الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th April,2006 العدد : 149

الأثنين 19 ,ربيع الاول 1427

طلاق*
*عبد الواحد الأنصاري:
جالساً أسمع خرير الماء من الحنفية، على بساط وشته حبات الرمل المتغايرة؛ كحب القمح الذي أصاب المطر جانباً من كيسه، ومن الجدار امتدّ خط مستقيم ينتصب عند وصوله إلى الجدار المحاذي، كان ذلك ظل ماسورة صدئة منذ استأجرنا غرفة الحوش وهي ممتدة تستسقي السماء. خرجت سلوى من المغتسل والماء ينصب من عقبيها قطرات، كسمكة أخرجت من البحر يعلم الصياد أنها لن تؤكل حتى يغسل جوفها، مهما غمرت بالماء في حياتها الماضية. ما زلت صغيراً وفراقي لها متعلّق بما إذا كنت أستطيع أن أجعل التشفيَ منها يغلب الحزن لرحيلها. لكني رميت عني هذا الخاطر فزعاً لأني تذكرت لسان عائشة أم هنادي الذي ترطّبه بالحديث عن أن رجال أسرتي يهوون التطليق، بدءاً من جدي الخامس، الذي طلَّق عروسه بعد ساعتين من انفضاض الناس بعد الزفاف، سألها بعد أن تخفف من الملابس الخارجية:
- (ماذا لدى العروس لتطلبه منا؟)
فقالت بدلال ساذج:
- (فراقك).
فلم ينتظر حتى أن تأكل عشاءها وتشرب اللبن الذي كانت تخضّه لها أخته في القربة، وأرسلها على جمل إلى أهلها في ريح قاتمة، حتى إن أباها لم يخرج للقائها لتأكده القاطع أنها ليست هي من طرق خباءه في تلك الساعة المتأخرة، إلى أن رأى في صباحية العرس جملها الذي أهداه لها بمناسبة الزفاف معقولاً وروثه قد جف، دلالة على أنها هي التي أتت البارحة.
دخلت سلوى الغرفة القميئة ونفشت شعرها تنشفه بغطاء المخدة المغسول، وتذمّرت بقسوة من اضطرارها في عشرتي إلى إفساد شعرها، قالت:
- متى تشتري الناموسية لنستطيع تخفيف الحر بالنوم خارجاً؟
أجبتها:
- لو أني أدخر شيئاً لصرفته في حفرة إضافية للحمام الذي بدأ يطفو ويبادلنا الإساءة، فضلاً عن أن بعوض هذه الليالي بالذات لا تنفع معه الناموسيات، تعوّدي عليه وستكتسبين منه مناعة.
كانت قد أكملت تأنقها وعبرت إلى خارج البيت وهي ترفع صوتها تدريجياً:
- على ذكر البعوض الذي يعشق طعم ساقيك، لقد غسلت جواربك أثناء استحمامي وثبتّها بحجرين في كوة الحمام، حاذر وأنت تسحبها ألا يطير بها الهواء.
عادت بعد انصرافها لأنها نسيت المذياع الذي استعارته، لم يعد من المجدي النقاش معها، ستسهر كالعادة مع بنت الصائغ وتأكل بقايا صحونهم.
في المقهى طلبت براد شاي ثقيلاً في اللحظة التي وافقت رفع المذياع إلى أعلى قدر وأم كلثوم تغني، وقبل أن يأتي به الخادم فقدت الرغبة في الشرب ووهن تأثير الأغنية، وانتابني شيء يصعب تفسيره ففتحت البراد مستمتعاً لأول مرة بتهافت البعوض في داخله، عدت فوجدتها تغسل يديها بالطين ثم بالماء، ولا بدَّ أن عشاءها كان دسماً، لأن نومها كان رديئاً، وعندما أصبح الصباح طلقتها بلا رجعة، وأرسلتها إلى أهلها.


* من كتاب (المغزل)

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved