الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th April,2006 العدد : 149

الأثنين 19 ,ربيع الاول 1427

حمزة شحاتة.. مركزية الذات
(القابلية - الطبيعة - الموقف) «1»

(1)
***
مدخل
حمزة شحاتة اسم رنان في الأدب المحلي، وكثيرون يعتقدون أنهم يعرفون الأسباب، وكثيرون أيضاً من يصرحون أنهم لا يعرفونها بما فيه الكفاية، ولكن الفريقين ربما يتفقان على شيء مشترك، وهو تلك النبرة الواضحة التي مؤداها: أن شخصيته وأدبه لم تأخذا حقهما الوافي من البحث والدراسة، فالرجل له شخصية متفردة، تنطلق من رؤية خاصة في بداية حياته الأدبية، أو بعد التحول الواضح الذي حدث في تلك الرؤية وبدلها. ومن المهم محاولة التعرف على هذه الرؤية، وتطورها، وخلفياتها، ومصادرها، وأسبابها، وتأثيرها على مجمل إبداعه الشعري والفكري، سواء من جهة الإنتاج والنشر في البداية، أو عدم المبالاة بالإنتاج والنشر، بعكس ما تحقق له بالمزيد من سعة الاطلاع والنضج الفني والنقدي، وهو ما يسميه إبراهيم الفلالي (اللاأبالية) (المرصاد، نادي الرياض الأدبي 1400هـ - 1980م ص 95) وما هو موقع كل ذلك من سياق الأدب والفكر المحلي، هل هو في قلب هذا السياق، وهو الانطباع العام الذي تشيعه أغلب الدراسات السابقة، فتربط بينه وبين العواد في معظم الحالات أم أنه خارجه كما هو موقف حمزة شحاتة ذاته، خصوصاً في الجزء الاغترابي من حياته؟ أو أن الأمر بين بين؟.
كل الأسئلة السابقة تنطوي إجاباتها على دلالات هامة في السياق العام أشمل من دلالاتها الأدبية المحضة، لأن شحاتة كان يرى نفسه واحداً من الطليعة المثقفة التي حملت هموم الإحياء والإصلاح والنهضة، وبالتالي فإن الأدب عندهم ما هو إلا جزء من خطاب متعدد الأبعاد.
كان الذكاء المتقد، والعقل المفكر، والقلق الخلاق، أبرز سمات شخصية حمزة شحاتة، ومن الواضح أن هذه السمات مجتمعة قد انعكست على رؤيته للحياة في شئونها وشجونها، وعلاقاته الاجتماعية والأدبية، وقراراته الخاصة والعامة، ومجمل إنتاجه الفكري وإبداعه الشعري تبعاً لكل ذلك.
كان حمزة شحاتة الشاعر والناثر, مثار إعجاب معاصريه، ومن جاء بعدهم من الدارسين، فقد انطوى إنتاجه الشعري على فلتات إبداعية متميزة بشكل لافت، كما دلت خلاصاته الفكرية على عقلية نافذة، وخصوصاً في (رفات عقل) (جمع عبد الحميد مشخص، تهامة، جدة 1400هـ - 1980م) وفي رسائله إلى ابنته شيرين (تهامة، جدة 1400هـ - 1980م).
وقبل كل ذلك في محاضرته الشهيرة بقصتها والحكايات التي دارت حولها قدر شهرة مضمونها (الرجولة عماد الخلق الفاضل) التي ألقاها في جمعية الإسعاف بمكة المكرمة عام 1359هـ (تهامة، جدة 1401هـ - 1981م) وبالتالي فإن ذلك الإعجاب له ما يبرره شعراً ونثراً.
كُتب الكثير عن حمزة شحاتة، سواء عن شعره أو نثره أو شخصيته، وإذا استثنينا كتاب (الخطيئة والتكفير) للدكتور عبد الله الغذامي، فإن هذه الأبعاد الثلاثة كانت تتم مقاربتها فرادى في الغالب وقلما تركز البحث على تكاملها وتواشجها وارتباطها وامتداداتها وتطورها، ومدى تأثرها بالظروف والمتغيرات المتنوعة، وتأثير كل منها على الآخر، وموقعها من مجمل السياق الثقافي المحلي.
ولا يمكن التقليل من معظم الدراسات السابقة التي ركزت على جانب واحد، إما الشعر وإما النثر وإما الشخص ، فكل منها توصل إلى نتائج مقدرة في مجاله.
ولكن تبقى مسألة التصور الشامل، أي الشعر والنثر والشخصية والسياق منظوراً إليها مجتمعة، فهذا يقيمها مرجعية إضافية وأساسية يمكن أن تثري تلك الدراسات المتفرقة، أو على الأقل كإمكانية مفتوحة، ليس لدراسة حمزة شحاتة فقط، بل بوصفها جزءاً من دراسة مجمل المنجز الثقافي المحلي، باعتبار حمزة شحاتة منسوباً إليه في مرحلة الانغماس، وهو انغماس يطرح الكثير من الأسئلة، أو مرحلة المفارقة، وهي مفارقة تطرح أسئلة مختلفة. وكتاب الغذامي جمع بين الشعر والنثر والشخصية، ولكنه في جزئية السياق ذهب إلى بديل مرجوح من الناحية الواقعية، وإن كان الغذامي رآه راجحاً من الزاوية التي نظر منها. وهذه الدراسة تتبنى البديل الواقعي، وترى أن معرفة مركزية الذات عند حمزة شحاتة باعتبارها صفة أصيلة من جهة، ومتطورة من جهة ثانية هي ما كان ينقص الغذامي عندما أصدر كتابه، لأنها وحدة تحليل مهمة.
(2)
***
مركزية الذات (الطبيعة والموقف)
يلاحظ بصورة واضحة، في معظم الدراسات السابقة، أن شخصية حمزة شحاتة كانت دائماً في المركز، فحينما يتحدث أحد عن شعره أو نثره، نجده سرعان ما ينعطف إلى تلك الشخصية.
يذهب الكلام ويعود إلى الذات، حتى الكتب التي ألفت عنه، كانت تركز على الشخص أكثر مما تركز على الشعر أو على النثر، مثل: ? كتاب عزيز ضياء (حمزه شحاتة: قمة عرفت ولم تكتشف) (المكتبة الصغيرة، الرياض 1397هـ - 1977م).
وكتاب عبد الفتاح أبي مدين (حمزه شحاتة: ظلمه عصره) (نادي جدة الأدبي الثقافي 1418هـ - 1998م).
إذن مفتاح الولوج إلى عالم حمزة شحاته هو حمزة شحاتة الشخص, أو كما يقول الغذامي (محكمة شحاتة شحاتة نفسه) (الخطيئة والتكفير، نادي جدة الأدبي الثقافي، 1405هـ - 1985م، ص 168)، وكثيرون اقتربوا من ملامسة هذا المفتاح، ولكن هل استثمروه كما يجب؟.هذا هو السؤال.
إذا أخذنا الغذامي مثالاً، فربّما نجد بعض الأسباب التي جنحت به عن الاتجاه للواقع المحلي، مثل البحث عن قضية كبرى لا ترد يد لامس، ويمكن أن تفتحها معظم مفاتيح العالم، وفي نفس الوقت تناسب ذلك الحشد من مشاهير النقد الغربي الذين استدعاهم، وهو الذي يسجل في كتابه (حكاية الحداثة) (المركز الثقافي العربي، بيروت 1424هـ - 2004 م ص 60) أنه مر بهم على محمد حسن عواد فلم يجد بغيته، وكان شحاتة هو الخيار شبه الأخير لديه آنذاك، مما يوحي بأنه كان أمام فرصتين، معدومة وضئيلة، فتمسك بالثانية.
ولهذا وجد نفسه مجبراً على الربط بين الأبعاد الثلاثة (الشعر والنثر والشخصية) ولكن ليجبرها بدوره على الخروج من سياقها إلى سياق بعيد، وهذه الجبرية النقدية على العموم مناقضة للقدرية التي أدخلت حمزة شحاتة في التمركز الذاتي، وهو التمركز الذي يعتبر الخيط الناظم عند دراسة آثاره ومواقفه.
وبما أن الأدب هو العنوان لمجمل خطاب الإصلاح والنهضة، فإن هذه الدراسة تفترض أن سبب تحول حمزة شحاتة سبب فني ونقدي، وإن كان في الوقت نفسه ليس بعيداً عن طبيعة شخصيته، ولعله فرع من تلك الطبيعة، فقد نضجت رؤيته النقدية، وبدأ يحاكم إنتاجه الشعري على وجه الخصوص على أساسها فلم يقتنع به بالدرجة التي اقتنع به الآخرون، وهو المشهود له (بالنضج العقلي والفني) (عزيز ضياء، مقدمة الرجولة عماد الخلق الفاضل، ص 20)، ويقدمون العقلي على الفني، مما يدل على أن أسباب التحول لها جانب شخصي كما هو مستفيض في معظم الدراسات، ولها جانب فني وفكري, وهو ما تحاول هذه الدراسة التعرف عليه.
وإذا كان ذلك كذلك، فلعل التحول في الموقف الشخصي نتيجة للموقف الفني والفكري، وليس العكس كما هو شائع، أي أن عدم قناعته المتأخرة شخصياً بشعره أو نثره أو مواقفه رغم قناعة أكثرية الآخرين بذلك الشعر وذلك النثر، وعدم فهم المواقف هي التي زادت في ابتعاده، وليس قرار ابتعاده هو السبب في دفن آثاره ومحاولة حرقها. وهذه المبالغة في الانفصال عن السياق، يقابلها مبالغة قديمة، وهي الانغماس الشديد في ذلك السياق في بداية حياته الأدبية، فقد كان (يستمر في الجدال عشر ساعات أو أكثر) حسب رواية الساسي (الشعراء الثلاثة في الحجاز, مكة المكرمة 1368هـ - 1948م، ص 30) ، أو (لمدة عشرين ساعة) حسب رواية عبدالله عبد الجبار (حمار حمزة شحاتة، دار المريخ، الرياض 1397هـ - 1977م المقدمة ص 19)، والمحاضرة الشهيرة تستمر خمس ساعات، وهكذا.
فالأمران على طرفي نقيض، ففي المرحلة الأولى كان يسعى لتأكيد الذات أمام جمهور مبهور بموقعه في سياق (الفهم العام) كما هي عبارته (المحاضرة، ص 24)، ثم الانتقال إلى الانعزال، فلم يعد هناك لغة مشتركة بينه وبين السياق الثقافي، وتحول التمركز الذاتي إلى موقف محدد، وخلاصة هذا الموقف أن (الصمت أفضل لغة للحوار) (رفات عقل ص 52).
كان الشعر هو الباب الذي دخل منه إلى معترك الشأن العام، ولهذا خرج من باب الشعر، أي أن القناعة المبكرة بقوة الشاعرية كانت عنواناً للقناعة بقوة المواقف الفكرية والسياسية في بداية حياته، ولكن عندما اهتزت تلك القناعات تهاوى الشعر والمواقف دفعة واحدة، وحين شعر أنه قد فقد تأثيره المأمول، فصل ذاته عن أن تكون متغيراً عادياً ضمن نسق السياق الأدبي العام ليظل متحرراً من المجال الأدبي (حسب عبارته، ويضيف) وهي مسألة فرغت منها منذ زمن طويل ولم يطرأ على موقفي منها أي تعديل.. حتى الآن (إلى ابنتي شيرين، الرسالة رقم 60 ص212) وبالتالي أصبحت الذات عنده جوهراً ووعياً مفارقاً للسياق العام .
(للمقارنة انظر. د. الزواوي بغورة، ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، دار الطليعة بيروت 2001م ص 28).
وهذا التحول الذي حدث في رؤيته للأمور لا يمكن أن يكون فجائياً، وإنما له بذور في أساس شخصيته، أي أن (قابلية) تمركز الذات عنده منذ سنواته الأولى تحولت فيما بعد إلى (طبيعة) بسبب ظروف شخصية وفنية وفكرية لا شك أنه رآها كافية، وإن لم يرها الآخرون كذلك، ولكنه كان أكثر منهم معرفة وإحساساً بها، وهذا ما يفسر كل ما قاله أو قيل عنه، من آراء أو مواقف، أي أن مركزية الذات عنده سارت في خط تصاعدي على ثلاث مراحل:
(قابلية - طبيعة - موقف) وإن كل مرحلة قد تداخلت مع سابقتها في فترة من الفترات، ولكن في المحصلة النهائية، يظهر أن الأمر بدأ بالقابلية، وانتهى بالموقف الخالص.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved