حراماً في الأوكار كالخفافيش. وفي رأينا أن (الأدب الإسلامي) لا يعقل أن يخلو من الإشارة إلى (الجنس) في العمل الأدبي إذا اقتضت الضرورة، وتكون الإشارة إليه بالتلميح لا بالتصريح، وبالكناية والتورية، لا بالوصف الدقيق الفاحش الذي يثير الغريزة، ويتنافى مع الذوق والقيم والمبادئ النظيفة، ومع هذه الوسائل الشفافة لا ينبغي أن يكون هدفاً لذاته، بقدر ما يكون وسيلة مهذبة بفتح الذال وتشديدها ومهذبة بكسر الذال وتشديدها.
والقارئ يعرف قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، وكيف رمز إلى رغبة امرأة العزيز الغريزية بأنها {َغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} ثم جاءت عملية إصرارها بتعبير {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}، وقدّها لثوبه من الخلف.. هذا هو أسلوب الأدب الإسلامي نتعلمه من (القرآن الكريم) المقدس.
فإلامَ ترمز {وغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ}؟ أي أحكمتها لتبعث على الاطمئنان، فهو لم يقل (وأغلقت الأبواب) التي لا تبعث عن الاطمئنان الكامل، وماذا ترمز {هَيْتَ لَكَ}؟ وجاء التأكيد لنيتها الخائبة بالهمّ به ليس بالنية، وإنما مسكته من ثوبه الذي قدته من دبر..إنه موقف موحٍ دون فحش في الأسلوب، أو مباشرة في التصوير والوصف ويؤدي المعنى المطلوب وهذا مَثَلٌ من كتابنا المقدس (القرآن الكريم) الشريف في إيحاءاته ورموزه.. بل إنه استعمل كلمة (انكحوا) في مثل الآية الكريمة {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} الآية، والذين يعقدون النكاح كما سمعت بنفسي مرات عديدة يملي (المملك) على الأب أن يقول للعريس (أنكحتك ابنتي)، كما يملي على العريس أن يقول (قبلت نكاحها)، ولا يقول للأب مثلا زوَّجتك ابنتي، وللعريس (قبلت زواجها).. أستنتج مجرد استنتاج أن (النكاح) له مدلول أبعد وأعمق وخفي من (الزواج) لا أريد أن أتوصل إليه، أو تعليله!!
ونعود لقصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز في النهاية حين حصحص الحق فجاء على لسانها {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} فينجلي الموقف بكل وضوح؛ وأوصلت هذه العبارة المدلول المطلوب دون فحش!!
وأذكر راجياً أن تكون روايتي صحيحة أن (أبا هبيرة) طلق زوجته ثلاث طلقات متقطعات، فأصبحت بائناً منه فتزوجت من شخص آخر، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاقها طلاقاً بائناً من أبي هبيرة، وزواجها من رجل آخر، لكنه فوجئ بأنها جاءته تطلب العودة إلى زوجها الأول (أبي هبيرة) فسألها عن زوجها الثاني؟ فردّت عليه أن له يا رسول الله كهدبة الثوب!! فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وأطرق حياء ثم قال لها: لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك، وهو يقصد (حتى ينكحك نكاحاً فعلياً).
فإذا صحّت هذه الرواية وأستغفر الله إن لم تكن صحيحة فانظر إلى الأسلوب الراقي الرقيق الشفاف بتكنية عضو الرجل (بهدبة الثوب) وانظر إلى ردّ الرسول عليه الصلاة والسلام الأرقى والأرق، والأكثر شفافية في قوله (حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك)، وهو يقصد (حتى ينكحك نكاحاً فعلياً).
وأذكر بيتاً من الشعر كنَّى قائله (الجنس) بالسّر حيث قال:
لقد زعمت (بسباسة) اليوم أنني
كبرتُ وأن لا يحسن (السر) أمثالي
(وبسباسة) اسم زوجة الشاعر التي اتهمته بكبر السن وعدم قدرته على ممارسة الجنس!! هذه مجرد أمثلة من (الكتاب والسنة) ومن الأدب الإنساني، وما أكثر الأمثلة لمن أراد استحضارها.


ص ب 7967 الرياض 11472
alawi@alsafi.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved