الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th April,2006 العدد : 149

الأثنين 19 ,ربيع الاول 1427

الإسلاميون والمسألة الديمقراطية

*د. إبراهيم محمد الشتوي:
قد يكون فوز حماس مفاجأة وقد لا يكون، وقد يكون أيضاً عن استحقاق وجدارة وكفاءة عالية وقد لا يكون أيضاً، فنحن في أوساطنا العربية قد اعتدنا على حصول التيارات التي تتخذ من الدين شعاراً لها على قبول وشعبية في الأوساط الاجتماعية، وما قيام الثورة الإسلامية في إيران واستمرارها ونجاحها عنا ببعيد.
وحين نتأمل هذه الظاهرة سنجد أمامنا عدداً من الخيارات والاحتمالات التي تعنيها هذه، أحدها أن الإسلام ينطوي على نظرية محددة للحكم، وأن الإخوة القائمين على هذه التيارات قادرون بإذن الله على تطبيق هذه الرؤية ومن هنا استحقوا هذه الثقة الشعبية الغالية، وهذا يعني كفاءة الإخوة الذين رشحوا أنفسهم واستحقاقهم الوصول إلى السلطة، الاحتمال الآخر عدم معرفة الناخبين بحقيقة هؤلاء الإخوة وبرنامجهم المقدم، ومن هنا فإن الناخبين يتجهون إلى الشعارات المرفوعة فنحن كلنا مسلمون نريد حكم الله في الأرض ونحب أن تكون أمتنا الأمة الأولى، ولأننا مسلمون وممتلئون بثقافتنا العربية وحضارتنا التاريخية فإننا نتجه مباشرة لمن يرفع هذه المعاني أمامنا ثقة منا بتراثنا وبما نعرفه من قبل، ومن هنا يصبح الناخب حين يرشح ويختار فإنه يختار فكرة في ذهنه مكتملة لنقل إنها فكرة أو مشروع مثالي يمكن أن نقول بأنه عهد عمر بن الخطاب مثلاً أو هارون الرشيد، لكنه لا يرشح هؤلاء الذين أمامه لأنه لا يعرفهم حق المعرفة فالمشروع الإسلامي لم يحظ بتطبيق متكامل واضح، وأقصد رؤية أصحاب الإسلام السياسي حتى يمكن أن يعرفها الناخب العادي، ويبلوها فيختارها أو يختار المنتسبين إليها، ومن هنا فإن الناخب العادي عندما يصوت فإنه يختار شيئاً مثالياً في ذهنه وليس في الواقع بدليل أن التجارب التي تنتسب للإسلام سواء في السودان أوإيران أوفي حركة طالبان ليست تجارب جيدة ولا يمكن أن يستشهد بها على سلامة هذا الاتجاه، وهو ما يؤيد عدم وعي الناخب، وإدراكه لحقيقة ما يقوم به، وهذا النجاح يشبه إلى حد كبير النجاح الذي حصلت عليه الشيوعية في مراحل متعددة من التاريخ مقارنة بما انتهت إليه من فشل ذريع فيما بعد في بلدانها وانفضاض الناس من حولها، ومرد ذلك إلى أن الناس كانوا يرشحون قيم العدالة الاجتماعية، والمساواة، وتوزيع الثروات، وهي معاني جميلة في أذهانهم لا علاقة لها بالقائمين على ذلك المشروع، وما يدور في أذهانهم الذين قد يكون فيهم المؤمن بمشروعه والكذاب الانتهازي الذي يستغل الضعفاء.
ما يزيد الأمر صعوبة في قضية حماس والتيارات الإسلامية أن هذه النظرية التي يرفعونها شعاراً هي ليست من وضع حماس نفسها، وليست ملكاً لأحد، ومن هنا سهل فصل النظرية عن التطبيق، وسهل فصل خسارة تجربة سابقة عن تجربة جديدة، وإن كانت ترفع الشعارات نفسها باعتبار قدسية النظرية وخطأ التطبيق، هذه الرؤى تجاه النص الأصلي أوالخطاطة الأصلية تنطلق من رؤية محدد مفادها أن الإسلام دين ودولة، أن الإسلام دين حكم، ومن هنا فإن الدعوات الموجودة الحالية إلى تعديل طريقة التجريب أو التطبيق وليس إلى تغيير النظرة إلى المادة المطبقة وطريقة التعامل معها، مع عدم الاعتبار للفضاء - المجتمع الذي سيكون مجالاً للتطبيق والخسائر التي تناله من جراء التجريب المتكرر، والخطأ المتتابع، وكأنه فئران تجارب للأفكار وأيديولوجيات وتطبيقات غير ناضجة.
الأمر اللافت للانتباه هو أن الذين يتحدثون عن نظرية الحكم الإسلامية يستمدون هذه الرؤية من التجربة التاريخية، من تجربة الحكم الإسلامي في عصوره القديمة دون أن يحددوا أي هذه العصور الممثل للنموذج السليم بالرغم من اختلافها الشديد، وبالرغم من أن تلك العصور لا تقدم تجربة محددة يمكن أن يحتكم إليها في تحديد مفهوم الحكم والسياسة في الإسلام، أو بالأحرى الشكل الذي يمكن أن يعتمد للحكم، خاصة أننا نجد من هؤلاء الذين يرفعون شعار الحكم الإسلامي يرفضون بعض السلوكيات والتجارب في الحكم السابق بوصف تلك الفترة - المدة ليست مجالاً للاستدلال، وأن الحجة الحقيقية هي ما جاء عن الله أوعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فإن اتخاذ تلك الحقبة حجة في نمط الحكم في حالة ورفضها في حالة أخرى يمثل نوعاً من التناقض الفكري، إضافة إلى أننا لو أمعنا النظر في التجربة القديمة لما وجدنا أنها تؤيد مقولة إن الإسلام نظام حكم بمعنى أنه يحمل نصوصاً لنظام الحكم، أوللترتيب، فالحكم القديم قائم على التشاور وتدبر الحالات العامة والخاصة من خلال شخص يرى أنه ممثل للأمة كلها وقادر على خلق سياستها الداخلية والخارجية باستثمار معطيات نصية وتجارب تاريخية سابقة له.
هذا النموذج والسياسات والحالات التي تخرج عن التدبر تختلف باختلاف النموذج الممثل للأمة ابتداء من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وانتهاء بالمأمون أوالمعتصم أوالمتوكل الذين يمثل كل واحد منهم نموذجاً في الحكم مختلفً عن الآخر.. هذا الاختلاف في الرؤية إلى النموذج يطرح تساؤلين هما:
1- أي النموذجين الذي يمثل الإسلام، هل هو النصوص المختلفة أم التجارب المطبقة؟ ولأن الإجابة على هذا السؤال ستجرنا إلى جدل فقهي طويل، فإنني سأكتفي بطرحه وبالإجابة المتداولة لدى أصحاب الإسلام السياسي، الذي تنبني عليها إجابة السؤال الثاني.
2- هل الإسلاميون الذين يرفعون الإسلام شعاراً للحكم يؤمنون بالديمقراطية ويصلحون أن يكونوا أداة لها ومنفذين لها؟ الديمقراطية التي تعني الاحتكام للصناديق والاقتراع في ظل فلسفة تغيير المنكر، وتغييره بالقوة إذا كان الإنسان قادراً على ذلك، وفي ظل الإيمان بإقامة جماعة داخل الجماعة تعلن تطبيق الإسلام وحدها، وتخص بالخطابات الواردة عن الله بالاحتفاظ بالسلطة من مثل {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ}.
وحين يكون الإسلاميون بالسلطة فإنهم الجماعة المخصوصة بهذه الخطابات ويجب عليهم تنفيذها، وحين ينهزمون في صناديق الاقتراع فإن هذا يعني خروجهم الذي يعني الإسلام، ودخول الآخرين الذين لا يطبقون الإسلام بصورة أخرى المنكر من وجهة نظرهم، وهم مطالبون بمحاربة المنكر، وبحالة وجودهم بالسلطة فهم قادرون على تغييره بأيديهم، وهذا يعني أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما:
1- القبول بتداول السلطة وهو ما يعني تنازلهم عن مبدأ تغيير المنكر بكل ما يحمله من مفهوم وهو ما يعني انتقاصهم من الإسلام وتطبيقهم نموذجاً خاصاً بهم.
2- وإما عدم القبول به توافقاً مع مبدئهم العام، وهو ما يؤدي إلى كفرهم بالديمقراطية وصناديق الاقتراع التي مكنتهم من الوصول إلى السلطة، وهم هنا يتقاطعون مع الشيوعيين الذين يحمون ثورة البوليتاريو بالقوة من أن يمسها أحد حين تنجح عن طريق الاقتراع، فهم ينتقضون على الديمقراطية التي وصلتهم إلى السلطة.
وبناء على ما سبق يتضح أن الإسلاميين يواجهون عدداً من التحديات في تعاملهم مع الديمقراطية، هذه التحديات تتمثل في الموقف من الديمقراطية نفسها، وطريقة تعاملهم معها، وإمكانية تطبيقها وهو ما يطرح التساؤل عن جدوى إقامة مثل هذه الأحزاب، وعن إمكانية تطبيقها لشعاراتها المرفوعة، والتزامها بالديمقراطية، والمعنى الذي يمكن أن يوصل إليه إنشاء مثل هذه الأحزاب، الأمر الذي يؤدي إلى محاولة تقديم رؤية جديدة حول هذا الأمر بوجه عام.
ويتضح ذلك بصورة كبيرة حين ندرك أن كثيراً من الدول العربية تعلن في دساتيرها أن الإسلام هو دين الدولة، وأن القرآن مصدر رئيس من مصادر التشريع، وتضع قيم الإسلام الخالدة، وأحكامه العظيمة في بنود الدستور، وهذا يسهم في الإجابة على التساؤل السابق عن معنى هذه الأحزاب وجدوى إقامتها، ويجعلنا نقدمها بالطريقة التالية:
إذا كانت هذه الأحزاب ستجد نفسها في مفترق طرق بين تطبيق الإسلام أوتطبيق الديمقراطية، أو بصورة أخرى تطبيق الشعار أو الالتزام بالنظام، وإذا كانت بنود الشعار وجوهره موجود في النظام وتتساوى الأحزاب في وجوب الالتزام به، فإن هذا كله يحصر معنى أن يكون الحزب إسلامياً بالاسم وحده والشعار، وهو أمر لا معنى حقيقي له سوى الكسب السياسي وهو ما يتعارض مع تحريم إرادة الإنسان بعمله الصالح الدنيا، وطلبه العلم الشرعي للكسب المادي بتحويل الإسلام إلى أداة لكسب العيش والرزق، ويؤدي إلى الاتجار بالإسلام، الأمر الذي يعني أنه لا معنى واقعي حقيقي له، ولأنه لا معنى لإنشاء هذه الأحزاب فإنه لا جدوى منه لأنه لا يمكن العمل بها كما سبق القول، ولأنها تحمل في داخلها تقسيم الناس إلى ملتزمين بالإسلام وغيرهم، وهو ما يوحي باتهامهم بعدم الالتزام بتطبيق الإسلام ومن ثم الدستور، وهذا كله لا يدخل ضمن التنافس الشريف الذي ينبغي أن تسعى الديمقراطية إلى إشاعته، وجاء الإسلام بكفالته.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved